تعرف على مدينة مراكش

الكاتب: وسام ونوس -
تعرف على مدينة مراكش

 

 

تعرف على مدينة مراكش

 

نور قطار آتٍ من بعيد في ليلة ظلماء، متأخرًا عن موعده قليلًا، بعض المسافرين على الرصيف بدأ في إعداد نفسه وحقائبه، ما دعاني للانتباه جيدًا، حيث كنت مستسلمًا للنوم تمامًا، سألت إن كان القطار المقبل، هو نفسه المتجه إلى مراكش، فأجابوني بنعم، حملت حقيبتي منتظرًا إياه، حتى إذا توقف ألقيت نفسي بداخله، بينما جسدي يرتعش من شدة البرد.

عربات القطار عبارة عن غرف، بكل واحدة منها 4 مقاعد متقابلة، سألت رجل كبير في السن مرة أخرى في الغرفة، إن كان القطار متجهًا إلى مراكش، فرد بالإيجاب، وإذ بي ألقي جسدي على الكراسي الأربعة كي أنام واضعًا حقيبتي تحت رأسي، وإذ بالرجل العجوز يلقي على جسدي المرتعش من البرد بطانية، إلا أنني لم أقوى على الإعراب له عن شكري إلا بعد وصولي إلا مراكش، من فرط البرد والإرهاق.

 

رحلتي الى مراكش من سلا

هنا مراكش. جملة لا تحتاج لمنادٍ يعلن عنها، جملة يعلن عنها في صمت اللون الأحمر الداكن، الذي أصبح هو السائد في المكان، وخاصة في أول مكان تراه بعد وصولك إليها بالقطار، حيث محطة مراكش، وهي تحفة معمارية بلون المدينة المميز، ومصممة وكأنها بوابة ضخمة لها على غرار المدن القديمة.

أرصفتها نظيفة ومحطة كذلك، تضم عدد من الماكينات الإلكترونية التي تستطيع الحجز لنفسك بها، أو تستطيع الحجز عن طريق موظف، لكن في كل الأحوال، لا أحد يستطيع الوصول إلى رصيف القطار، إلى من كان يحمل تذكرة، عن طريق طابور متعرج، ينتهي بأحد العاملين بالسكك الحديدية، الذي يطلع على التذكرة قبل السماح لك بالمرور.

مراكش.. مدينة المغرب الحمراء

لم أكن بحاجة لشيء وقت وصولي لمراكش أكثر من فنجان من القهوة، وبالمناسبة فإن المغاربة بارعون في صنع القهوة، وتعد “الاسبريسو” هي الأكثر طلبًا على المقاهي الشعبية، إلى جانب القهوة الـ”نص نص”، وهي قهوة لاتيه، (اسبريسو مع الحليب). على كل حال، جلست على أحد المقاهي في شارع محمد السادس، منتظرًا فنجان من القهوة الاسبريسو، ليعينني على بدء جولتي في المدينة الحمراء.. مراكش.

بعد فنجان دوبل من القهوة الاسبريسو، على أحد المقاهي في شارع محمد السادس، بدأت رحلتي في مراكش ، مدينة النخيل، المنتشر في كل مكان فيها. اللون الأحمر، هو السائد في كل شيء بالمدينة، خاصة جدران بيوتها ومسارحها ومحطة قطارها وغيرهم.

والحقيقة أن لكل مدينة تقريبًا في المغرب لون خاص بمبانيها، ففيما تتميز مراكش باللون الأحمر، تتميز كازا بلانكا بالأبيض، فيما يميز شفشاون لونها الأزرق السماوي، وهي بالمناسبة سادس أجمل مدينة على مستوى العالم في 2016.

تشتهر مراكش أيضًا بحدائقها الجميلة والمتنوعة والمقامة على مساحات شاسعة، مثل حدائق البيلك والمنارة وأكدار وماجوريل ومولاي عبد السلام، حتى يُخيل لك وأنت تتجول داخل هذه الحدائق أن اللون الأخضر هو الذي يسيطر على مراكش وليس الأحمر.

 

السياحة في مراكش

بعد جولة بسيطة في المدينة، توجهت إلى حدائق المنارة، وهي حديقة كبيرة من أشجار الزيتون، ومكان يستوعب العديد من السائحين والرحالة وكذلك المواطنين المغاربة، الذين يذهبون إلى المكان للاستمتاع باللون الأخضر وبالهدوء بعيدًا عن صخب المدينة، فتجدهم يفترشون الأرض أسرًا أو أصدقاء، ومنهم من يأتي بطعامه معه استعدادًا ليوم نزهة خلوية، وبالقرب منهم أكشاك تبيع هدايا تذكارية وكذلك المياه المعدنية والغازية وغيرها.

سيلفت نظرك في بداية حدائق المنارة، مشهد سينقلك في لحظة من مراكش المغربية إلى قلب الجيزة، حيث الأهرامات، أشخاص يقفون بجمال وأحصنة، وسيسألونك إن كنت تريد استئجارها للتننزه بها أو لالتقاط صورة، إلا أنني في الحقيقة لم أفضل التجربة.

