الأهمية السياسية للمملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
الأهمية السياسية للمملكة العربية السعودية

الأهمية السياسية للمملكة العربية السعودية.

 
 
 
يمكن تناول الأهمية السياسية للمملكة من خلال مكانتها خليجيًا وعربيًا وإسلاميًا ودوليًا على النحو الآتي:
 
أ - مكانة المملكة خليجيًا:
 
تتمتع المملكة بثقل إقليمي ولا سيما في منطقة الخليج العربي؛ لذلك أصبحت هذه المنطقة محور اهتمام خاص بالنسبة إلى المملكة، ولعل مصدر هذا الاهتمام نابع من عدد من العوامل الرئيسة، أبرزها ما يأتي:
 
 الروابط الوثيقة بين الحكومات في هذه المنطقة والصلات التاريخية والاجتماعية بين شعوبها؛ مما يفرض تلاحم هذه الأنظمة والشعوب، وتعاضدها في مواجهة الأخطار الخارجية.
 
 الثروة النفطية التي تختزنها دول الخليج العربية تشكل عامل جذب وإغراء بالنسبة إلى كثير من القوى الخارجية؛ وقد حتَّم هذا تنسيقًا على أعلى المستويات للدفاع عن هذه الثروة، وتسخيرها لأغراض التنمية  . 
 
 المملكة دولة خليجية كبرى، ومن مصلحتها الإستراتيجية استقرار منطقة الخليج العربي وعدم تأثرها بأي هزات أو قلاقل تعكر أمنها، أو تخل بسلامة دولها، ولذا تعمل المملكة على ألا تكون هذه المنطقة الإستراتيجية في أي حالة من حالات الاضطراب وعدم الاستقرار.
 
ومن هذه المنطلقات أخذت السياسة السعودية تركز على أهمية الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، ورفضت قطعيًا ما طرحته بعض القوى الأجنبية من مشروعات لحماية أمن الخليج؛ لكون هذه المسؤولية تقع على عاتق أبناء الخليج أنفسهم، ولتحقيق هذا الهدف كان للمملكة جهود كبيرة في سبيل إنشاء (مجلس التعاون لدول الخليج العربية)، مركِّزة على أهمية العامل الأمني على أساس أن أمن المنطقة هو المفتاح الحقيقي لأي تنمية حقيقية.
 
وإذا كان الخليج العربي هو الحزام الأمني والإستراتيجي للحدود الشرقية للمملكة، فإنه يُعد من جهة أخرى البوابة الكبرى لتصدير الثروات النفطية من المملكة إلى الخارج، وإزاء هذا فإن سياسة المملكة تجاه منطقة الخليج العربي تنطلق من إيمانها بأهمية الاستقرار، والابتعاد بدول مجلس التعاون الخليجي عن محاولات الاستقطاب الدولي التي من شأنها تشجيع القوى الأجنبية على التدخل في شؤون هذه المنطقة الحيوية.
 
وتأسيسًا على ذلك قامت المملكة بجهود حثيثة لإيقاف الحرب العراقية الإيرانية التي كانت تشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الخليج واستقراره  ،  ومع أن هذه الجهود لم تُكلَّل بالنجاح في بداية الأمر، إلا أن ذلك لم يثنِ المملكة عن مواصلة جهودها في هذه السبيل؛ إيمانًا منها بأن تأثير تلك الحرب ونيرانها قد تمتد إلى معظم دول مجلس التعاون، وهو أمر قد يقود إلى عواقب وخيمة، ليس بالنسبة إلى دول المنطقة فحسب، وإنما للمجتمع الدولي بأسره. كما بذلت المملكة جهودًا كبيرة في سبيل إخراج القوات العراقية من الكويت عام 1410هـ / 1990م، فقد أسهمت المملكة - بدعم دولي كبير - في تحرير الكويت من القوات الغازية. وتقديرًا من المملكة لخصوصية الروابط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية التي تربط بين دول مجلس التعاون؛ فقد بادرت إلى تعميق أواصر الثقة وإزالة المخاوف التي من شأنها تعطيل مسيرة التقارب بين دول المجلس، من خلال حل الخلافات الحدودية بينها وبين كل دول مجلس التعاون الخليجي، واهتمت ببناء جسور التعاون والتفاهم بين الأنظمة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي، وبين أبناء المنطقة بعضهم مع بعض  . 
ب - مكانة المملكة عربيًا: 
 
