البيئات النباتية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
البيئات النباتية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية

البيئات النباتية بمدينة مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية.

 
تمتاز منطقة مكة المكرمة بشمولها على بيئات شتى تضم بين جنباتها عددًا من الأنواع النباتية، مثل بيئات الأودية الطميية الزراعية، ومجاري الأودية، والمستنقعات المائية العذبة وشبه المالحة، وبيئات الينابيع العذبة، وبيئات الواحات، كل هذا أكسب هذه المنطقة أهمية خاصة وفريدة بين مناطق المملكة العربية السعودية، وتنتشر بمنطقة مكة المكرمة  مجتمعات نباتية يمكن إجمالها في تسعة عشر مجتمعًا نباتيًا، بدءًا من ساحل البحر الأحمر وانتهاءً بقمم المرتفعات وهي: الشورة والمليح والرطريط والضيمران والعلقي والعلندي والعشر والصفوي والقطب والسمر والأراك والسدر والمرخ والمض والظهيان والقرظ والعتم والضرو والعرعر.
 
تبدأ هذه البيئات عند ساحل البحر الأحمر حيث الحد الغربي الأقصى لهذه المنطقة بمجتمع نبات الشورة، وهي شجيرة ملحية، جذورها وجزء من مجموعها الخضري مغمور بمياه البحر، وتجمعات هذه الشجيرة تشكل بيئة بحرية شاطئية لا يستغني عنها عدد كبير من الكائنات الحية البحرية والأرضية، فتربة جذورها تحتضن أجنة وصغار الأسماك والقشريات، وتشابك أغصانها يشكل ملاذًا وسكنًا لأنواع كثيرة من الطيور المتوطنة والمهاجرة، بل إن عددًا من الزواحف والسحالي والثدييات تجد في تجمعاته بيئة رغيدة. يلي هذه البيئة بيئة المد والجزر التي يطلق عليها بيئة السبخات الشاطئية، تنمو فيها نباتات ملحية غالبها عشبية، قد تتخذ شكل الشجيرات، وعلى رأس هذه أجناس المليح والرطريط.
 
ومع الابتعاد عن شاطئ البحر تظهر بيئة السبخات الملحية الجافة إذ تجف التربة أو تكاد وعلى الأخص في أجزائها العلوية، وتزدهر بها نباتات ملحية من جنس الضيمران والسواد. وعلى بعد أمتار قليلة من مياه البحر، مثل ما هو الحال في النصف الجنوبي من ساحل بحر هذه المنطقة وبالتوغل إلى داخل السهل الساحلي، نجد نباتات مختلفة تنفرد بالمشهد العام أحيانًا وتتقاسمه أحيانًا أخرى، ومن هذه النباتات نبات العلندي والعشر.
 
كما تنتشر بيئة الغدران داخل السهل الساحلي، ومياهها شبه مالحة وتكوِّن مجتمعًا من النباتات المحبة للبيئة المائية شبه العذبة، وهذا النوع من المجتمعات النباتية يسمى مجتمع المنخفضات المبتلة ومن نباتاتها العشر. وعكس هذه المنخفضات الرطبة ترتفع أكمات رملية تتوجها مستعمرات دائرية من نبات القطب الشجيري. وفي الأراضي المستوية وجنبات الأودية وأحيانًا في وسطها تنمو أشجار وشجيرات تابعة لجنس الأكاسيا ومنها السلم والسمر، ويشارك في هذا المشهد أشجار عرفت بتحملها الجفاف والملوحة، وتظهر على حواف مجاري الوديان أشجار العرين (الطرفا)، وتنمو في بطون بعض الأودية في النطاق الأقرب من هذا السهل لحافته الشرقية شجيرات الأراك، وأشجار السدر العملاقة، في حين تنفرد شجيرات المرخ بالمشهد في عدد من الأودية. وعلى سفوح الجبال وحتى ارتفاع 200م فوق سطح البحر تسود أشجار السمر وشجيرات المض، وبعد هذا الارتفاع وحتى ارتفاع 800م فوق سطح البحر تسود شجرة الظهيان وشجرة القرض، وتنتشر من هذا الارتفاع وحتى نحو 900م فوق سطح البحر أشجار الزيتون البري (العتم)، ومجتمع هذه الشجرة قد يصل في بعض الأحيان حتى 1600م فوق سطح البحر، وأحيانًا تمتزج غابات الزيتون البري بغابات العرعر، وعلى ارتفاعات تفوق 2000م فوق سطح البحر. وعند متوسط ارتفاع يفوق 1000م فوق سطح البحر تظهر أشجار الضرو، ثم تظهر بعد هذا الارتفاع وحتى أعلى من 2000م فوق سطح البحر غابات العرعر، ويعد مجتمع هذه الشجرة أغنى المجتمعات في النطاق الجبلي فهو يضم تنوعًا نباتيًا كبيرًا.
 