درجات قليلة تصعدها من طريق ممهد بين أشجار الزيتون، كفيلة بنقلك إلى حوض مياه كبير طوله 200 متر وعرضه 160 وعمقه متران، يطلق عليه أهل مراكش اسم “الصهريج”، ويستقبلك بلافتة تفيد بأن السباحة ممنوعة به.

صهريج مراكش

أقيم هذا الصهريج في القرن الثاني عشر، عام 1157 في دولة الموحدين، كي يتدرب الجنود فيه على السباحة وفنون  القتال البحري، أما اليوم فقد تحولت الثكنة العسكرية إلى منتزه يرتاده المغاربة والأجانب على حد سواء، للاستمتاع بأشجار الزيتون أو بالصهريج أو حتى بالجناح الملكي، الذي أقيم في عهد الدولة العلوية، وهو مبنى من طابقين، سقفه مبني من القرميد بشكل هرمي، يصعد الزائرون إلى شرفة طابقه العلوي، ليستمتعون بمنظر أشجار الزيتون المحيطة بالصهريج.

أما مياه الصهريج فتأتي مباشرة من جبال الأطلس، التي تراها خلف الجناح الملكي، ويتم التخلص منها بشكل دائم واستخدامها في ري أشجار الزيتون.

حديقة ماجوريل في مراكش

إذا ذهبت إلى مراكش لا تضيع فرصة الذهاب إلى حديقة ماجوريل في جليز. في رحلتي الى مراكش لم أضيع هذه الفرصة، وقفت في طابور طويل لشراء تذكرة دخول، والحديقة تتميز بأزهار ونباتات جلبها مؤسسها من قارات العالم الخمس، وتتميز أكثر بأنواع مختلفة من الصبار، وبمبانيها الزرقاء وسط المدينة الحمراء،  والتي تحتضن معارض فنون، ويحتضن أحدها متحفًا أمازيغيًا، إلا أن التصوير ممنوع به.

في الحديقة تجولت، كنت منشغلًا بمتابعة الطيور المختلفة التي تحلق فوقها وعلى أشجارها، لكوني محب للطيور، كذلك تابعت النباتات والأزهار والأشجار المجلوبة من كل مكان في العالم، إلا أن ما لفت نظري بحق أن الغالبية العظمى من زوار الحديقة من الأجانب.

ماغوريل و رحلتي الى مراكش

وللحديقة قصة، ففي العام 1923، أقامها الفنان الفرنسي الذي عاش في المغرب جاك ماجوريل، حيث جلب نباتات وأزهار من قارات العالم الخمس، وبدأ في زراعتها في هذا المكان، وعمل طرق صغيرة وسطها، إلى جانب أحواض من المياه تضم أسماك ملونة، وكذلك مبان زرقاء، وعاش الرجل على رعاية الحديقة، حتى مات في حادث سير، حتى تحولت في الثمانينات إلى حديقة مفتوحة للجمهور، وأصبحت قبلة رئيسية للمسافرين إلى مراكش، حيث يقصدها سنويًا 600 ألف زائر.

 

المدينة القديمة في مراكش

مهما كنت متعبًا كحالتي الآن، لا تفوت فرصة زيارة المدينة القديمة في مراكش، والمدن القدينة في نظري هي المدن الحقيقية، وفي تقديري أيضًا أنه من الصعب جدًا القول بزيارة مراكش دون زيارة مدينتها العتيقة، ومن الصعب أيضًا القول بزيارة كازا بلانكا دون زيارة مدينتها القديمة، كذلك الحال تمامًا مع القاهرة، التي لا يمكن ادعاء زيارتها دون زيارة القاهرة الفاطمية وشارع المعز وخان الخليلي وغيرها من أماكن.

ومراكش مثل القاهرة القديمة، محاطة بسور ضخم أحمر اللون ككل مبانيها له أبواب، أشهرها باب دكالة، وهو الباب الذي دخلت منه، لأنتقل إلى عالم مختلف تمامًا، حيث المبان قديمة جدًا، وكذلك الشوارع، مختلفة تمامًا عن الشوارع في بقية المدينة، صحيح أنها نظيفة لكنها من الحجر الأسود لا الأسفلت، أسواق متعددة تجولت فيها، منذ دخلت المدينة العتيقة، تمامًا مثل الأسواق الشعبية في مصر، عطارين وجزارين وبقالين وغيرهم.

احتمالية أن تضل طريقك في المدينة القديمة قائمة بنسبة 200%، فالحواري الضيقة المتعرجة وكأنها شبكة مترابطة، لا تستطيع أن تميز بين هذه وتلك، حتى وإن استطعت التمييز، ستفقد الحارة الأولى بعد دخولك في الخامسة.

على كل حال، هي حارات تشبه الحارات المصرية القديمة، وبعضها أقرب بخان الخليلي والموسكي والحارات الموجودة في حي الأزهر التي تشتهر بالعطارة والتوابل، وغيرها، ما جعل رحلتي الى مراكش اكثر متعة.

