الصحافة في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.
على الرغم من حداثة المنطقة والانتقال المفاجئ من حياة البادية والترحال إلى حياة الاستقرار والتحضر، إلا أنها عرفت النشر والإصدارات المحلية. ولعل أهم هذه الإصدارات التي قامت على جهد محلي محض هي مجلة الغرفة التجارية، وفيما يلي وصف لبعض محتوياتها وأنشطتها.
أ - مجلة (تجارة عرعر):
مثلت (مجلة تجارة عرعر) الإصدار الأول المتميز في هذه المنطقة فكانت الصوت الوحيد للمنطقة فيما تقدمه إخباريًا وثقافيًا واقتصاديًا. أسست هذه المجلة في أوائل عام 1406هـ / 1986م بجهود فردية وحققت نجاحًا جيدًا بين الأوساط المحلية في المنطقة على الرغم من محدودية الجهد وخصوصية المجال. وقد بدأت المجلة إصداراتها بشكل دوري كل أربعة أشهر، وإذا كان لا يمكن تغطية أعدادها ومحتوياتها كلها فعلى الأقل نأتي ببعض النماذج التي تعطي فكرة شاملة عما كانت تنشره المجلة وتكشف اهتمامات القائمين عليها والمساهمين فيها.
لقد جسدت المجلة حالة ثقافية إعلامية جديرة بالتوقف أمامها نظرًا إلى تفردها وسعيها الدؤوب إلى القيام بأعباء تجربتها الإعلامية، فقد عنيت (مجلة تجارة عرعر) بتغطية الأخبار المحلية والأحداث الوطنية؛ من نقل لأخبار الميزانيات، وتغطية لفعاليات اليوم الوطني لربط المنطقة بالاحتفال السنوي الكبير ودمجها ضمن فعالياته، أيضًا واكب باب الأخبار على صفحات المجلة أنشطة المنطقة المتنوعة، ولاحقت على طول أعدادها الافتتاحات والفعاليات التي رعاها أمير المنطقة من إنشاءات وافتتاحات ومعارض وطنية.
وإلى جانب التغطية الإخبارية للأحداث المحلية والعامة، اهتمت (مجلة تجارة عرعر) بنشر موضوعات متنوعة تثري قارئها بخاصة وتفيد المنطقة بشكل عام، فضمت المجلة بين دفتيها موضوعات عن: (المدن الإسلامية مراكز إشعاع للحضارة في العالم)، و (الموظف والمواطن)، و (الأسواق الإسلامية مرآة للنشاط البشري)، و (أثر الذنوب والمعاصي)، و (صور اجتماعية تحتاج إلى علاج)، و (التاجر الصدوق)، و (الدنيا في نظر الإسلام) و (الغزو الفكري: مجالاته ووسائله)، وغيرها من الموضوعات والمقالات التي قدمتها نخبة من أقلام أبناء المنطقة وبعض ضيوفها من الكتّاب، منهم: الدكتور محمود حامد الحسيني، ويحيى صالح العساف رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية، والشيخ عزيز بن فرحان العنـزي، وعبد الله بن محمد العنـزي، والدكتور فهد العرابي الحارثي، وفهد العريفي - رحمه الله، وفوزية البكر، وصالح بن عبد العزيز بن عبد الله الخضيري مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصالح بن حمود القاران، وعويد بن بليبص زايد العنـزي.
ولم تغفل مجلة (تجارة عرعر) حظ قارئيها من الإبداع بوصفه حالة ثقافية أصيلة ووجه العملة الثقافية الشهير، فأتاحت صفحاتها أمام قصائد وإبداعات الموهوبين من أبناء المنطقة، وقدمت المجلة باقة متنوعة من قصائد الشعر النبطي (الشعبي) خلال زاوية (روضة الأدب الشعبي)، وعلى الضفة الأخرى كان شعراء الفصحى من أبناء المنطقة أيضًا يقدمون إبداعاتهم، ومنهم الشاعر عبد الله الصيخان، والشاعر عيد النعيم السهو، ومن الشعراء الذين لمعوا على صفحات المجلة أيضًا الشاعر معن بن رمضان الشاذلي.
