قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ} صدق الله العظيم، في بداية الحديث عن السنة النبوي لا بُدّ من الإيماءة إلى أنّ الحديث النبوي أو السُّنة النبوية كما يُطلقُ عليها بعض العلماء من أهل السُّنة والجماعة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، فالحديث النبوي حُجة دينية على المسلمين انطلاقًا من أنّ كل ما يصدر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يوافق عليه من الأمور التشريعية أو التنفيذية ما هو إلّا وحيٌ من عند الله تعالى، فهي بذلك مُلزِمةٌ للمسلمين اتباعًا واحتكامًا بعد القرآن الكريم إذ تدخل ضمن طاعة النبي الكريم الواجبة.
بدأت عملية كتابة وتدوين وجمع الأحاديث النبوية في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إذ قام عددٌ من الصحابة الذين يجيدون القراءة والكتابة بتدوين ما سمعوه من أحاديث نبوية كما فعل عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، وعند التعمّق في بحث عن الحديث النبوي وجمعه يُلاحظ أنّ البداية الحقيقية للجمع كانت في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز بواسطة الإمام الحافظ الزهري فكان أوّل من دوّن الحديث النبوي دون تبويبٍ ثم توالت عملية التدوين فيمن بعده في أكثر من موضعٍ ففي المدينة المنورة ظهر الإمام مالك بن أنس وابن أبي عروبة وغيرهم وفي مكة المكرمة ظهر ابن إسحاق وعبد الملك بن جُريج وفي الكوفة ظهر سفيان الثوري وحمّاد في البصرة أمّا في بلاد الشام فكان الأوزاعي، وفي القرن الثالث الهجري ازدهرت عملية تدوين الأحاديث النبوية وتبويبها وتصنيفها بحسب سندها إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ببروز عددٍ من العلماء الأجلاء كالإمام أحمد بمسنده وغيرهم، ثم كانت النقلة النوعية الكبرى في جمع الأحاديث النبوية بظهور الصِّحاح -صحيحيْ البخاري ومسلم- اللذين اعتمدا على ما حُفِظ من الأحاديث في صدور العلماء والمشايخ وما دُوِّن في كتب من سبقهما من العلماء.