التعليم الأهلي في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.
على الرغم من أن جل التعليم في المنطقة كان تعليمًا حكوميًا إلا أن المنطقة شهدت إنشاء بعض المدارس الأهلية التي قام بتأسيسها عدد من المشايخ والعلماء والمربين، أدَّت دورًا رائدًا في الحركة التعليمية والثقافية آنذاك وأفاد منها كثير من أبناء المنطقة وبخاصة الرواد منهم.
1 - المدرسة السلفية ببلجرشي:
تأسست عام 1370هـ/1951م على يد الشيخ محمد بن علي بن جماح الغامدي مدير المدرسة والقائم على شؤونها، وبعض مساعديه مثل الشيخ علي بن عبدالرحمن الجنيدي. وقد تبرع بعض المحسنين بالموقع ثم بنيت المدرسة من عدد قليل من الفصول، وعندما زاد عدد الطلاب فيها جمعت بعض التبرعات من داخل المنطقة وخارجها لإقامة مبان جديدة للمدرسة . وقد حظيت المدرسة بدعم خاص من الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - عندما زار المنطقة عام 1374هـ/1955م، وكان يرافقه ابنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود أمير منطقة الباحة حاليًا، "حيث اعتُمدت لها ميزانية خاصة أسهمت في تطويرها" . وكان للملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - نصيب وافر أيضًا من التبرع لإكمال مباني المدرسة ومرافقها الخدمية العامة. وكان مستوى منهج هذه المدرسة "أقل من المرحلة الابتدائية في المواد الاجتماعية والرياضية، أما مستوى المواد الدينية والعربية فيها أعلى من مستوى المتوسطة، ولهذا فقد كان طالب المدرسة يلتحق بالمعاهد العلمية من الصف الرابع" . وقد طبقت فيها عام 1388هـ/1968م مناهج وزارة المعارف بوصفها مدرسة ابتدائية، ثم افتتحت فيها عام 1394هـ/1974م المرحلة المتوسطة تلتها المرحلة الثانوية بقسميها: (العلمي والأدبي) .
2 - مدرسة زهران السلفية:
أسسها الشيخ عبدالله بن مسفر الزهراني في قرية جافان في زهران، وسميت عام 1375هـ/1956م بالمدرسة السلفية على أثر إنشاء المدرسة السلفية ببلجرشي. وكان ينفق عليها وعلى طلابها وأساتذتها من ماله الخاص. وكانت تدرس فيها علوم الشريعة واللغة العربية والحساب. وكان عدد طلابها 130 طالبًا قدموا إليها من أغلب قرى زهران، وعمل أكثرهم بعد ذلك أئمة للمساجد. وفي عام 1376هـ/1957م تحولت المدرسة إلى مدرسة حكومية ثم توقفت بعد انتشار المدارس في المنطقة .
3 - المدارس الريحانية:
من أبرز المدارس الأهلية في المنطقة، أسسها عام 1378هـ/1958م الشيخ الفاضل والمربي القدير سعد بن عبدالله المليص امتدادًا للمعهد الليلي للقرآن الكريم الذي أسسه هو أيضًا في بني ضبيان خلال هذه الفترة المذكورة. وسميت هذه المدارس (الريحانية) نسبة إلى قرية مؤسسها (الريحان) الواقعة في بني ضبيان. وكانت مراحل الدراسة بهذه المدارس على النحو الآتي:
المرحلة المتوسطة وفق مناهج وزارة المعارف.
المرحلة الثانوية وفق مناهج وزارة المعارف.
المرحلة المتوسطة والثانوية على غرار نظام دار التوحيد بالطائف.
المرحلة العليا التي يدرس فيها خريجو المدارس الريحانية الثانوية.
وقد تفرع عن هذه المدارس فرعان آخران في المنطقة أحدهما بمدينة الباحة والآخر بمدينة بلجرشي، وكانت الدراسة تقدم للطلاب فيها مجانًا على نفقة المؤسس وإخوته إضافة إلى معونة تقدمها وزارة المعارف وبعض الجهات الأخرى. وقد توقفت هذه المدارس عن العمل في عام 1410 - 1411هـ/1989 - 1990م . وقد تخرج منها مجموعة من رجال الفكر والأدب والتعليم من أمثال الدكتور سعيد بن عطية أبو عالي والدكتور سعيد بن محمد المليص والدكتور عبدالله أبو رأس، والأستاذ علي بن صالح السلوك والدكتور سعد عطية الغامدي وغيرهم.
