يعدّ كتاب الله -سبحانه وتعالى- كتابًا معجزًا بكلِّ جوانبه، فهو أبلغ كتاب موجود باللغة العربية الفصحى، وهذا ما جعل الإعجاز البلاغي فيه حاضرًا في كلِّ حروفه وكلماته، كما أنَّ الحقائق العلمية التي أخبر بها القرآن الكريم أرست دعائم الإعجاز العلمي المكتشف حديثًا، وقد مثَّل القرآن الكريم أسمى صور الإعجاز التربوي في هذه الحياة من خلال الحوارات التربوية العظيمة التي وردت في آياته، ومن خلال الأحكام التربوية التي نصَّ عليها وكتبها للناس أجمعين، هذه الأحكام التي تنظم شؤون حياة الإنسان كاملة إعجازًا تربويًا تشريعيًا من الله رب العالمين، وهذا المقال سيسلط الضوء على الإعجاز
يقول الله -عزَّ وجلَّ- في سورة البقرة: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، وقد كثرت تفاسير العلماء في شرح هذه الآية المباركة، فقال أبو جعفر: "يعني تعالى ذكره بقوله: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}: ألم تَرَ، يا محمد، بقلبِكَ"، فالرؤية هنا ليست مادية إنَّما رؤية قلبية معنوية، وفي تكملة شرح الآية الكريمة، يقول مجاهد: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك} هو نمرود بن كنعان، وقال قتادة عن هذا الملك الذي آتاه الله الملك: "وهو أول ملك تجبر في الأرض، وهو صاحب الصرح ببابل"، وفي شرح قوله تعالى: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}
بعد الحديث عن الإعجاز العلمي في قوله ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه في سورة البقرة، سيتم الحديث عن أنواع الإعجاز في القرآن الكريم، وهنا يمكن القول إنَّ الإعجاز في القرآن يتجسد في أمرين اثنين، أولهما إعجاز كتاب الله تعالى في الألفاظ والتراكيب، وفي بلاغة هذه الألفاظ والتراكيب، فالقرآن الكريم يجمع في سوره كثيرًا من المعاني الإلهية العظيمة، التي عجز عن الإتيان بمثّلها فصحاء العرب الأفذاذ وحكماؤهم وشعراؤهم، قال تعالى في محكم التنزيل: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ} إضافة إلى الإعجاز العلمي، وهو إخبار القرآن الكريم بحقائق علمية كبيرة لم يكتشفها الإنسان إلَّا في القرن الماضي أو السنوات الأخيرة من القرن الماضي التي تطور فيها العلم الحديث، يقول السيوطي في هذا المجال: "اختلف أهل العلم في وجه إعجاز القرآن، فذكروا في ذلك وجوهًا كثيرة كلُّها حكمة وصواب، وما بلغوا في وجوه إعجازه جزءًا واحدًا من عشرة معشاره"، والله أعلم.