الحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيقول الله عز وجل: ? إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ? [النساء: 40].
لقد ذكر وبيَّن الله عز وجل في هذه الآية الكريمة أن يوم القيامة لا ظُلم فيه لأحد، ولا جَور فيه على أحد، وليس شيء من ذلك واقعًا على أحد، بل نَفى احتمال وقوع أدنى شيء من ذلك، فضلاً عن حصوله، فقال عز وجل في الآية الأخرى: ? وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ? [الأنبياء:47]، ولذلك فليس على أحد من المحسنين أن يخاف لديه ظلمًا ولا هضمًا، ولا يخاف بخسًا ولا رهقًا، وهذا والله مِن كمال عدله وفضله، وعفوِه وإنعامه، وتنزُّهه عمَّا يضاد ذلك من الظلم القليل والكثير.
كما أخبر فيها - أيضًا - بأنه عز وجل عليم بقدر الجزاء على الحسنات؛ فلن يبخس أحدًا ثوابَها، ولن ينقص من حسنات محسنٍ قط، بل إنه عز وجل سيضاعفها، فيثيب على القليل بالكثير، وإلى أكثر من ذلك - كما سيأتي معنا - وهذا كلُّه بحسَب حالها ونفعها من جهة، وحال صاحبها إخلاصًا ومحبة وكمالاً من جهة أخرى، فرغَّب الله عز وجل في هذه الآية عمومَ الخلق في الحسنات؛ وذلك من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: في قوله عز وجل: ? إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ ?؛ والمعنى[1]: لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزنَ ذرَّة بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها، والمهم: أنه عز وجل لا يظلم قليلاً ولا كثيرًا كما تقدم.
والوجه الثاني: في قوله عز وجل: ? وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ?؛ والمعنى: أنه عز وجل لا يبخسهم حقهم أصلاً، بل إنه عز وجل سيزيدهم على ما يستحقون، وفوق ما يظنون.
والوجه الثالث: في قوله عز وجل: ? وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ?؛ أي[2]: زيادة على ثواب العمل نفسه من التوفيق لأعمال أخر، وإعطاء البر الكثير والخير الغزير.
مضاعفة الحسنات:
ومع أن كل أقضيته عز وجل لا تخرج - ولا يمكن أن تخرج - عن الحكمة والرحمة والعدل والمصلحة، ولا يكاد يشكُّ أو يشكِّك في هذا مَن له أدنى مُسكة من عقل وإنصاف فضلاً عن دين، ومع هذا فإنه عز وجل ولحكمته ورحمته وإحسانه وستره وحلمِه وصبرِه ولطفه وبرِّه، لم يكتف بهذا حتى قرَّر أمرًا آخر كما في قوله عز وجل: ? وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ?، وهو عز وجل وإن لم يبيِّن في هذه الآية الكريمة ما هو أقل ما تضاعف به الحسنة، ولا أكثره، فإنه بيَّن ذلك في موضعٍ آخر، وأخبر عز وجل أن أقلَّ ما تضاعف به عشر أمثالها، فقال الله عز وجل: ? مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ? [الأنعام: 160]، وهذه الآية في الحقيقة تفسر وتبين - أيضًا - ما أُجمل في قوله عز وجل: ? مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ? [النمل: 89][3]، بل إن لك أن تتأمل كيف أن الله عز وجل زاد على العشرة؛ لتعلم حقيقة ما قلنا، فقال عز وجل: ? كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ?، ثم زاد عليها، فقال: ? وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ ?، بل ترك الأمر بعد ذلك عائدًا إليه، فقال عز وجل: ? وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ? [البقرة: 261].
ويزيد الأمر عجبًا أنه في المقابل وفي جانب السيئة قال عز وجل: ? وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ?، وحتى يؤكد على هذا قال عز وجل في ختام الآية: ? وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ?؛ والمعنى[4]: أي لا ينقص من ثواب طاعتهم، ولا يزاد على عقاب سيئاتهم، وهذا وكما قال بعضُ أهل العلم[5]: في غاية الدلالة على أن جانب الحسنة راجحٌ عند الله عز وجل على جانب السيئة، ويؤكِّده قوله عز وجل: ? إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ? [الإسراء: 7]، ووجهه[6]: أنه لم يقل: وإن أسأتم أسأتم لها؛ فكأنه تعالى أظهرَ إحسانه؛ بأن أعاده مرتين، وستر عليه إساءَتَه؛ بأن لم يذكرها إلا مرةً واحدة، وكلُّ ذلك يدل على أن جانب الحسنة راجح.
