عمون - ماهية السعادة
يسعى البشر عادةً لتَحقيق السّعادة التي يتمنونها، إلا أنّ هذه السعادة تختلفُ من شخصٍ إلى آخر؛ فبعض الأشخاص يرون السعادة مالاً فيقضون عمرهم راكضين يجمعون المال من هنا وهناك، وهم يغفلون عن حقيقة أنّ المال غير دائم، وسعادته هي لحظيّة، قال تعالى: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) ، وآخرون يرون أنّ السعادة هي وظيفة مرموقةٌ ومركز متميّز، يسعون لنيله بكافة الوسائل والسُبل، وغيرهم يَرون أنّ السعادة تكون في الصِحَّة البدنيّة والنفسية، وغيرهم يرونها في الأمان والاستقرار، وآخرون يَرونها إيمانًا وطاعة لله تعالى، والفوز بجنّته عزَّ وجل.
إنّ سبب اختلاف مفهوم السعادة عند الناس يرجع إلى حقيقةِ الفقدِ؛ فالشخصُ الذي يفقد شيئاً يرى سعادتهُ بامتلاكهِ؛ ففاقدُ المالِ يجدُ السعادة في المال، وفي بهِ وتوافرهِ بين يديهِ، وفاقد الصحة الذي عاش زمناً مع المرض يصارعهُ ويواجه صِعابهِ يرى السعادةَ في أن يكون سليم الجسد.
أين تجد السعادة الحقيقة
يتساءل الإنسان عادةً أينَ يُمكن أن أجد السعادة الحقيقيّة الدائمة؛ حيث إنّ هذا السؤال حيّر الكثيرين فإذا كانت جميع المُغريات والمُتع لا تدوم فالسعادة الحقيقيّة في دوام الشيء واستمرارية منفعته، وعليه فالفرد الناجح يجد سعادته في مجموعة من الأمور.
الإقبال على طاعة الله وعبادته
إنّ العبدَ المُسلم الذي يبحث عن سعادةٍ في القلبِ ورَاحةٍ في النفس يجد ذلك في طاعَتهِ لربهِ، وامتِثالهِ لأوامرهِ، وبُعدهِ عن معاصيهِ؛ فقلبُ المُسلم يَحنُّ ويشتاقُ للعبادةِ أكثر من حنينه لمتع الدنيا الزائلة، وبطاعة العبد، وإيمانه، وتقرّبه من الله سُبحانه يتعلّق قلبه به حتى يُصبح حب الله هو أسمى غاية، وأعظم رغبة يسعى لها العبد، فينالُ بذلك الحب، والطاعة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)
إنّ الطاعة لله سبحانه وتعالى وعِبادته، وحسن القرب منه ليست كَلمات تُقال، وإنّما هي عَملٌ وسلوكٌ يُترجَم على أرضِ الواقع، ويَظهرُ أثره في الكون والحياة، فليس للعبدِ طريقاً أنفع، وأهدى من طريق الهداية، ولا أوصل للسعادة والبهجة إلا بها. قال تعالى في كتابه الكريم: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى). جاء في تفسير هذه الآية: (فَلا يَضِلُّ) أي في الدنيا، (وَلا يَشْقَى) أي في الآخرة، وقوله سبحانه (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي) بمعنى خالف أمري، وطاعتي، وأعرض عنه وتناساه، ولم يهتدي بهذا الهدي، (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) هذا جزاؤهُ في الدنيا، حيث يفقد الطمأنينة، ولا انشراح لصدره، بل قد يضيقُ صدرهُ وإن أظهرَ عكس ذلك، وأظهر النعم، فالسعادة القلبية تكون لديه مفقودة.
الذكر الدائم لله تعالى
الذكر والدعاء يُزيل قساوة القلب وشدته، ويجعل الإنسان يعيش في راحة بال واطمئنان في القلب، وسعادة في الحياة، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) فذكر العبد يجعله يشعر بالسعادة في الدنيا والآخرة.
ذكر ابن القيّم في كتابهِ فوائد عديدة لذكرِ الله سبحانه منها: بالذِّكْر ينال العبد رضا الله عز وجل، والذِّكْر يطرد الشيطان، ويُزيل الهم والحزن عن قلب المسلم، ويجلب الفرح، والسرور له، والسعادة والهناء، ويُقوّي الصحة والبدن، ويجعل في الوجه والقلب نوراً وإشراقاً، وهو كذلك جالبٌ للرزق، ويورّث المحبة من الله سبحانه ومن الناس جميعاً.