هذا كله فضلاً عن المسابقات الثقافية التي نظمتها مجلة (تجارة عرعر) على صفحاتها، وقد تناولت شتى الألوان الثقافية الأدبية والعلمية والتاريخية.
أما أهم دعم قدمته المجلة لمثقفي المنطقة وأدبائها فهو ربطهم بأدباء المملكة ومثقفيها ووضعهم في دائرة الضوء الثقافي الكبيرة التي تحتفي بمبدعي المملكة، وذلك من خلال استكتابها لكبار كتّاب المملكة ومبدعيها، وتقديم تجربتهم إلى أبناء المنطقة من باب التجاور والاحتكاك، ومن ثَمَّ إكسابهم مزيدًا من الخبرة والثقة والوجود الأدبي.
إن ما قامت مجلة (تجارة عرعر) بنشره من دراسات أدبية وقراءات نقدية وقصائد أوجد حالة من الحراك الثقافي في بركة الثقافة التي كانت تحتاج إلى حجر يلقى في سكونها، وليستثير طاقات مبدعيها وموهوبيها وقدراتهم وقرائهم. وقد كان لمجلة تجارة عرعر فضل السبق إلى هذا الهدف.
بيد أن رحلة هذه المجلة الزاخرة توقفت عند العدد رقم 30 آخر عدد صدر منها.
ب - مجلة (طريف):
صدرت هذه المجلة في شوال من عام 1418هـ / فبراير 1998م، في اثنتين وثلاثين صفحة؛ ويعكس هذا الجهد نشاط أبناء محافظة طريف، فقد صدرت عن قسم النشاط الاجتماعي في ثانوية طريف وبإشراف الإدارة العامة للتعليم في منطقة الحدود الشمالية ممثلة بمركز الإشراف التربوي في محافظة طريف. أما هيئة التحرير فيها فرأسها صالح بن صياح العنـزي، وأشرف على المجلة محمد بن عبد العزيز الحمود. ومثل هذه الجهود تعكس الطموح الذي سعى إلى تحقيقه أبناء المحافظة، كما تعكس الدور الإيجابي لإدارة التعليم في المنطقة.
وقد تضمن عددها الأول موضوعات عدة تحت العناوين الآتية: (دعوة للتأمل والتفكير)، و (افتتاح مركز الإشراف بمحافظة طريف)، و (طريف بين الحاضر والماضي)، و (المشروع الكبير لبلدية طريف)، و (الخدمات التربوية: هل هي البديل المناسب عن الدروس الخصوصية؟) وتغطية لجمعية طريف الخيرية، كما ضم توجيهات حول (المواقف الخاطئة) يضاف إلى مثل هذه العناوين ما احتواه العدد من افتتاحية، وبعض أخبار المحافظة وزاوية (طريف الخزامى)، وشيء من الشعر الشعبي، وزاوية الأدب والثقافة، ومسابقة العدد، والأخبار الرياضية.
على الرغم من قصر فترة صدورها، إلا أن طموحها برز في عددها الثالث حين استضافت سمو أمير منطقة الحدود الشمالية عبد الله بن عبد العزيز بن مساعد آل سعود وألقت الضوء على بعض جوانب حياته الخاصة والعامة، بل إنها لفتت اهتمام الصحافة المحلية فيما تناولته من موضوعات مختلفة؛ فقد غطت جريدة الجزيرة هذا الإصدار تحت عنوان (موضوعات شيقة متنوعة في مجلة طريف) جاء فيه: " صدر العدد الثالث من مجلة (طريف 3) التي تصدر عن قسم النشاط الاجتماعي في ثانوية طريف وقد التقت المجلة صاحب السمو الأمير عبد الله بن عبد العزيز بن مساعد آل سعود لتسليط الضوء على لمحات من حياته الشخصية والمهنية " ، وحفلت المجلة بموضوعات ومقابلات تكشف التقارب الأخوي بين القيادة والمواطن، إذْ يلتقي أمير المنطقة أبناءه الطلبة يحدثهم عن حياته الشخصية والعملية.