للمملكة مكانة عربية مهمة، استطاعت من خلالها التأثير في محيطها العربي سياسيًا واقتصاديًا، فللموقع الإستراتيجي للمملكة ميزة كبيرة؛ إذ أصبح يحدد أبعاد علاقتها الخارجية التي تتمحور حول سهولة التواصل مع العالم الخارجي. هذه المكانة والأهمية للمملكة أدت إلى مد الجسور لعلاقة صداقة وتعاون إستراتيجي متبادل مع مختلف الدول العربية والأجنبية؛ مما يحقق كثيرًا من الأهداف الإستراتيجية للمملكة. وبالإضافة إلى ذلك تُعد المملكة من أوائل الدول العربية التي شاركت في تأسيس جامعة الدول العربية عام 1364هـ / 1945م، تلك المنظمة العربية التي تهدف إلى لَمِّ شمل الدول العربية المستقلة آنذاك (وهي: المملكة العربية السعودية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية مصر العربية، والجمهورية العربية السورية، وجمهورية العراق، والجمهورية اللبنانية، والجمهورية اليمنية)، وتهدف أيضًا إلى توحيد مواقفها، وتحديد مصيرها وأهدافها القومية في مواجهة التهديدات الخارجية. وقد تجلى ذلك في وقوف المملكة سياسيًا وماديًا ومعنويًا إلى جانب الدول العربية التي كانت تحت النفوذ الأجنبي، بدعم كفاحها للتحرر من الاستعمار والنفوذ الأجنبي، ومن ثَمَّ التزام المملكة بمسؤوليتها تجاه ترسيخ الأمن والاستقرار للنظام العربي الذي تعدُّه امتدادًا لأمنها واستقرارها، وإحدى دعائم التنمية والتطور للمجتمعات العربية  . 
 
ومن هذا المنطلق تتمتع المملكة بدور حيوي ومؤثر على المستوى العربي، فهي تُعد من الدول العربية الكبرى ذات التأثير السياسي والاقتصادي، إذ أصبحت منذ تسعينيات القرن الرابع عشر الهجري / سبعينيات القرن العشرين الميلادي القوة السياسية والاقتصادية الأولى في العالم العربي، ولا سيما بعد حرب عام 1393هـ / أكتوبر 1973م؛ إذ برز ثقلها السياسي والاقتصادي. وبالنظر إلى موقعها الإستراتيجي في قلب العالم العربي، ولأهميتها في تفعيل دور النفط لخدمة القضايا العربية؛ فقد أصبحت تمارس دورًا جوهريًا في حل الأزمات والقضايا العربية والدولية، ويرجع ذلك إلى قدرتها على التأثير على المستويات المختلفة، سواء على المستوى الخليجي، أو العربي، أو الإسلامي، أو الدولي. أما مصدر هذا التأثير فيعود إلى عدد من العوامل، منها:  
 
 تصاعد نفوذها السياسي والاقتصادي في العالم العربي، والدور الذي تؤديه في حل القضايا العربية.
 
 مكانتها الدينية في العالمين العربي والإسلامي بحكم وجود الحرمين الشريفين على أراضيها، وبحكم تبنِّيها المنهج الإسلامي الوسطي المعتدل في كل المجالات.
 
 الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تتميز به المملكة في محيطها العربي والإسلامي.
 
 علاقاتها المتميزة مع مختلف دول العالم شرقًا وغربًا.
 
 تمتُّعها بدور قيادي ومؤثر في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) بحكم أنها أكبر دولة في المنظمة من حيث الإنتاج والتصدير؛ ولذلك فهي تؤثر في تحديد أسعار البترول وفي كمية إنتاجه.
 