ووجهه[7]: أن الاستغفار: طلب المغفرة، وهو غير التوبة - يقينًا - فصرح هاهنا بأنه - سواءٌ تاب أو لم يتب - إذا استغفر غَفر الله له، ولم يقل: ومن يكسب إثمًا فإنه يجد اللهَ معذِّبًا معاقبًا، بل قال: ? فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ ? فدل هذا - أيضًا - على أن جانب الحسنة راجح، فسبحان الله!
تنبيه:
هذا مع العلم بأن قولَه عز وجل: ? مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ ? عامٌّ على أصح قولَي أهل التفسير، فيشمل الحسنة القوليَّة والفعلية، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحق الله عز وجل أو حق خلقه؛ وذلك لأمور[8]:
أولاً: تمسكًا باللفظ.
وثانيًا: لأنه حكم مرتبٌ على وصف مناسب له؛ فيقتضي كون الحكم معلَّلاً بذلك الوصف، فوجب أن يعم لعموم العلة.
الأحاديث تؤكد هذا وتقويه:
ولقد جاءَت السنةُ النبوية تؤكد كلَّ هذا وتزيده بيانًا وجلاءً ووضوحًا؛ ومنها:
ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا أسلم العبدُ، فحسُن إسلامُه، كتب الله له كلَّ حسنة كان أزلفها، ومحيَت عنه كلُّ سيئة كان أزلفها[9]، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها))[10].
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: حدثنا الصادقُ المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ((الحسنة بعشر أمثالها أو أزيدُ، والسيئة واحدة أو أغفرها، ولو لقيتني بقُرَاب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتُك بقرابها مغفرة))[11].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((كلُّ عمل ابن آدم يضاعَف الحسنة عشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف))[12].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها اللهُ عنده حسنةً كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبها اللهُ عز وجل عنده عشرَ حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبها الله سيئةً واحدة))[13].
قال ابن أبي العز: فأخبر بأنه إذا همَّ بحسنة ولكن عاقَه عائقٌ فلم يعملها أثابه الله بنيَّته، وكتب همَّه حسنة، وإذا همَّ بسيئة فلم يعملها، بل تركها خوفًا من الله كتبها اللهُ حسنةً كاملة، وإذا عمل الحسنة فله عشر حسنات، وإذا عمل السيئةَ فله سيئة واحدة، فويلٌ لمن غلبَت آحادُه عشراتِه[14]، الذي تكثر سيئاته وهي واحدة واحدة، ثم تغلب حسناته التي هي عشرات، هذا هالك، ولا يهلك على الله إلا هالِك ، فسبحان ربي ما أعظمه.
فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة:
بل إن مما يزيد العبدَ منا تعجبًا وعجبًا، أنه عز وجل لم يكتف بذلك حتى جعل فِعل الخيرات يكفِّر الذنوبَ السالفة، فقال الله عز وجل: ? إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ? [هود:114].
وهذه الآية واضحة الدلالة على أن الذنوب يكفِّرها اللهُ عز وجل بالحسنات، قال الشوكاني: إن الحسنات على العموم ومن جملتها بل عمادها الصلاة، يذهبن السيئات على العموم، وقيل: المراد بالسيئات: الصغائر، ومعنى: ? يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ?: يكفرنها حتى كأنها لم تكن[15].
وقال سيد قطب: وهو نصٌّ عام يشمل كلَّ حسنة، والصلاة من أعظم الحسنات، فهي داخلة فيه بالأولوية، لا أن الصلاة هي الحسنة التي تذهب السيئة بهذا التحديد كما ذهب بعض المفسرين[16].
قلت - بكر -: ولعل السبب في ذلك - يعني: أن بعضهم جعل التكفيرَ خاصًّا بالصلاة - ما جاء عن أبي عثمان قال: كنتُ مع سلمان رضي الله عنه تحت شجرة فأخذ غصنًا منها يابسًا فهزَّه حتى تحاتَّ ورقُه ثم قال: يا أبا عثمان ألا تسألني لم أفعل هذا؟! قلت: ولم تفعلُه؟ قال: هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة، وأخذ منها غصنًا يابسًا فهزَّه حتى تحات ورقه، فقال: ((يا سلمان، ألا تسألني لم أفعل هذا؟)) قلت: ولم تفعله؟ قال: ((إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى الصلوات الخمس، تحاتت خطاياه كما تحاتَّ هذا الورق، وقال: ? وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ? [هود: 114]))[17].