ج - مجلة (قافلة الزيت):
كان طلاب المدارس في منطقة الحدود الشمالية منذ بداية خمسينيات القرن الماضي يقرؤون لطه حسين، وعباس محمود العقاد، وحمد الجاسر، ومحمد حسن عواد، وإيليا أبو ماضي... وغيرهم؛ من خلال (قافلة الزيت) المعروفة، تلك المجلة الشهرية التي بدأت شركة (أرامكو) السعودية بإصدارها منذ أوائل الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي. وكانت منذ صدورها مجلة تقتنيها بانتظام مكتبات المدارس الثلاثة التي أنشأتها شركة خط الأنابيب (التابلاين) بناء على الاتفاقية المبرمة مع حكومة المملكة العربية السعودية. وكان لما تحتويه أعداد هذه المجلة الأثر الفعّال في نمو ثقافة أبناء المنطقة وتطور فكرهم، خصوصًا الجيل الذي عاصر نشأة المنطقة وتعلم في تلك المدارس. وقد صدر العدد الأول من (قافلة الزيت) في جمادى الأولى عام 1373هـ / 1954م، ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا. وإذا نظر المرء في محتويات أعدادها الأولى فلا بد أن يصاب بالدهشة حقًا لما تحتويه من موضوعات وأسماء لها قيمتها في تاريخ الفكر العربي والعالمي.
ولئن جاءت الإسهامات في أعدادها الأولى تحت أقلام هيئة التحرير في المجلة، فإن الحال قد تغيرت مع الأعداد التالية التي صدرت مع بداية عامها الثاني. فمن الموضوعات التي غطتها في سنتها الأولى: الأدب، والعلم، والأحوال الصحية، والاجتماعية، والصناعية، والرياضية. ومن بعض عناوين هذه السنة: (من روائع الأدب القديم: المتنبي)، و (الأعشى)، و (الديوان عند العرب)، و (لسان حال اللغة العربية)، و (لاعبون سعوديون يدربون الأمريكان الكرة)، وجاءت بعض عناوين السنة الثانية 1374هـ / 1955م كالآتي: (ابن الصحراء)، و (إهداء من الدكتور طه حسين إلى أهالي المنطقة الشرقية)، و (احتفالات على شرف الملك)، (مستشفى جديد للتابلاين في بدنة). ولا شك أن هذا غيض من فيض، كما أن أبواب الأدب والثقافة العربية والعالمية تغص بالكثير.
وفي إصدارات عام 1376هـ / 1957م أسهم محمد حسن عواد بمشاركة عنوانها (الباب المغلق)، وهيئة التحرير تشارك بعنوان (مع أبي العلاء)، وكذلك بعنوان (من قصص العرب) كما شارك محمد حسن عواد مرة أخرى بما وسمه (أمسيات شعرية) وغيرها متحدثًا عن (الآثار الإسلامية في إسبانيا)، وعلي الطنطاوي الداعية المسلم والمصلح الاجتماعي المعروف، رحمه الله، يشارك بمقال تحت عنوان (الإمام البخاري مؤلف أصح كتاب بعد القرآن).
بل إن قراء المجلة كانوا يقرؤون عن (أرنيست هيمنغواي) و (إدغار ألن بو) وعن جامعة الرباط وجامعة الملك سعود وعن اختراعات العلم المتسارعة، وعن التطورات العمرانية داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وعن علم النفس. كما أن الشاعر المهجري المعروف، إيليا أبو ماضي، ينشر قصيدته المشهورة (أيهذا الشاكي) في عدد صفر من عام 1379هـ / 1959م. ولم يكن هذا المنفذ الفكري والثقافي في ذلك الزمن متاحًا حتى لحواضر العالم العربي، ولذلك فلا نستغرب القفزة الفكرية والثقافية التي حظي بها أبناء منطقة الحدود الشمالية والتي تتمثل في متابعتهم التعليم وحصولهم على شهادات عليا في التخصصات جميعها.
د - (مجلة المنهل):
مجلة شهرية متخصصة تُعنى بالشؤون الثقافية والأدبية والعلمية، أسسها عبدالقدوس الأنصاري عام 1355 / 1936م في المدينة المنورة، وتعد مصدرًا ثريًا من مصادر العلم والثقافة والمعرفة، وكان لها - مثل سابقتها - أثر عظيم في تنمية ثقافة أبناء المنطقة، وثراء فكرهم.