وقد اكتسبت المملكة هذه المكانة - ليس على المستوى العربي فحسب، بل على المستوى الدولي - من خلال عاملين أساسيين هما: الاستقرار الأمني، واستقرار النظام السياسي؛ فالأمن والاستقرار السياسي مطلبان يمثلان عماد الحضارة ومرتكزها الأساسي؛ ولذلك سعت المملكة منذ تأسيسها إلى ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار في مختلف مناطقها، ونظرًا إلى أن الأمن الداخلي والخارجي متلازمان ولا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر؛ فقد سعت المملكة إلى تأكيد الأمن والاستقرار الداخلي؛ للانطلاق منه إلى التعامل مع المتغيرات الدولية؛ مما أدى إلى توثيق عرى التعاون الأمني مع الدول العربية المجاورة ومع كل دول العالم الأخرى  .  ففي مجال مكافحة الإرهاب ومحاربته بكل صوره وأساليبه تتعاون المملكة مع الدول العربية للقضاء عليه من خلال الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب  ،  وقد أكد هذه الإستراتيجية سمو وزير الداخلية عندما قال: "إن المملكة العربية السعودية أصبحت - بفضل الله ثم بحكمة قادتها - مضرب المثل في الأمن والأمان.... إن الأمن الذي تعيش فيه المملكة لم يتحقق صدفة، وإنما تحقق بفضل الله ثم بفضل جهود رجالها المخلصين المتمسكين بعقيدتهم الإسلامية"  . 
 
وتتفاعل السياسة السعودية مع المجموعة العربية لأنها جزء من العالم العربي، وما يؤثر في أمن أي قطر من هذه الأقطار وسلامته يؤثر فيها ويمس مصالحها.
 
ففي مجال القضية الفلسطينية بذلت المملكة منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم جهودًا عظيمة وأعمالاً متواصلة من أجل دعم هذه القضية، ومساندتها في كل المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى مختلف المحاور والاتجاهات العربية والإسلامية والدولية، بالإضافة إلى دعم جهود الشعب الفلسطيني ماديًا ومعنويًا في مطالِبِه المشروعة حول تحرير أرضه المحتلة، وكذلك دعم مؤسساته السياسية والعسكرية والمجتمعية والاقتصادية؛ لاستمرارية البقاء في مواجهة التهديدات الإسرائيلية  . 
 
ونظرًا إلى تعاظم دور المملكة واتساع دائرة حضورها وثقلها الكبيرين داخل الوطن العربي وخارجه؛ فقد نجحت نجاحًا كبيرًا ومشهودًا في مجال تنقية الأجواء العربية.
 
ج - مكانة المملكة إسلاميًا:
 
تتبوأ المملكة مكانة مهمة في العالم الإسلامي، لوجود المقدسات الإسلامية: المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة  ، والمشاعر المقدسة. هذا الموقع الديني دفع المملكة إلى التركيز على مفهوم العالمية الإسلامية، والحرص على إقامة مؤسساتها، مثل: رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي... وغيرها.
 
وقد عملت المملكة منذ تأسيسها على حشد قدراتها ومواردها وتكريسها وتسخيرها لخدمة قضايا العالم الإسلامي، وتحقيق أسباب ترابطه وتضامنه، استنادًا إلى حقيقة الانتماء إلى عقيدة واحدة، وأن التكافل الإسلامي هو السبيل إلى استعادة المسلمين مكانتهم وعزتهم. وفي سبيل تحقيق التضامن الإسلامي بادرت المملكة - بالتعاون مع شقيقاتها الدول الإسلامية - إلى إقامة منظومة من المؤسسات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية، ومنها رابطة العالم الإسلامي عام 1382هـ / 1962م، ومنظمة المؤتمر الإسلامي عام 1389هـ / 1969م، واحتضنت المملكة مقرَّيهما، وينبع هذا الجهد من التصور التكاملي لمعنى التضامن الإسلامي الذي يشمل عددًا من المفهومات، لعل أهمها مفهوم الأمن الجماعي للدول الإسلامية، والعمل على تسوية المنازعات بين الدول الإسلامية بالطرق السلمية، وتقديم المعونات الاقتصادية للدول والمجتمعات الإسلامية ذات الإمكانات المحدودة، وتقديم المساعدة والإغاثة العاجلة إلى الدول الإسلامية المنكوبة، ومناصرة المسلمين، والدفاع عن قضاياهم، وتوفير الدعم المادي والمعنوي للتجمعات الإسلامية أينما كانت، من خلال الإسهامات السخية في بناء المساجد وإنشاء المراكز الحضارية الإسلامية  . 
 