تشكل حشائش السافانا القصيرة غطاء لكل جزء من الأرض على قدر ما تسمح به البروزات الصخرية لجبال الحجاز والسراة، وتشمل بعض الأنواع النباتية النامية في المنطقة نباتات عطرية وطبية تابعة للعائلة الشفوية، ومنها الضرم والذفيرة، والأشجار ذات الأوراق العريضة مثل الحماطيات (التينيات)، وتصل الارتفاعات حدها الأعلى من العلو عند قمم جبال بني مالك، حيث الحد الجنوبي لهذه المنطقة. وتسود مجتمعات المدرجات الزراعية على السفوح العليا من المرتفعات وعلى الأخص تلك المنتشرة في محافظة الطائف وبني سعد وثقيف وميسان بلحارث وبني مالك، والتي تقف سجلاً طبيعيًا لتاريخ نباتي موغل في القدم، ويسود على هذه السفوح العليا وقممها مناخ أقرب ما يكون لمناخ حوض البحر المتوسط، تكثر فيه زراعة الحمضيات والعنب والرمان واللوزيات، مثل أشجار اللوز والخوخ والمشمش. ويمكن الاستمتاع صيفًا بثمار التين العادي والشوكي وثمار التوت، مع الاستمتاع بأريج الورود الطبيعية والمزروعة.
 
وبالتقدم نحو الشرق والجنوب الشرقي لهذه المنطقة تظهر مجتمعات النباتات الشوكية ونباتات السنط  التي تغطي نواحي متعددة من سهوب رملية صحراوية مفككة التربة، تذروها الرياح طوال أيام السنة تقريبًا، ولا يبطئ سرعة الرياح إلا وجود تجمعات من نباتات العوسج وبعض الشجيرات الصحراوية شديدة التحمل، ومن أشهرها شجيرات المرخ، كما تشارك أحيانًا أشجار السرح البعد البيئي لهذه الأجزاء. ويكسر رتابة هذه السهوب الصحراوية مرور الأودية، وهي ذات بيئة مميزة، وتشكل واحات منسابة لمسافات كبيرة، وتكثر بها أشجار السدر المعمرة واليافعة بلونها الأخضر الزاهي، التي تسمح أحيانًا لأشجار العرين (الطرفا) بمشاركتها بيئتها الفريدة. وتظهر بيئات الهضاب والحرات التي تبرز من حين لآخر عند الاتجاه شرقًا. وتأخذ الأرض في الانحدار التدريجي نحو الجنوب الشرقي حتى تظهر مجتمعات نخيل البلح في تجمعاتها البستانية في محافظة رنية على تخوم صحراء الربع الخالي، أما إذا اتجهنا من الطائف نحو الشمال الشرقي عبر طريق الطائف - الرياض السريع فسنجد الأرض بعد أن انخفضت عن مستوى قمم جبال الحجاز والسراة، تبدأ في الارتفاع ولكن بالتدريج الهيّن مع التوغل في هضبة نجد ذات السطح المستوي الذي يجعلها أقرب إلى السهوب مترامية الأطراف، وهنا تتكون مجتمعات شبه خالصة من شجيرات العشر التي تشكل غطاء أخضر مترامي الأطراف، ويظهر نبات الأرجمون في تجمعات أخرى تمتد أحيانًا لعدة كيلومترات، كما تظهر تجمعات من أشجار الطلح والسمر، وشجيرات العوسج، لكن المساحات العارية تسود المشهد العام معظم أيام السنة.
 
تختلف طبيعة المراعي من حيث النوع والكثافة حسب تنوع المناخ والتربة وشكل الأرض؛ فهي في السهوب الحارة تختلف عن تلك التي في السهوب الباردة، والسفوح العالية ذات المناخ البارد، ونوعية المرعى تبدي اختلافًا حتى على سفح الجبل الواحد، فتلك التي تكون قريبة من قاعدة الجبل تكون مغايرة للتي تقترب من القمة، وصورة المرعى على السفح المواجه للجنوب الشرقي على نفس الجبل تخالف تلك التي على سفحه المواجه للشمال الغربي.
 
وتمتاز منطقة مكة المكرمة بوجود كل هذه البيئات، فهي من المناطق ذات التنوع الأحيائي المميز على مستوى الحياة البرية أو المستأنسة، فنجد أن المراعي المتوافرة بأشكالها الحياتية المختلفة، من أشجار وشجيرات وأعشاب ونجيليات توفر بيئة رعوية جيدة للإبل في الأجزاء التهامية الجنوبية الغربية من هذه المنطقة، كما أنها في الكثير من أجزائها تضمن لقطعان الضأن والماعز المرعى المناسب، وعند قواعد المرتفعات على الحافة الشرقية لسهل تهامة نجد أن قطعان الأبقار تشارك الماعز والضأن مناطق الرعي في هذا القطاع، وتستمر الشراكة بين هذه الأنواع الثلاثة من حيوانات المرعى بالاتجاه إلى الأجزاء الشمالية من هذا السهل حتى حدود منطقة مكة المكرمة مع منطقة المدينة المنورة.
 
شارك المقالة:
310 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook