يشترط في الإنسان حتى يصح تكلیفه شرعياً: أن يكون قادراً بنفسه أو بالواسطة على فهم خطاب التكليف الموجه إليه، ويتصور معناه بالقدر الذي يتوقف عليه بالامتثال، لأنّ الغرض من التكليف الطاعة والامتثال، ومن لا قدرة لهُ على الفهم لا يمكنه الامتثال، والقدرة على الفهم إنما تكون بالعقل، وبكون خطاب الشارع ممّا يمكن فهمه ومعرفة المراد منه؛ ولما كان العقل أمراً باطناً لا يدرك بالحس، وغير منضبط، ومتفاوتة في أفراد الناس، فقد أقام الشارع البلوغ، الذي هو أمر ظاهر منضبط، مقام العقل لأنّهُ مظنته، وجعل مناط التكليف بلوغ الإنسان، وحط عنه التكليف قبل ذلك تخفيفاً عنه، ودليل ذلك، قوله عليه الصلاة والسلام:“رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ: عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ” صدق رسول الله ، فإذا بلغ الإنسان الحلم، وكانت أقواله وأفعاله جاريةً على حسب المألوف المعتاد بين الناس، ممّا يستدل به على سلامة عقله، حكم بتكليفه لتحقق شرط التكليف وهو البلوغ عاقلاً.