من هنا تتأكد زعامة المملكة في العالم الإسلامي؛ فهي تمتاز بأهميتها الدينية؛ فمن أرضها بزغ نور الإسلام، وهي مهوى أفئدة المسلمين، ومن هذه الأرض الطيبة أيضًا انطلقت الحضارة الإسلامية التي لم يشهد العالم مثيلاً لها في أصالتها وعدالتها، لتعم مختلف بقاع الأرض، ولوجود الأمكنة المقدسة على أراضيها، وتكوينها السياسي، وقيامها على أسس دينية؛ جعلها الدولة الأكثر اهتمامًا ودعمًا ورعاية لمصالح الأقليات الإسلامية والدفاع عن حقوقها في مختلف دول العالم، بل جعلها أكثر الدول قبولاً عند الغالبية العظمى من الشعوب الإسلامية. وهذه الخصائص حولت المملكة إلى مركز ثقل في العالم الإسلامي؛ وأكسبتها احترام الدول الأخرى التي أصبحت تنظر إليها بوصفها دعامة أساسية ومهمة في العالم الإسلامي. ومن ناحية أخرى فإن ذلك الثقل جعل الدول التي توجد فيها أقليات إسلامية تنظر إلى المملكة بوصفها مرجعية لهذه الأقليات؛ ولذلك ترى هذه الدول أن الانفتاح على العالم الإسلامي يجب أن ينطلق من البوابة السعودية  ،  فالأقليات الإسلامية في العالم ترتبط بالمملكة برابط روحي كبير بحكم وجود الأمكنة المقدسة فيها، وبحكم مواقفها في الدفاع عن حقوقهم في أثناء الأزمات التي تواجههم؛ ما جعل كثيرًا من الدول التي يوجد فيها أقليات إسلامية تدرك أهمية التعامل مع مسألة (الدين) الذي ظل مؤثرًا منسيًا في الحسابات السياسية لكثير من الدول؛ ولذلك أطلق كثير من الدول حرية التعبد وإبراز الشعائر الدينية الإسلامية، وبدأت تلك الدول تراهن على الأقليات الإسلامية فيها على أساس أن تكون جسرًا لتوثيق التعاون مع الدول العربية والإسلامية، وبخاصة المملكة العربية السعودية  . 
 
وقد وقفت المملكة منذ تأسيسها مواقف ثابتة تجاه الأقليات الإسلامية في كل مكان؛ سعيًا إلى جمع كلمتهم، وتوحيد صفوفهم، وحل مشكلاتهم، ورفعة شأنهم؛ وهي تنطلق بذلك من إدراكها أهميتها بوصفها قائدة للعالم الإسلامي؛ وبحكم مكانتها بين الشعوب الإسلامية، وتبنِّيها برنامجًا حول مشروع التضامن الإسلامي الذي لقي تجاوبًا صادقًا من كثير من الشعوب والدول الإسلامية  . 
 
فالمملكة تتبوأ مكانة روحية خاصة لا تماثلها فيها أي دولة في العالم؛ فالأفئدة التي تتوجه بدعائها وصلواتها إلى مكة المكرمة خمس مرات في اليوم تزيد على مليار ونصف مليار نسمة موزعين في جميع أنحاء العالم، ولا شك في أن توجه مثل هذه الأعداد الهائلة إلى مكة المكرمة يعطي المملكة دعمًا معنويًا وسياسيًا لا نظير له، وذلك يحتم على قادة المملكة أن يكونوا رموزًا لوحدة المسلمين وتطلعاتهم، ومدافعين عن عقيدتهم ومقدساتهم، وليس أدل على ذلك من تشرُّف ملوك المملكة بلقب (خادم الحرمين الشريفين). وعلى هذا الأساس دعمت المملكة القضايا الإسلامية العادلة، فقد سعت إلى تحقيق التضامن الإسلامي بين كل الشعوب الإسلامية، وتزويدها بقدر كبير من المساعدات الاقتصادية والدعم السياسي في مختلف المحافل الدولية.
 