القناعة والرضا بما قدّر الله سبحانه
رِضا العبد بما قسم الله سبحانه وتعالى سببٌ للسّعادة والسرور، والفوزُ في الدنيا والآخرة، ومن قناعة العبد ورضاه أن ينظُر دائماً إلى من هو أقلّ منه من أهل الدنيا، ولا ينظر إلى من هو أعلى وأفضل منه؛ فالإنسان إذا نظر إلى مَن فُضِّل عليه بماله، أو جاهه، أو مكانته، أو أيّ أمرٍ من أمور الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك، وأصبح يَسعى ليل نهار لنيلها، وهو ساخطٌ على كلِ من حولهِ، وقد استصغر ما عنده من نعم الله سبحانه وتعالى، وهذا الأمر يكثر عند أغلب الناس، أمّا إذا نظر العبد إلى من هو أقل منه من أمور الدنيا كالمال والمركز والصحة وغيرها شعر بقيمة نِعم الله سبحانه وتعالى عليه وقدّرها حق تقديرها، فأظهر نعم الله تعالى عليه، وسعد بها، وشكر المنعم سبحانه، وأطاعه حبّاً ورضا منه على ما وَهبه الله به وفضله على خلقه.
الإحساس بالمتع الحياتية
إنّ المُتع الحَياتية كثيرة وعديدة إن توفّرَت للعبد أدخلت السعادة على قلبه، وحياته، ومن هذه المتع وجود المرأة الصالحة في حياة الرجل، فوجودها توفيقٌ من الله سبحانه، ليجد السعادة فهي تُعينه على نوائب الدهر، وتكون عوناً له في الخير، وسنداً له في مواجهة الحياة. من المتع التي تجلب السعادة البيت الواسع، والجار الصالح؛ فهذه جميعها لا تأتي عبثاً بل بتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى، روى سعد بن أبي وقاص أنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: (ثلاثٌ من السعادةِ، وثلاث من الشقاوةِ، فمن السعادةِ: المرأةُ تراها تُعجبكَ، وتَغيبُ فتأمنُها على نفسِها ومالكَ، والدابةُ تكونُ وطيئةً فتُلحقُكَ بأصحابكَ، والدارُ تكونُ واسعةً كثيرةَ المرافقِ، ومن الشقاوةِ المرأةُ تراها فتسُوؤكَ، وتحملُ لِسانَها عليكَ، وإن غبتَ عنها لم تأمنْها على نفسهَا ومالكَ، والدابةُ تكون قطوفا، فإن ضربتَها أتعبتكَ، وإن تركتَها لم تُلحِقكَ بأصحابكَ، والدارُ تكونُ ضيقةً قليلةَ المرافقِ)
مفاتيح السعادة
إنّ السعادة تُطلق على الحالة النفسية التي تُصيب العبد في حياته، والتي يُمكن للعبد تحقيقها من خلال قوّة الإرادة، والعزم وقيادة النفس نحو الأفضل لها في الدنيا والآخرة، ومن المفاتيح التي تُعينُ العبد على إيجاد السعادة معرفته ببعض الحقائق المهمّة، منها:
مَعرفة الخالق لهذا الكون، والذي بيده أمرُ جميع مخلوقاته؛ فالسّعادة أن يجد العبد مالك كل شيء؛ فيلجأ إليه في كلّ أوقاته، وأفراحه، وأحزانه.
معرفة الإنسان أنّ وُجوده على هذه الأرض هو للاختبار وليس عقوبة من الله سبحانه له، وأنّ حَياته الدائمة السعيدة عند الله سبحانه وتعالى؛ وذلك ليكدّ ويعمل في هذه الدنيا.
هداية الله سبحانه لعباده؛ فقد بَيّنَ لهم طريق الهداية ليتّبعوه، وطريق الضلال ليَجتنبوه؛ فلا عُذر للضّلال، والانحراف، فطريقُه واضحة ليَجد طريق السعادة.
مفاتيح السعادة عند تيموثي جيه
يُضيف تيموثي جيه شارب أنّه على الشّخص القيام ببعض الممارسات التي تُشعره بالسعادة، مثل:
وضع قائمة بالأمور التي تُشعر الإنسان بالسعادة في حياته، وبيان ما في الحياة من وَسائل كثيرة هي سَببٌ لسعادته.
تقديم المساعدة للآخرين دون مقابل، وإدخال السرور إلى حَياتهم.
مقاومة الأفكار السلبية التي تُراود الإنسان بين فترةٍ وأخرى، وعدم السّماح لها بأن تُسيطر على تفكيره، وتجعله يَعيش في تعاسة.
التخلّص من الضّغوط النفسية، والتي تُعتبر هي العدوّ الأول للسعادة؛ وذلك بممارسة بعض التمارين الرياضية، أو المشي بهدوء.
تَمضية الوقت مع أناس يشعرون بالسعادة، وأناس إيجابيين في حياتهم، وتبادل أطراف الحديث معهم.