المنتديات الدورية والمواقع الإلكترونية بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية
الكاتب:
ولاء الحمود
-
المنتديات الدورية والمواقع الإلكترونية بمنطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.
شهدت منطقة الباحة ظهور بعض مجالس العلم الدورية التي كان يجتمع فيها العالم أو المربي بطلابه أو أقرانه من العلماء الآخرين، لتدارس بعض الأمور الدينية والشرعية والفكرية. وكانت هذه المجالس أو الحلق تعقدُ - في الغالب الأعم - في بيوت العلماء، أو في المساجد، أو حتى في الأسواق، كما كان يفعل الشيخ عوضة بن صالح الحمراني، فقد "كان له مجلس خاص في الأسواق للتعليم والفتوى وحل منازعات الناس" . ولم تكن كل المجالس ذات صبغة دينية صرفة، فقد كانت اهتمامات بعضها أكثر اتساعًا لتشمل الأدب والشعر والفكر والثقافة. ولقد ذكر الأستاذ إبرهيم الحسيل، على سبيل المثال، أنه قام في حدود عام 1370هـ/1951م هو ومجموعة من أقرانه العلماء والمثقفين، في مدينة الظفير بإنشاء منتدى علمي أدبي أو "ما يشبه النادي" كما يقول، وكانوا يزاولون فيه بعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، ويقرؤون في الليل ما تيسر لهم من الكتب ثم يناقشون بعض الموضوعات الاجتماعية . ويُعقد في جمعية الثقافة والفنون بالباحة لقاء شهري تقدم فيه أوراق عمل في قضايا أدبية وفنية متنوعة، ويُستضاف بعض الشخصيات، ويقدم فيه كذلك بعض القراءات النقدية لبعض الأعمال الأدبية والتشكيلية. وكان يقام في نادي السراة لقاء أو منتدى أسبوعي يدعى "إثنينية السراة" تقدم من خلاله لقاءات ومحاضرات ثقافية متنوعة . أما حاليًا، فيقام في نادي الباحة الأدبي لقاء دوري شهري، أشبه ما يكون بورشة عمل يدعى إليه أدباء المنطقة، وبخاصة الشباب منهم، لتقديم أعمالهم الأدبية، ويقوم الحضور بالتفاعل مع ما يلقى عليهم: تذوقًا ونقدًا.
ومع ذلك فحضور هذه اللقاءات الدورية التقليدية ودورها في تفعيل الحركة الأدبية بالمنطقة متواضع إذا ما قورن بحضورها في بعض مناطق المملكة الأخرى، ولكن ضعف حضور المنتديات التقليدية في المنطقة يقابله حضور قوي وفاعل للمنتديات الإلكترونية التي أسهم في بنائها وشارك فيها كثير من أبناء المنطقة. فقد استغل مثقفو المنطقة وأدباؤها شبكة الإنترنت للتواصل فيما بينهم ومع الآخرين، لنشر إبداعاتهم الأدبية والفكرية والاطلاع على ردود أفعال القراء على أعمالهم مباشرة.
وفي الحقيقة فقد شهد النشر الإلكتروني إقبالاً واسعًا من أدباء المنطقة ومثقفيها: (رجالاً ونساءً)، وبخاصة الأدباء الشباب منهم. وشجعهم على ذلك كثرة مواقع المنطقة الإلكترونية، فأغلب مدن المنطقة وقراها تمتلك - على الأقل - موقعًا واحدًا يجعل من أمر التواصل الثقافي والأدبي مع الآخر في المنطقة وخارجها أمرًا سهلاً وممتعًا. وعلى الرغم من أن أغلب هذه المواقع ذات طابع اجتماعي ترفيهي، إلاّ أن بعضها يبدي اهتمامًا واضحًا بتبني الشأن الثقافي والأدبي ويفسح له مجالاً واسعًا. ومن أبرز هذه المواقع التي تسهم إسهامًا فاعلاً في الحراك الثقافي في منطقة الباحة: منتديات الصقور في موقع قبيلة غامد، ومنتدى الديرة في موقع زهران، ومنتدى روابي زهران وغامد، ومجالس الباحة. ولا يقتصر نشر أدباء المنطقة ومثقفيها على هذه المواقع فقط بل إنهم ينشرون في مواقع أخرى متعددة داخل المملكة وخارجها. فهذه المواقع تتضمن مجالس خاصة تهتم بتاريخ المنطقة وتراثها، ومجالس تنشر فيها المقالة والشعر الفصيح والقصة القصيرة والشعر الشعبي، ويتاح فيها للقراء والمبدعين التحاور والتنافس حول ما ينشر من إبداع وإسهامات ثقافية متنوعة أخرى.
ومن خلال استعراض كثير من هذه المواقع يمكن أن يقف القارىء على مجموعة من الأسماء الواعدة من منطقة الباحة التي تكتب في مجال الشعر والقصة والمقالة مثل الشاعر محمد مشعل الشدوي، والشاعر عبدالله الشدوي، والشاعرة أسماء صالح الزهراني، والشاعرة منى محمد الغامدي وغيرهم. ويبدو أن بعض ما ينشره هؤلاء الشباب في هذه المواقع قد تفوق قيمته الأدبية والثقافية ما ينشره بعض أدباء المنطقة في دواوين شعرية أو مجموعات قصصية أو غيرها من وسائط النشر الورقي. ولا مجال هنا لدراسة هذه الظاهرة، نعني ظاهرة النشر الإلكتروني، التي استقطبت عددًا كبيرًا من أدباء المنطقة وأديباتها، ولكن من المهم تقرير حقيقة مهمة وهي أن هذه المواقع الإلكترونية قد أدت (وستؤدي) دورًا فاعلاً في إثراء الحركة الأدبية والثقافية في منطقة الباحة، ولا يمكن لأي باحث منصف وجاد تجاهلها.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.