لقد اهتمت المملكة اهتمامًا كبيرًا بقضايا العالمين العربي والإسلامي، كما اهتمت بمد جسور التعاون مع المسلمين في دول العالم الإسلامي؛ حرصًا على توثيق الروابط الأخوية بين المملكة والمسلمين، وتضامنًا معهم في جميع القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
 
أما ما يتعلق بالدعم التنموي الاجتماعي الذي تقدمه المملكة فيبرز واضحًا على مستوى العالم الإسلامي، من خلال مساعدتها للمسلمين وتقديم العون لهم؛ ما أدى إلى زيادة صلتها بالدول العربية والإسلامية وتقويتها. وقد قدمت المملكة معونات وتبرعات إسهامًا منها في تخفيف الأعباء عن المسلمين؛ فقد عمدت إلى بناء المدارس والمستشفيات، وتعبيد الطرق، ومد الجسور، وغيرها من المساعدات الخدمية التي تخفف الأعباء عن المسلمين في العالمين العربي والإسلامي. كذلك أسهمت المملكة في تقديم التبرعات إلى لاجئي المسلمين في كل مكان، والتخفيف من آثار القحط والزلازل والكوارث الطبيعية والفيضانات المدمرة التي تقع في بعض البلدان الإسلامية.
 
والمملكة التي شرفها الله تعالى بخدمة المقدسات الإسلامية تشعر بضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقها، وهي إذ تتحمل هذا الواجب تدرك أن ذلك يفرض عليها مزيدًا من التضحيات السياسية والمالية، إلى جانب ما تقوم به نحو مواطنيها وشعوب العالم الثالث (من مسلمين وغير مسلمين) من الذين يتطلعون إلى مساعداتها ودعمها.
 
ومن جهة أخرى يُلاحَظ أنه ما من قارة من قارات العالم إلا وللمملكة فيها أثر طيب يشهد على اهتمامها بنشر العلم بين أبناء الأقليات المسلمة، ولا تكاد تخلو قارة من المساجد التي أقامتها المملكة، أو من المراكز الثقافية والتعليمية التي تعمل على نشر العلم واللغة العربية بين أبناء تلك الأقليات المسلمة في تلك القارات، وتعمل على تعليمهم شعائر الدين الإسلامي الحنيف؛ لتظل تعاليمه راسخة في قلوبهم، قوية بارزة في سلوكهم  . 
 
وتُعد المملكة - بما لها من مكانة دينية في العالم اليوم، وبخاصة بين المسلمين - رائدة الدعوة الإسلامية؛ فقد عملت في سبيل الدعوة الإسلامية على تهيئة جميع الوسائل اللازمة للتوعية، وتهيئة العلماء والمفكرين الذين يستطيعون تحمُّل شرف هذه المهمة في مختلف دول العالم، ولا سيما الدول التي تعيش فيها الأقليات المسلمة، وتوفير المصاحف المطبوعة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، وحرصت على توصيلها هديةً من خادم الحرمين الشريفين وحكومته إلى مختلف بلاد العالم  .  ومن أمثلة خدمة المملكة للأقليات المسلمة في مجال الدعوة الإسلامية ما يأتي:
 
 قدمت المملكة إلى الجالية الإسلامية في أستراليا ما يقارب 80% من الدعم الذي يصل إليهم من مختلف بلدان العالم الإسلامي، كما أقامت معظم المساجد في أستراليا، وتولت دفع كل رواتب الأئمة والدعاة للقيام بالدعوة الإسلامية.
 
 تسهم المملكة بدعم سنوي للجمعية الإسلامية في سانت جونـز بمقاطعة نيوفونلاند بكندا؛ لمساعدتها في أداء مهمتها في نشر الدعوة الإسلامية.
 
 تسهم المملكة في إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية في مختلف أنحاء العالم؛ لنشر نور العلم، وتعاليم الدين الإسلامي.
 
 توفِّر المملكة المنح الدراسية لأبناء المسلمين من مختلف الدول، وبخاصة من دول الأقليات المسلمة، وتهيئ لهم كل السبل للتعلم، وتقبل سنويًا ما بين 1000 و 1500 طالب للدراسة في الجامعات السعودية.
 
 تتكفل المملكة بتقديم المعونات المالية للمراكز الإسلامية ومعاهد تعليم أبناء المسلمين؛ لتؤدي واجبها في نشر الإسلام ورعاية أبنائه.
 
 تعمل جامعات المملكة على نشر العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية بين المسلمين في كل مكان؛ فجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - عبر معاهدها الإسلامية المتخصصة في موريتانيا، وجيبوتي، ورأس الخيمة، وإندونيسيا، وكذلك معاهدها في دول الأقليات المسلمة مثل طوكيو، والولايات المتحدة الأمريكية - تدرِّس العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية لآلاف الطلاب والطالبات الراغبين في الاستزادة من العلوم الشرعية، وتوفر الكتب والمدرسين مجانًا  ،  بل تتيح الفرصة للراغبين منهم في مواصلة دراستهم الجامعية والعليا في جامعات المملكة، بمنح دراسية تتضمن الحصول على التذاكر والسكن مجانًا، بالإضافة إلى مكافآت مالية شهرية.د - مكانة المملكة دوليًا:
 
أسهمت المملكة على الصعيد الدولي إسهامات عالمية بارزة تتناسب مع رسالتها في المجموعة الدولية سياسيًا واقتصاديًا، وهي تتفاعل مع المجتمع الدولي من خلال التزامها بمواثيق الأمم المتحدة وقراراتها التي تحدد إطار السلوك العام للدول والمجتمعات المتحضرة؛ فالمملكة هي إحدى الدول المؤسِّسة لهذه المنظمة الدولية منذ عام 1364هـ / 1945م، وهي جزء من المجتمع الدولي، وعنصر فاعل في مداولاته وتطلعاته، ويتحدد سلوكها وسياستها الخارجية من خلال "علاقاتها بغيرها من الدول؛ خصوصًا الكبرى منها، وطبيعة تحالفاتها الدولية، والسياسة التي تنتهجها تجاه قضايا الصراع الدولي، ومدى ما يمكن أن تسهم به الدولة في تحقيق الأمن الدولي، ومشاركتها في المؤتمرات الدولية، والقيود التي يفرضها عليها نظام الأمن الجماعي الذي ارتضته الدولة في إطار المجتمع الدولي"  .  هذه الإستراتيجية التي تبنَّتها المملكة جعلتها تلتزم بعدم استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية، وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وحرصت على تنمية علاقاتها مع كل الدول. كما قد دعت كذلك إلى نبذ العنف وأساليب الإرهاب وكل وسائل الإكراه، وأسهمت في تدعيم قواعد الأمن والسلام الدوليين في العالم  .  ومن الطبيعي أن تكون هذه الإستراتيجية نابعة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، والتقاليد العربية الأصيلة، وقد تمحورت أهم ملامحها حول دعم التضامن العربي والإسلامي، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية العادلة، والمحافظة على السلم والأمن الدوليَّين، ومقاومة العدوان، ودعم المنظمات الدولية، وعلى هذا الأساس تنطلق السياسة الخارجية للمملكة من حرصها الشديد على إقامة علاقات طيبة ووطيدة مع كل دول العالم، وخصوصًا الدول المجاورة العربية والإسلامية الشقيقة، كما أنها تحرص على عدم القيام بأي عمل من أعمال التحريض أو الاستفزاز أو المضايقة، أو تعريض مصالح تلك الدول وأمنها ومواطنيها للخطر؛ لأن المملكة تنطلق في سياستها الخارجية من مبادئها وقيمها الدينية التي تحض على المعاملة الحسنة، وعدم الظلم أو العدوان على الآخرين دون وجه حق، وتدعو إلى تحقيق السلام والاستقرار لجميع البشر، ومن جهة أخرى ترغب المملكة في أن تجد المعاملة بالمثل من جميع الدول، وترفض رفضًا باتًا أن تتدخل أي دولة في شؤونها الداخلية  . 
 
إن طبيعة السياسة الخارجية للمملكة تتسم بالاعتدال والاتزان والاستقلالية  ،  ويمكن إجمال أهداف هذه السياسة في المجال الدولي من خلال العناصر الآتية:  
 
 التفاعل مع المجتمع الدولي من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والمواثيق والأعراف الدولية.
 
 عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وشجب العنف، والتأكيد على مبدأ التعايش السلمي.
 
 محاربة الإرهاب ومنع الأعمال التخريبية التي تؤثر في العلاقات الدولية.
 
 الإسهام مع الدول الأخرى في مكافحة التمييز العنصري ومحاربة المجرمين الدوليين.
 
