التجارة في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.
أ - لمحة تاريخية:
كانت المنطقة قبل توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وقبل ظهور البترول في المملكة، ومد خط الأنابيب الذي يمر بالمنطقة حتى السبعينيات الهجرية أراضي مفتوحة تجوبها البادية. وكان أهل البادية يلجؤون إلى القرى لمقايضة حيواناتهم ومنتجاتها بما تعرضه أسواق القرى من البضائع المختلفة، فكانت قرى لينة وزبالة تضم هذه الأسواق؛ لأنها تمثل حاضرة البادية سابقًا، ويتم فيها مقايضة السلع بين أهل البادية والتجار القادمين من القصيم، وحائل، وتجار العراق، وبلاد الشام؛ وذلك لوقوعها على طرق التجارة القديمة بين تلك الديار، وبخاصة طريق الحج المعروف بدرب زبيدة الذي سهل التنقل عبره نوعًا ما. وكانت القوافل التجارية سابقًا تمر من أراضي المنطقة بصفة عامة، فنشأت في المنطقة محطات وأسواق تجارية من هذه القوافل التي كانت تنيخ ركابها في قرى لينة، ولوقة، وزبالة، خصوصًا قوافل العقيلات التي قامت بدور كبير في إثراء تلك القرى التي كانت تمثل حضارة البوادي في عهد مضى . كما أسهمت العقيلات في إنعاش أسواق القرى في المنطقة سابقًا، وذلك في حركة بيع وشراء السلع المختلفة عند مرورهم في تلك الأسواق ذهابًا وإيابًا من القصيم وحائل قاصدين بلاد الشام والعراق، وأما الطرق التي يسلكها العقيلات أثناء رحلتهم إلى تلك الأمصار فقد كانت مقسمة حسب الفصول، فبسبب ما يتميز به فصل الصيف من الحرارة الشديدة واحتياج القوافل من رجال ومطايا إلى الماء الوفير، نجدهم يتتبعون موارد الماء في طريقهم حتى لو طالت عليهم المسافة، ومن هنا جاءت أهمية قرى لينة، ولوقة، وزبالة لهم؛ بسبب توافر آبار وبرك المياه فيها، وأما الطرق التي تسلكها القوافل صيفًا مرورًا بقرى المنطقة في السابق فهي كالآتي:
الطرق المؤدية من حائل إلى النجف في العراق:
طريق حائل - التيم - الحيانية - لوقة - الشبكة - العيون - النجف.
طريق حائل - الشعيبات - الخاصرة - خضراء - لينة - السلمان - النجف.
طريق حائل - الكويت.
حائل - الخاصرة - بقعاء - تربة - البدع - خضراء - لينة - الحيانية - السلمان - حفر الباطن - الرقعي - العيون - الكويت.
أما الطرق التي كانت تسلكها القوافل خلال فصل الشتاء فتكون أقصر مسافة من الطرق التي تسلك صيفًا؛ حيث ينطلقون مباشرة إلى البلدة التي يقصدونها دون البحث عن الطرق التي تتوافر بها مناهل المياه؛ لاستغنائهم فترة الشتاء عنها، فلا يمرون إلا على الموارد التي تصادفهم في طريقهم، وعلى الرغم من ذلك ظلت قرى لينة، ولوقة، وزبالة من المحطات المهمة في طريقهم الشتوي، وهذه الطرق هي:
طريق حائل - العراق.
طريق حائل - التيم - الحيانية - لوقة - العيون - النجف.
طريق حائل - الكويت.
طريق حائل - الخاصرة - بقعاء - تربة - البدع - لينة - حفر الباطن - الرقعي - العيون - الكويت.
كما تُعد قرى لينة، ولوقة، وزبالة محطات على الطرق المعاكسة للطرق السابقة التي تمر عبرها القوافل التجارية الآتية من العراق وبلاد الشام متجهة إلى حائل والقصيم مرورًا بتلك القرى، وهذه الطرق هي:
طريق المشهد (النجف) - حائل.
طريق المشهد (النجف) - العيون - لوقة - الحيانية - حائل.
طريق - عنيزة.
طريق - عنيزة - الحماد - الرطبة - الجديدة - السماوة - بغداد - النجف - القرعاء - واقصة - زبالة - الشقوق - المرجوم - الثعلبية - النفود - الحجرة - لينة - الطرفية - بريدة - عنيزة.