الحمام المغربي في رحلتي الى مراكش

في مدينة مراكش القديمة أيضًا العديد من الحمامات القديمة، مثل الحمامات المصرية، وهي حمامات شعبية، يعتاد المغاربة الذهاب إليها، كذلك تمتلئ محلات العطارة بالأدوات المستخدمة في هذه الحمامات، مثل الصابون الشعبي، بروائحه وألوانه المختلفة، وهو ليس صابون كما نعرفه وإنما ستجده في شكل كميات لزجة، ويباع بالكيلو. كذلك الطمي المغربي، والذي يضيف له المغاربة ماء الزهر قبل استخدامه على البشرة أو الشعر.

أمام إحدى المنازل القديمة، افترشت إحدى السيدات الأرض وأمامها ثمرة الأركان وهي ثمرة شجرة تنمو في جنوب المغرب، ويعتز بها المغاربة، ويفضلون استخدام زيتها المنقسم إلى نوعين، نوع للطعام، ونوع آخر للتجميل سواء للبشرة أو الشعر.. وفي الحقيقة لم أفوت فرصة رحلتي الى مراكش دون ملئ حقيبة كاملة من هذه الأشياء.

قصر البديع

جولة طويلة في المدينة القديمة خلال رحلتي الى مراكش كانت محطتها النهائية قصر البديع ، ذو الأسوار التي يبلع عرضها قرابة المترين. والقصر بناه السلطان أحمد السعدي عام 1578 في فترة حكم السعديين للمغرب، واستغرق بنائه 16 عامًا.

في اللحظة الأولى التي ستسمع فيها عن القصر، سيخيل لك أنك أمام مبنى متكامل الأركان، إلا أنك ستكتشف فور دخولك إليه أنك أمام مبنى كان في يوم ما أعظم مما هو عليه بكثير، حيث اتخذ أحد السلاطين العلويين قرارًا بهدمه عام 1696، بل واستولى على كثير من زخارافه لتزيين قصره في مكناس .

بوابة ضخمة، يتوجب عليك شراء تذكرة قبل دخولها، وفور دخولك تستقبلك بركة ماء كبيرة، تعبر من وسطها فوق ممر لدخول باقي مباني القصر، الشهير بأشجار الليمون، أجزاء كبيرة من القصر مهدمة، إلا أن أجزاء أخرى مازالت باقية شاهدة على حضارة المغرب

إلى جانب البركة، تطير أسراب من الحمام، ولأنني أعشق الحمام فقد قضيت وقتًا معه مستمتعًا، لم يكن معي أي طعام معه، لكنني لاحظت أنه ودود جدًا.

فقط وجدت على الأرض قطعة خبز صلبة، كسرتها بيدي إلى قطع صغيرة، ثم نثرتها له على الأرض، فاجتمع كله حولها ليأكل منها، ثم وضعت بعضًا منها في يدي، واستعنت بالصبر والثبات دون أي حركة، حتى أتى لك الحمام الجائع ليأخذ حصته مما جادت به نفسك، أو لنقل مما وجدته على الأرض.

 

سجن قصر البديع

أكثر ما لفت نظري خلال رحلتي الى مراكش وزيارتي لقصر البديع هو طيور اللقلق، فقط لأني أحب الطيور، وهو طائر مهاجر كبير الحجم وأرجله طويلة، وأعشاشه المقامة على أسوار قصر البديع ، التي يبلغ عرضها مترين، كبيرة جدًا تليق بحجمه. كم وددت اصطياده، أو على الأقل متابعة صغاره، لكن الرحلة لا تكفي لهذه المهمة.

ما لفت نظري أيضًا في قصر البديع ، هو هذا الدرج الصغير الذي يهبط بك إلى أسفل الأرض، لتجد ممرات ضيقة، استعانوا الآن بمصابيح لإضائتها، لكنها في الماضي لم تكن تعرف أي إضاءة.

على جانبي هذه الطرقات، غرف صغيرة، هي في حقيقة الأمر زنازين، وفي الحوائط حلقات حديدية، كانت تستخدم في التعذيب في مراكش الحمراء

كل هذا تحت أرض كانت تضم يومًا ما أجمل المباني المزخرفة بالذهب، وبرك الماء وحدائق الليمون والأزهار.

المحطة الاخيرة في رحلتي الى مراكش

لك أن تتجول داخلها وتتخيل، كم من بشر قضوا في هذا المكان لسبب أو لآخر، كم من بشر دفعوا ثمن قد لا تعرفه، لكن المؤكد أن من يعاقب مثل هذا العقاب في هذا العصر، كانت تهمته أنه ضد الحاكم في مراكش الحمراء ، هذا في تقديري، ولا أدعي أنه الحقيقة.

لكن الحقيقة أنه مرت في ذهني العديد من المشاهد لهؤلاء أثناء رحلتي الى مراكش وتجولي في هذا السجن- القبر، كنت أتخيل في كل لحظة ماذا كان حالهم وكيف كانوا يعيشون، وكيف كانت تتم معاملتهم.

على كل حال ذهب الجميع، وبقى السجن الآن معلمًا أثريًا شاهدًا على حقبة تاريخية، شاهد على الجلاد والمسجون، الذي نزعوا إنسانيته قبل أن ينزعوا حريته.

شارك المقالة:
442 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook