من المتفق عليه أن للتشبيه أثره في رفع شأن الكلام وفتح باب القبول أمامه في أطواء الصدور ,فإنه أشبه شيء بوسائل الإيضاح ونماذج الدروس التي تسبق الشرح أو يعقب بها عليه فتذلل ما عسى أن يكون من عسر الفهم وتثبيت معانيها في الذهن .
يقول الخطيب القزويني :- إنه –أي التشبيه – مما اتفق العقلاء على شرف قدره وفخامة أمره في شأن البلاغة وأن تعقيب المعاني لاسيما قسم التمثيل منه يضاعف قواها في تحريك النفوس إلى المقصود بها مدحا أو ذما أو افتخارا أو غير ذلك .
وتنشأ بلاغة التشبيه بأن ينتقل بك التشبيه من الشيء نفسه إلى طريق يشبهه ,أو صورة بارعة مثله وكلما كان هذا الانتقال بعيدا قليل الخطورة بالبال أو ممتزجا بقليل أو كثير من الخيال كان التشبيه أوقع في النفس وأدعى على إعجابها واهتزازها.
كما في قول المعري يصف نجما:
يسرع اللمح في احمرار كما تسر ع في اللمح مقلة الغضبان
لمحة الغضبان من التشبيهات النادرة التي لا تنقاد إلا للأديب .
ومن ذلك قول الشاعر :
وكأن النجوم بين دجاها سنن لاح بينهن ابتداع
فإن جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه بعقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما .
وهي :حالة النجوم في رقعة الليل ,بحال السنن الدينية الصحيحة متفرقة بين البدع, ولهذا التشبيه قيمة أخرى جاءت من أن الشاعر تخيل أن السنن مضيئة لماعة وأن البدع مظلمة قاتمة .
ومن أبدع التشبيهات قول المتنبي :
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها وقوف شحيح ضاع في الترب خاتم
يدعو على النفس بالفناء إذا لم يقف بالأطلال ليذكر عهد من قاموا بها ثم أراد أن يصور هيئة حال وقوف شحيح فقد خاتمه في التراب ، من كان يوفق أن يصور حال المذهول المتحير المحزون المطرق برأسه المتنقل من مكان إلى مكان في اضطراب ودهشة بحال شحيح فقد في التراب خاتما ثمينا.
وانظر إلى قول بشار يصف جارية مغنية :
كأن أميرا جالسا في ثيابها تؤمل رؤياه عيون وفود
أرأيت إلى هذا الجمال وإلى التعاطف بين الألفاظ والنافح جرس الصياغة وفي تصوير هذه الهيئة المرهوبة المحبوبة التي خلعها الفن الأنيق على هذه المغنية الحسناء ,فإذا هي أمير خطير الشأن عالي المنزلة محبب إلى النفوس يزدحم الوفود على حضرته لا خوفا من بطشه ولكن ليتملوا من طلعته المحبوبة الشائقة ويجتلوا منظره المرموق .
هذه إشارة موجزة لبلاغة التشبيه من حيث طرافته ومرماه وما فيه خيال وجمال.