وظلت القوافل التجارية الآتية من القصيم، وحائل، والعراق، وبلاد الشام (ذهابًا وإيابًا أو في التشريق والتغريب) تزود أسواق تلك القرى بالسلع المختلفة فترة من الزمن، خصوصًا فيما بين القرن العاشر ومنتصف القرن الرابع عشر الهجري، وأهم السلع التي يجلبها التجار هي كما يأتي:
يُستورد من العراق الأرز العراقي المعروف بالتمن بأنواعه وألوانه المختلفة: الأحمر، والأبيض، والحنطة، بالإضافة إلى التوابل والبهارات، والأقمشة النسائية، والحبال، والتمور وبخاصة المجفف منها المعروف بالصقعي، والعباءات والبشوت، والأشمغة، والعُقَلُ، والدلال البغدادية... وغيرها.
ويستورد من بلاد الشام الحنطة، والعدس، ودلال الرسلان، والنجور النحاسية، وأدوات صنع القهوة، وملابس الرجال والحلي، والمجوهرات، والأشمغة، والعُقَلُ.
أما صادرات تلك القرى فهي المنتجات الحيوانية من سمن، وأقط، وصوف، وجلود مدبوغة تصنع منها القرب لنقل الماء، والصميل لحفظ اللبن، والنَّحْيُ أو العكة لحفظ السمن، إذ تأخذ تلك القوافل هذه المنتجات معها إلى البلاد المجاورة.
هذا وقد توقف نشاط هذه القوافل أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات الهجرية؛ ما أدى إلى تراجع تلك الأسواق تدريجيًا.
ب - أبرز التطورات:
بعد توحيد المملكة على يد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وترسيم الحدود مع الدول المجاورة، وبعد ظهور النفط ومد خط الأنابيب (التابلاين) الذي يمر بالمنطقة أخذت الحياة الاقتصادية والاجتماعية - على حد سواء - بالتغير إلى الأفضل، فقد وفرت الشركات المتعهدة لهذا الخط عددًا من فرص العمل منظمة الأجور، وأمنت عددًا من الخدمات المغرية لأهل البادية بعيدًا عن الهجرات والتنقلات، بحثًا عن الكلأ والمرعى المناسبين في السابق، فبعد التحاق عدد من أهل البادية بأعمال الشركة؛ قامت قرى صغيرة بالقرب من محطات الضخ والصيانة لخط الأنابيب أخذت تنمو يومًا بعد يوم، فقد أضفى اكتشاف النفط وتصديره جوًا اقتصاديًا وماليًا واسع الأرجاء والأبعاد، وكان سببًا في إيجاد حركة التنمية والتطور الشامل، وتحضر المجتمع السعودي، وخلق قاعدة للنشاط الاقتصادي في المملكة، وقد واكبت هذه المنطقة هذا التطور كبقية أجزاء المملكة، وأخذت تنهض مسايرة للنمو السكاني والعمراني السريع الذي تشهده مناطق المملكة كلها، بتوفير كل السبل للمواطن؛ ليعيش حياة هادئة مستقرة، فقد وفرت الحكومة كل الخدمات الحكومية التي يعمل بها أبناء المنطقة، كذلك نجد أن بعض السكان يمارسون الأنشطة الاقتصادية المتوافرة في هذا الوطن المعطاء، فمنهم مَنْ يمارس التجارة بأنواعها المختلفة ومنهم المهنيون والمزارعون؛ حيث قامت وزارة الزراعة والمياه بتوزيع الأراضي الزراعية على المواطنين الراغبين بالزراعة، وساعدتهم في استصلاحها، فنجد أن أغلب الأراضي الزراعية في محافظات المنطقة توجد حول القرى شرقًا وغربًا، كما في طلعة التمياط، والمركوز، وغيرهما من القرى الأخرى القريبة من رفحاء، وقد بدأت بعض هذه المزارع تُؤتي أُكلَها، فأخذت تزود سوق الخضراوات والفاكهة في المحافظات بالمحصولات الزراعية التي تنتجها، لكن أغلب ما يمد هذه السوق من محصولات زراعية يأتي من خارج المنطقة، وبخاصة المناطق المجاورة كالجوف، وحائل، والمنطقة الشرقية.