4 - مدرستا زهرة بنت سعيد الأعمى:
لم يكن إنشاء المدارس الأهلية في الباحة مقتصرًا على الرجال دون النساء، فقد قامت المعلمة زهرة بنت سعيد الأعمى من قرية المكارمة ببلجرشي بإنشاء مدرستين إحداهما للبنين والأخرى للبنات عام 1358هـ/1939م، وقد انتقل الطلاب إلى المدرسة السلفية بالجلحية عام 1372هـ/1953م، أما مدرسة البنات، فقد استمرت الدراسة بها إلى عام 1380هـ/1960م، وكان يطلق عليها المدرسة السلفية للبنات بالمكارمة وكانت تحت إشراف المدرسة السلفية بالجلحية. وبعد وفاة المعلمة زهرة عام 1380هـ/1960م، قامت الأستاذة عزة بنت عبدالرحمن نسيلة بشؤون المدرسة إلى أن افتتحت المدرسة النظامية للبنات بالمكارمة في بداية التسعينات الهجرية من القرن الماضي
ولا يمكن لأي راصد للحركة التعليمية في منطقة الباحة ودورها في تنمية الفكر والثقافة، أن يغفل الدور الرائد الذي أَدَّتهُ نخبة متميزة من رواد التعليم النظامي في المنطقة، الذي يدين لهم به اليوم كثير من علماء المنطقة ومثقفيها وأدبائها. ولعل من أبرزهم: أحمد بن محمد الصالبي الزهراني، وسعد بن عبدالله المليص الغامدي، وعبدالله بن مسفر بن قرهم الزهراني، وعلي بن أحمد السبالي الزهراني، وعلي بن محمد الجيلاني، وعيد بن هزاع الغامدي، ومحمد بن أحمد السبالي الزهراني، ومحمد بن سعد الفقيه (البركي)، ومحمد بن علي آل جماح الغامدي، ومشرف بن صالح بن عدنان الغامدي، وموسى بن أحمد بن موسى الزهراني.
5 - المدارس القرعاوية:
شهدت منطقة الباحة في أوائل سبعينيات القرن الهجري الماضي حضورًا واضحًا للمدارس القرعاوية التي كانت منتشرة بكثرة في جنوب المملكة العربية السعودية، فقد أراد الشيخ عبدالله القرعاوي أن يوسع أنشطته التعليمية في الجنوب بافتتاح مدارس في غامد وزهران . وقد عمل معه بعض شيوخ المنطقة من أمثال الشيخ علي بن عبدالرحمن الجنيدي والشيخ سعد بن عبدالله المليص لتأسيس بعض مدارسه التي كانت تعلم الصغار والكبار. وعلى الرغم من أننا نمتلك معلومات موثقة تؤكد وجود هذه المدارس، إلا أننا نفتقر إلى معلومات موثقة حول عددها وطبيعة المناهج التي كانت تدرس فيها ومدة الدراسة ودورها الفعلي في تعليم أبناء المنطقة وتثقيفهم. ويبدو أن هذه المدارس لم تكن منظمة، ولم تستمر طويلاً وبخاصة في السراة، أما في تهامة فيبدو أنها حققت نسبة أعلى من النجاح، إذ كانت قادرة على استقطاب كثير من الطلاب بسبب المكافأة المالية التي كانت تقدمها لهم . وقد ذكر أن هذه المدارس التي افتتحت في المنطقة لم تكن منظمة، بل كانت - في أغلبها - عشوائية، فقد كان بعض طلاب العلم في هذه المنطقة يتصلون بالشيخ القرعاوي ويطلبون منه الموافقة على افتتاح مدارس يشرفون عليها، فكان يوافق على طلبهم إذا رأى فيهم الصلاح والحماسة ويمدهم ببعض المال اللازم . وعلى كل حال فوجود هذه المدارس لم يدم طويلا في المنطقة فسرعان ما تلاشت.
و - تعليم البنات:
بدأ التعليم النظامي للبنات في منطقة الباحة متأخرًا بعض الشيء مثله في ذلك مثل بقية مناطق المملكة. وبعد صدور المرسوم الملكي القاضي بفتح مدارس للبنات عام 1379هـ/1959م، افتتحت في منطقة الباحة عام 1382هـ/1962م، مدرستان ابتدائيتان، الأولى في بلجرشي والثانية في الظفير. وكان يشرف على التعليم بالمنطقة عدد من المندوبيات، منها ما كان مرتبطًا بإدارة تعليم الطائف، ومنها ما كان مرتبطًا بإدارة تعليم مكة المكرمة . وأخذ تعليم البنات يزدهر ويتطور خصوصًا بعد أن أنشئت إدارة لتعليم البنات في الباحة عام 1399هـ/1979م، وأبدى أهل المنطقة تجاوبًا سريعًا في تعليم بناتهم. فأنشئت أول متوسطتين للبنات في المنطقة عام 1391هـ/1971م، إحداهما في مدينة الباحة والأخرى في بلجرشي. أما أول ثانوية فأنشئت عام 1399هـ/1979م، في مدينة الباحة. وقد بلغ عدد المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية عام 1423هـ/2002م 308 مدارس تدرس بها 23752 طالبة، ويقوم على تعليمهن 2654 معلمة
ولا شك أن تعليم البنات في المنطقة قد قام بدور بارز في تفعيل الحركة الثقافية والفكرية في المنطقة، وفي إخراج مجموعة من الأديبات والكاتبات المرموقات، ليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى المملكة.