أهم المكتبات في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.
تعد المكتبات العامة والخاصة من أهم مؤسسات الفكر والثقافة في المجتمع وذلك لما توفره من مصادر المعرفة المتنوعة ولما تقدمه من خدمات للفئات المتعلمة الشغوفة بالاطلاع وللباحثين المتخصصين في هذا المجال أو ذاك. فكانت توجد في نجران مكتبات تراثية بسيطة في بعض المساجد ولدى بعض الأسر ذات المكانة الدينية والاجتماعية الخاصة لكن لا توجد معلومات دقيقة عنها، لذا نكتفي بإيراد النبذة الآتية عن مكتبة الخزينة في نجران، وهي مكتبة تقليدية كانت ملحقة بمركز المنصورة، وكانت تسمى (الخزانة) أو (الخزينة) وهي مكان يحفظ به كل ما يتعلق بكتب الفقه الشرعي وبعض كتب المنطق والفلسفة التقليدية، وتتم الاستفادة من هذه الكتب عن طريق الاطلاع المباشر للمختصين في العلوم الدينية، أو عن طريق الإعارة التي تستحق بعض الإيضاح، فهذه الكتب موقوفة كملكية عامة، وهناك مسؤول عن الخزينة، وغالبًا ما تتم الإعارة لفئة من القراء الطلاب الذين يُسمَّون (المستفيدين). ومن شروط المستفيد أن يكون حافظًا لجزء (عَمّ) على الأقل، ومواظبًا على صلاة الجماعة في المسجد، وأن تشهد له شخصيات معتبرة بالرغبة في التعلم وبالقدرة على التوسع والتعمق في علوم الشريعة وعلوم العربية وفي المنطق والفلسفة. بعد هذا يعين له معلم (مفيد) هو الذي يشرف على تعليمه؛ إذ يحيله إلى (الخزينة) ليستعير الكتاب الأول عن مبادئ الشريعة وعلومها ليقرأه على شيخه إلى أن يجيزه فيه، ثم ينتقل بالتدريج إلى كتاب ثان وثالث وهكذا... وهذه المرحلة قد تستغرق سنين طويلة، ولا يجاز في التأويل والفلسفة إلا قلة من الطلاب الذين يثبتون كفاءة عالية في التحصيل والفهم .
أ - المكتبة العامة:
أهم المكتبات الحديثة في المنطقة هي (المكتبة العامة في نجران) التي تتبع وزارة الثقافة والإعلام، وقد أُسست عام 1369هـ/ 1950م كجزء من جهود الدولة لنشر الثقافة والعلم في المنطقة كما في المناطق الأخرى.
لم يكن للمكتبة مبنى مستقلٌ حينما افتتحت، لذا خصص لها ركن في (مكتب الإشراف التربوي) الواقع في البلدة القديمة، وفي عام 1405هـ/1985م. انتقلت إلى المبنى الجديد بحي الفيصلية، وهو مبنى كبير متميز يتكون من دورين وتبلغ مساحته الإجمالية 582م.
في الطابق الأرضي من المبنى توجد المكاتب الإدارية وقاعة واسعة صممت لكي تنظم بها اللقاءات التربوية والندوات والمحاضرات ومعارض الكتب، وقاعة أخرى للاجتماعات أو للاطلاع على الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية التي تصل المكتبة بانتظام.
أما في الطابق الثاني فتوجد قاعة الكتب الرئيسة وتحتوي على أكثر من ثلاثين ألف كتاب تشمل جميع فروع المعرفة العلمية والإنسانية، وهي مصنفة حسب تصنيف (ديوي) العشري المعدل من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. كذلك توجد في الطابق ذاته مكتبة الطفل وهي من الأقسام الجديدة في المكتبة، وتستهدف تقديم الخدمات لفئة محددة هم الأطفال، لذا فإن مقتنياتها تجمع بين الكتب المصورة والألعاب التربوية التعليمية، وقد صممت مقاعدها وطاولاتها وأركانها بشكل جذاب مريح؛ لأن هدفها هو تقوية علاقة الطفل بالكتاب ومن ثَمَّ الإسهام في إعداد جيل جديد تكون القراءة والاطلاع المستمر على الجديد المفيد من المعارف جزءًا من عاداته. يوجد بهذا الدور أيضًا قسم مخصص للصحف والمجلات والدوريات الوطنية والعربية والأجنبية، وقسم الفهرسة والتصنيف، ولدى القائمين على المكتبة طموحات كبيرة لتطوير هذه الأقسام كلها، وخصوصًا أن الوزارة تحرص على تغذيتها بالمزيد من مصادر المعرفة وقنواتها. ولا يقل عدد زوار المكتبة عن خمسة عشر شخصًا في اليوم، وهذا العدد يرتفع بشكل ملحوظ في مواسم الدراسة، وذلك لأن بعض الطلاب في المدارس الثانوية وفي الكليات يوجهون إلى إجراء بحوث متنوعة؛ ولهذا تصبح المكتبة خير مكان ينجزون فيه أبحاثهم، ودور المكتبة العامة يزداد أهمية إذا علمنا أن أنشطة ثقافية متنوعة تعقد فيها بانتظام، ومن أبرز الندوات واللقاءات العلمية التي نظمت في قاعة المحاضرات ما يأتي:
إقامة ندوة (أمراض الدم الوراثية) عام 1422هـ/2001م بالتعاون بين المكتبة ووزارة الصحة وشارك فيها عدد كبير من الأطباء.
إجراء لقاء حواري طلابي عام دعا إليه وأشرف عليه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عام 1425هـ/2004م، ومثّل تجربة مهمة كل الأهمية نظرًا لكون تعليم الطلاب فنون الحوار وتعويدهم على ممارستها عمليًا هو مشاركة فعالة في تنمية علاقات التفاهم والتعاون فيما بينهم وتشجيعهم على إبداء الرأي والإنصات للآراء الأخرى ضمن آداب التخاطب والجدل بالتي هي أحسن وأنفع، وهذا كله أنجح وسيلة لنشر ثقافة الحوار بين شرائح المجتمع المختلفة.
رعاية المكتبة لمسابقات ثقافية متنوعة، ومسابقات إعداد البحوث، وقد نظمتها المكتبة وأشرفت عليها بالتعاون مع بعض المدارس في المنطقة حرصًا من الجميع على تعميق روح البحث والتحصيل لدى طلاب اليوم الذين هم رجال الغد ونساؤه.
تنظيم المكتبة بعض الأنشطة الطلابية مثل: تدريب الطلاب على فنون الإلقاء والتعبير عام 1425هـ/2004م، وذلك لتنمية مهاراتهم الذهنية ومواهبهم اللغوية ليحسنوا التواصل والتفاعل مع الآخرين من جهة، ولكي يكتشف بعضهم ما لديه من قدرات على التفكير الإبداعي في هذا المجال من جهة أخرى.
مشاركة المكتبة بنصيب وافر في معرض الكتاب الذي أقيم بنجران عام 1424هـ/2003م، ومعها كل المكتبات المحلية ومعظم دور النشر الوطنية المهمة، وقد حقق المعرض نجاحًا طيبًا من حيث عدد الزوار وتخللته بعض الأنشطة الثقافية.
هذا وتعمل المكتبة على وضع خطة ثابتة لأنشطة ثقافية وعلمية منتظمة مثل: زيارات الطلاب من مختلف المراحل الدراسية إلى المكتبة بشكل دوري، وتنفيذ نظام برنامج اليسير لفهرسة الكتب ومصادر المعلومات الأخرى وإدخالها في النظام وذلك لإتاحة البحث عن مصادر المعلومات الموجودة في داخل المكتبة الذي يهدف إلى إدخال مواد نحو ثلاثين ألف كتاب في الحاسب الآلي للتيسير على كل من يريد الاطلاع وإجراء البحوث من دون تكلف مشقة الانتقال إلى المكتبة، وهذا هو التوجه السائد اليوم في العالم؛ لأنه أصبح ضرورة ملحة لتحافظ المكتبة بهذه الكيفية على وجودها وتعزز حضورها في المجتمع.