 الحرص على استقرار السوق العالمية للنفط، والسعي إلى تنمية التجارة الدولية.
 
 تبنِّي السياسة الخارجية السعودية مواقف أخلاقية من خلال دعمها للمحتاجين والمتضررين من الكوارث والفيضانات في كثير من دول العالم.
 
هذه الإستراتيجية زادت في رصيد المملكة العالمي، وتأصيل نظرة كثير من الدول إليها بوصفها دولة معتدلة وغير عدوانية، وهذا هو جوهر سياستها الخارجية  . 
 
وقد صرح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كثير من المناسبات بأن تقاليد المملكة في العلاقات مع العالم نابعة من الإيمان بالسلام العالمي ومن الرغبة في تدعيمه، كما أكد هذا المعنى سمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وبيَّن أن فلسفة القوات المسلحة وتدعيمها وتنظيمها مبنية كلها على العقيدة الدفاعية البحتة  .  ولتأكيد هذا الجانب وقَّعت المملكة على الاتفاقيات الدولية التي نادت بمكافحة الإرهاب ومنع الأعمال التخريبية، وأيَّدت المحاولات الدولية في مجال مكافحة التمييز العنصري وخطف الطائرات، وتحريم الاتجار بالمخدرات وتداولها، ومنع المجرمين الدوليين من أن يفرضوا إرادتهم على المجتمع الدولي، أو يقوِّضوا دعائم الأمن والاستقرار في العالم. وهكذا تلتقي أهمية المملكة ومكانتها على المستوى الدولي مع أهميتها ومكانتها في المجالين الوطني والإقليمي.
 
أما بالنسبة إلى القضايا الدولية فإن المملكة تعمل دائمًا من أجل تعزيز التعاون المثمر البنَّاء مع كل شعوب العالم، وتحقيق التقدم الاقتصادي والرفاهية لجميع شعوب العالم، وإزالة شبح الحروب والصراعات الدولية، بما في ذلك الحرب النووية، وهذا ما تُوِّج بانضمام المملكة إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية عام 1409هـ / 1988م   وإيداع وثيقة الانضمام في مقر الأمم المتحدة.
 
ويشار إلى أن المملكة تتمتع بمكانة مرموقة على مختلف المستويات الإقليمية والإسلامية والدولية، وهذه المكانة لم يسبق لها مثيل في القوة والتأثير؛ فالنظام الإقليمي الجديد الذي نتج من الغزو الأمريكي للعراق عام 1424هـ / 2003م يلقي على المملكة بأعباء والتزامات إضافية، بوصفها قوة قيادية في العالمين العربي والإسلامي؛ وذلك نتيجة لامتلاكها مقومات القيادة فهي مهبط رسالة الإسلام العظيمة، وأكبر منتج للنفط ومصدِّر له في الوقت نفسه، ولكونها تمتلك مخزونًا هائلاً منه، هذه المقومات جعلت منها أكبر قوة اقتصادية في العالم الإسلامي، كما أعطتها دعمًا سياسيًا ومعنويًا ما ساعدها لكي تصبح قوة إقليمية متفوقة تبذل جهودها ومساعيها الحميدة في سبيل حل الأزمات التي تحيط بالعالمين العربي والإسلامي، بدءًا بالقضية الفلسطينية والقضية اللبنانية والقضية العراقية، مرورًا بالأزمات الأخرى، مثل: قضية دارفور في السودان، والصومال، وأفغانستان، وانتهاءً بدورها وسيطًا لحل الأزمات وطرح المبادرات السياسية، مثل: مبادرة السلام العربية في الشرق الأوسط، ووثيقة مكة المكرمة للفلسطينيين، ووثيقة جدة المتعلقة بدارفور، ومؤتمر جدة لحل الخلافات الصومالية  . 
 
إن تنامي دور المملكة إقليميًا وإسلاميًا ودوليًا يبيِّن أهميتها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، بل يعزز دورها المحوري لحل الأزمات الإقليمية؛ العربية والإسلامية، وتقديم المساعدات للدول التي تحتاج إليها، ويحدد رؤيتها المستقبلية حول تحمُّل مسؤولياتها.
 
 
شارك المقالة:
427 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook