يُعتبر المسجد الحرام أول مسجدٍ وضع للناس في الأرض، قال الله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) وقد وضعه الله -تعالى- لعبادته وطاعته، وجعل تلك العبادة سبباً لنيل رضاه والفوز بجنته، وقد دلّت كلمة أول في الآية القرآنية على الأولوية المطلقة لبناء البيت الحرام زمانياً، أمّا كلمة وضع فتدلّ على مكانة البيت وتشريفه باختيار مكانه وتحديد موضعه، فلفظ الوضع يدل على الحط والإدناء، فقد وضع الله للناس موضع البيت؛ أيّ أدناه وقرّبه للمتناول حتى يُهيء رفعه والانتفاع به فيما بعد، وفي ذلك تشريفٌ للبيت وتعظيمٌ لمكانته، وحتى تتعلّق القلوب به وتهفو إليه.
مرّ البيت الحرام بمراحل عديدةٍ من البناء؛ فقيل إنّه بُني أول مرةٍ على يد الملائكة وآدم -عليه السلام-، ثمّ جاء إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- فرفعوا قواعده، حيث كان إسماعيل -عليه السلام- يأتي بالحجارة إلى أبيه إبراهيم -عليه السلام- حتى ارتفع البناء، ثمّ وقف إبراهيم على الحجر حتى يستكمل بناء الكعبة، وبعد ذلك تولّت قبيلة جرهم التي سكنت مكة إصلاح البيت وإعادة تعميره بعدما تصدّع أكثر من مرةٍ بسبب السيول، ثمّ أعادت قريش بعد ذلك بناء الكعبة ورفعت بابها بعد أن كان ملاصقاً للأرض، وفي عهد عبد الله بن الزبير أُعيد بناءها من جديدٍ، حيث أُدخل الحجر في البيت، وأُلصق باب الكعبة بالأرض، وفي عهد عبد الملك بن مروان أُعيد بناء الكعبة على الهيئة التي كانت عليها أيام النبي -صلّى الله عليه وسلّم-
فضّل الله -تعالى- الصلاة في المسجد الحرام على ما سواه من المساجد في الأجر ومضاعفة الحسنات؛ فالصلاة فيه تعدل مئة ألف صلاةٍ كما ثبت في السنة النبوية الصحيحة.