لكن هذا وإن كان قد يظهر منه ذلك، فإنَّ الأمر على خلاف ذلك، والصواب ما قاله جملةٌ من المحققين: أن ذلك عام لكل الحسنات، قال ابن الصلاح: وإن كان هذا نزل في الصلوات فهو عامٌّ؛ فالعام لا يختص بالسبب [18]، وهو كذلك لكل أحد، ويتجلى لنا ذلك بما رواه ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً أصاب من امرأة قُبلة فأتى النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره؛ فأنزل الله عز وجل: ? وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ? [هود: 114]، فقال الرجل[19]: يا رسول الله، ألي هذا؟ قال: ((لجميع أمتي كلِّهم))[20]، وفي رواية[21]: ((لمن عمل بها من أمتي))، ولمسلم[22]: ((بل للناس كافة))[23]، وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((وأتبع السيئةَ الحسنة تمحها))[24].
وهذا الحديث[25] هو في الحقيقة وصيَّة عظيمة جامعة لجملة من الحقوق، وهو لا ينافي الآيةَ السابقة وأخواتها[26]، بل يدل على المعنى ويؤكِّده؛ فإنه لما كان العبدُ قد يقع - ولا بد - في التفريط إما بترك بعض المأمورات أو بارتكاب بعض المحظورات، أمره بأن يفعل ما يمحو به هذه السيئة؛ وهو أن يتبعها بالحسنة، وأخبر أن العبد متى أتبع السيئة إذا صدرَت منه بفعل الحسنات؛ فإن ذلك يمحو السيئةَ ويطردها، لا كما يقول بعضُ المعتزلة: من أن المراد أن الحسنات تكون سببًا في ترك السيئات؛ كقوله تعالى: ? إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ? [العنكبوت: 45]، لا أنها تكفر شيئًا حقيقة.
تنبيه:
مع مراعاة أمرٍ مهمٍّ نبَّه عليه جماعةٌ من المحققين[27]؛ وهو أن الأولى في هذه الحسنة التي تتبع السيئة لتكفيرها أن تكون من جنس تلك السيئة أو مثيلاتها؛ قالوا: لأنه أبلغ في المحو، والله أعلم، وفي هذا تفاصيل وتفريعات بين أهل العلم ليس هذا مقامها.
وروى الترمذي[28] وغيره[29]، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((اتَّق اللهَ حيثما كنتَ، وأَتْبع السيئةَ الحسنةَ تمحها، وخالق الناسَ بخُلُق حسن)).
قال شيخ الإسلام: فإن الطبيبَ متى تناول المريضُ شيئًا مضرًّا أمرَه بما يصلحُه، والذنب للعبد كأنه أمر حتم، فالكيس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات، وإنما قدم في لفظ الحديث: ((السيئة)) وإن كانت مفعولة؛ لأن المقصود هنا محوها لا فعل الحسنة، فصار كقوله صلى الله عليه وسلم في بول الأعرابي: ((صبوا عليه ذنوبا من ماء))[30].
فالحسنات إذًا كما يقول بعضُ أهل العلم[31]: لا شك أنها أحد الأسباب التي تزيل السيئات وأثرَها، ولو كثرت السيئات؛ وذلك لأن الحسنات يضاعفها اللهُ أضعافًا كثيرة، وأما السيئات فلا تضاعَف، وإن كانت قد تعظم بسبب من الأسباب، ولذلك قال الواسطي: أنوار الطاعات تُذهب بظلم المعاصي[32].
وصية: ((إذا أسأت فأحسن)):
ولذلك كانت هذه إحدى وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه أراد السفرَ فقال: يا رسول الله، أوصني، قال: ((اعبد اللهَ ولا تشرك به شيئًا، قال: يا نبي الله زدني، قال: إذا أسأت فأحسن، قال: يا نبيَّ الله زدني، قال: استقم ولتحسن خلقك))[33].
ولذك يروى عن عون أنه قال: ما أقبح السيئات بعد السيئات، وما أحسن الحسنات بعد السيئات، وأحسن من ذلك الحسنات بعد الحسنات![34].
فإذا كان اللهُ عز وجل يجزي بالسيئة مثلَها، ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب، وبالمقابل يجزي بالحسنة عشر أمثالها ويضاعفها إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، فالعجب بعد هذا كله ممن يقلب القوسَ ركوة، ويحيد عن البُرْجاس غلوة، ويخبط ويخلط، وهذا هو والله المحروم؛ ذلك أن المحروم من حرم هذا، وكيف لا، وقد كثرت سيئاتُه - مع أنها لا تتضاعف - حتى غلبَت حسناته - مع أنها متضاعفة؟! ولذلك لا يهلك على الله - بعد هذا - إلا الهالِك المحروم؛ وعلى نفسها - كما يقال - براقش تجني، وكيف لا، وهذا الفضل العظيم من الله عز وجل والرحمة الواسعة منه، بمضاعفة الحسنات، والتجاوز عن السيئات، يدلُّنا: على أنَّ من أصرَّ على السيئة، وتجرَّأ على السيئات، وأعرض عن الحسنة، ورغب عن الحسنات، ولم تنفع فيه النُّذر ولا الآيات، وألقى بيده إلى التهلكة، هو غير معذور وهالك، ولا يهلك على الله عز وجل إلا من هلك - كما قلنا - ولهذا ولذلك كله قلنا: الويل لمن غلبت آحادُه عشراتِه، والمراد بآحاده؛ أي: سيئاته؛ لأن السيئة واحدة لا تضاعف، والمراد بعشراته؛ أي: حسناته؛ لأن الحسنة تتضاعف.
وفي الختام: إن في هذه الجمل وإن كانت قليلة ما يغني - إن شاء الله عز وجل - عن الإسهاب والتطويل في المقال وتكثير ذيوله، وتوسيع دائرة فروعِه وأصوله، والهداية من الله عز وجل فنسأل اللهَ عز وجل الهداية، والسلامة من الغَواية، وأن لا يجعلنا ممن غلبت آحادُه عشراته، والحمد لله أولاً وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وأصلي وأسلم على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] تفسير القرطبي (5 /194).
[2] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: 179) للسعدي.
[3] ووجه كون الثواب خيرًا من الحسنة؛ أن الثواب مضاعف، فهو خير من نفس العمل، كما قال بعض أهل العلم، والله أعلم.
[4] مفاتيح الغيب (14 /190).
[5] مفاتيح الغيب (3 /581).
[6] مفاتيح الغيب (3 /581).
[7] مفاتيح الغيب (3 /581).
[8] مفاتيح الغيب (14 /189).
[9] قال السندي في حاشيته على النسائي: وهذا الحديث يدل على أن حسنات الكافر موقوفة، إن أسلم تُقبل، وإلا تردُّ.
[11] أخرجه أحمد (5 /108)، والحاكم (4 /241)، وقال: صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي، قال الألباني: قلت: عاصم هو ابن بهدلة، وهو حسن الحديث، وبقية الرجال ثقات رجال الشيخين، فالإسناد حسن ، السلسلة الصحيحة (1 /201) رقم: (128).
[12] أخرجه مسلم رقم: (1151).
[13] أخرجه مسلم رقم: (131).
[14] نسبه ابن رجب لابن مسعود رضي الله عنه، ولم أجده بعد، والله أعلم.
[15] فتح القدير (2 /768).
[16] في ظلال القرآن (4 /272).
[17] رواه أحمد والنسائي والطبراني، وقال الألباني: حسن لغيره . صحيح الترغيب والترهيب (1 /87).
[19] ظاهر هذا أن صاحب القصة هو السائل عن ذلك، قاله الحافظ في الفتح (8 /355)، وفي مسند أحمد (1 /449): (( فقال معاذ بن جبل: أله وحده أم للناس كافة يا نبي الله؟! فقال: بل للناس كافة))، ويحمل على تعدد السائلين عن ذلك.
[20] أخرجه البخاري رقم: (503).
[21] البخاري رقم: (4410)، ومسلم: (2763).
[22] رقم: (2763).
[23] وهذا من الأدلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2 /360).
[24] أخرجه الترمذي رقم: (1987)، وأحمد (5 /158)، من حديث أبي ذر، ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وهو حديث حسن.
[25] انظر لبيانه جامع العلوم والحكم.
[26] كقوله عز وجل: ? وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ? [الرعد: 22]، كما في أحد أوجه تفسيرها، فقد فسَّر هذا الدرء بأنهم يدفعون بالذنب الحسنة بعده، والله أعلم، انظر: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين (ص: 31).
[27] انظر: مجموع الفتاوى (10 /655).
[28] رقم: (1987).
[29] أحمد (5 /158)، وحسنه الأرناؤوط، والألباني في صحيح الترغيب (3/8).
[30] مجموع الفتاوى (10 /655).
[31] انظر هذا السبب وغيره في مقال لي بعنوان: كيف تسقط عقوبة جهنم عن فاعل السيئات؟!
[32] روح المعاني (12 /169) للألوسي.
[33] أخرجه ابن حبان رقم: (1922)، والحاكم (4 /244)، وقال: صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي، وقال الألباني: الحديث حسن إن شاء الله تعالى، السلسلة الصحيحة (3 /230) رقم: (1228).
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.