ب - المكتبات الأخرى:
افتتحت منذ أعوام قليلة مكتبة عامة جديدة في محافظة شرورة ، تحتوي على بضعة آلاف كتاب، وخدماتها وأنشطتها تتطور وتتسع وخصوصًا أنها ابتدأت من حيث انتهت مكتبة نجران العامة. فسكان المحافظة في حاجة إلى مؤسسة معرفية مثل هذه، نظرًا لكون نسبة كبيرة منهم من موظفي الدولة العسكريين والمدنيين فالمؤكد أن نسبة التعليم عالية بينهم، ولذلك فإن وجود مكتبة عامة في المحافظة، وفي بقية المحافظات، يعد من أبرز المؤشرات الدالة على انتشار الثقافة الحديثة وتطور الوعي بأهميتها لدى المسؤولين ولدى بقية النخب الاجتماعية. كذلك توجد - بالضرورة - مكتبات أكاديمية في الجامعة بكلياتها التربوية والتقنية والاجتماعية بوصفها من مؤسسات التعليم العالي أو المتخصص الذي يحتاج طلابه وطالباته إلى مصادر ومراجع محددة قد لا تتوافر في المكتبة العامة. والمتخصصون في علوم المكتبات يدركون جيدًا أن وجود مكتبات أكاديمية في فروع محددة من العلوم الدقيقة أو من العلوم الإنسانية ينطوي على دلالتين مهمتين: الأولى تبرز في مستوى الحياة الاجتماعية العامة؛ إذ إن وجود فئات متخصصة في هذا المجال أو ذاك مؤشر قوي على تطور المجتمع من حالة الاعتماد على الثقافة التقليدية إلى الاعتماد على الثقافة الحديثة التي تعلي شأن التخصص ومقام الأفراد المتخصصين كلما باشرت عمليات التنمية والتطور. أما الدلالة الثانية فتتحدد من منظور النخب الثقافية الجديدة التي تحرص باستمرار على التعمق في مجالات نظرية ومهنية محددة لتؤدي واجباتها بفعالية أكبر ومن ثم تكسب احترام المجتمع لما تمثله من قيم وتؤديه من أدوار حيوية فيه، ولهذا السبب نعلم جميعًا كم هي عالية مكانة الأطباء والمهندسين والخبراء الاقتصاديين والتربويين في كل المجتمعات الحديثة
وتجدر الإشارة إلى انتشار عشرات المكتبات المدرسية ومراكز مصادر التعلم في مدارس نجران والتي يبلغ إجمالي عددها في مختلف المراحل، للبنين والبنات، أكثر من 600 مدرسة. ففي هذه المؤسسات التربوية التعليمية يعمل أكثر من 6.000 شخص من المعلمين والمعلمات والإداريين والإداريات، عند حُسن استثمار هذه المكتبات الصغيرة لتعويد الطلاب على الاطلاع وتنمية حب المعرفة ومهارات البحث، فإن نسبة طيبة من الطلاب الذين يربو عددهم الإجمالي في مختلف المراحل على مئة ألف طالب وطالبة، سيبرز منهم حتمًا كثير من المبدعين والباحثين المتميزين في مختلف المجالات المعرفية. من هذا المنظور تحديدًا كان الربط بين التعليم الحديث والثقافة الحديثة التي تتميز عن الثقافة التقليدية بكونها ثقافة متنوعة المصادر، كثيرة التخصصات وقابلة للتطور المستمر، نظرًا لقدرتها على التواصل والتفاعل المستمر مع ثقافات المجتمعات البشرية الأخرى؛ حيث إن رهانات التنمية والتقدم في مختلف المجالات تكسبها (مجتمعات المعرفة) في عالم اليوم أكثر من غيرها.
ج - المكتبات التجارية:
قد لا توجد مكتبات تجارية في منطقة مثل نجران تميز بدقة بين مهمة بيع الكتب وبيع الأدوات القرطاسية والمكتبية والمدرسية، كما هو حاصل في مدن كبرى مثل: الرياض وجدة والدمام. وتنتشر المكتبات التجارية متعددة الأغراض في كل مكان، وخصوصًا في الشوارع الرئيسة قرب المراكز التجارية الكبيرة، ويكثر مرتادوها من مختلف الأعمار والفئات السكانية . وهذه مؤشرات جديدة على قوة التحولات التنموية التي حدثت في هذا المجتمع الذي كان قبيل عقود قليلة لا يعرف مكتبات مثل هذه المكتبات وقد لا يهتم بها كثيرًا لو وجدت آنذاك، لأن نمط حياته التقليدية لم يكن يجعله يحتاج إليها، مثله مثل كل المجتمعات المحلية الزراعية أو الرعوية في المناطق الأخرى.
بناءً على هذا كله فإن وظائف هذه المكتبات تكمل وظائف المكتبات العامة والأكاديمية، وأنها مؤسسات جديدة تسهم في نشر الثقافة الحديثة أيضًا في المنطقة.
ويوجد في مدينة نجران وحدها 26 مكتبة تجارية موزعة في مختلف الأحياء.