قال التّرمذي في سننه: حدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدَّثَنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ الضُّبَعِىُّ، عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الحَسَنِ، عَن عبد اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَن عَائِشَةَ قالَتْ: قُلْتُ:" يا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، مَا أقُولُ فِيها؟ قَالَ: قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي".
وقوله: " تحبّ العفو " أي أنّ اللَّه تعالى يُحبّ أسماءه وصفاته، ويُحبّ من عبيده أن يتعبَّدوه بها، ويعملوا بمقتضاها، وبمضامينها. وهذا المطلب في غاية الأهميّة، وذلك أنّ الذّنوب إذا تُرِكَ العقاب عليها يأمن العبد أن ينزلَ اللَّه تعالى عليه المكاره والشّدائد، حيث أنّ الذّنوب والمعاصي من أعظم أسباب إنزال المصائب، وإزالة النّعم في الدّنيا، أمّا في الآخرة فإنّ العفو يترتّب عليه حسن الجزاء في دخول النّعيم المقيم. ولا يخفى في تقديم التّوسل باسمين كريمين للَّه تعالى قبل سؤاله أنّ في ذلك أهميّةً جليلةً في إنزال العطاء المرجوّ منه تعالى.
الاسم السّادس والسّتون من أسماء الله الحُسنى، وقد ورد في الأحاديث الصّحيحة التي ذكَّر فيها النبيّ عليه الصّلاة والسّلام أصحابه بأسماء الله الحسنى، والعفوُّ مشتقّ من العَفْو، ومعنى المصدر في المعاجم اللغويَّة: القصدُ لتناولِ الشّيء. والعفوُ أقلُّ من الصّفحِ، لأنَّ الصّفح أبلغ من العفوِ، والصّفحُ لا تأنيب معه، فقد أعفو عن إنسان وأُؤنِّبه. وقد يعفو إنسانٌ ولا يصفح.
ومعنى العفوُّ أي الذي يمحو السّيئات، ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريبٌ من اسم الغفور ولكنّه أبلغ منه، لأنّ الغفران ينبّئ عن السّتر، والعفو ينبّئ عن المحو، والمحو أبلغ من السّتر. فالعفو في حقّ الله عزّ وجلّ عبارة عن إزالة آثار الذّنوب بالكليّة، قال تعالى:" فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ "، . وقد جاء ذكر العفو في آيات مختلفةٍ في القرآن الكريم، منها قوله تعالى:" إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا "،
ليلةُ القدرِ هي ليلةٌ مباركةٌ ذكرها الله تعالى في القرآن، وليسَ إدراكها أمراً خاصّاً بالنّبي -صلّى الله عليه وسلّم- وحدهُ، بل يمكن لكلّ مسلمٍ قامَ رمضانَ أو العشر الأواخر منه أن يدركَ ليلة القدر، وذلك أنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- أمرَ بالتماسها في العشر الأواخر من رمضان، كما في الحديث المتّفق عليه. وأمّا عن حقيقتها فهي ليلةٌ ذاتُ فضلٍ وشرفٍ، فقد اختصّها الله عزّ وجلّ بالمنزلة العالية من بين الليالي. وسمّيت بليلة القدر لأنّها ذاتُ قدرٍ وشرفٍ، أو أنّه تقدّرُ أرزاق العباد وآجالهم فيها على وفق ما سبق به علمُ الله، قال تعالى:" فيها يفرق كل أمرٍ حكيم "،
وأمّا عن أوصافها فقد وصفها الله بأنّها مباركةٌ:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ "، ، وقد خصّها الله تعالى بإنزال القرآنِ فيها، وجعلها خيراً من ألف شهر، وأخبر أنّ الملائكةَ تتنزّلُ فيها بأمرِ الله عزّ وجلّ، قال تعالى:" إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ". ويجب أن تكون العبادة من صلاة، ودعاء، وذكر، وتسبيح، وقراءة قرآن، وصلاة على النّبي، والإكثار من هذا الدعاء، حيث قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال:" من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدّم من ذنبه "،
موسوعة موضوع