أشار أهل العلم إلى الصِلة الوثيقة بين القرآن الكريم وأحكام التجويد؛ حيث إنّ الله -تعالى- أنزل القرآن الكريم بالتجويد، وكان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقرأ القرآن الكريم، ويعرضه على الصحابة -رضي الله عنهم- بأحكام التجويد، وكذلك كان القرّاء في كلّ عصرٍ؛ يقرأ المعلّم على المتعلّم بالتجويد؛ اقتداءً بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وبقيت أحكام التجويد تُتلقّى مع القرآن الكريم من أفواه الشيوخ، ولذلك ينبغي إتقان أحكام التجويد من خلال القراءة على شيخٍ ضابطٍ، بالإضافة إلى حفظ الحروف؛ لأنّ الخلل في التجويد يُعدّ خللاً في القراءة، وإن كان حفظ الحروف مُتقناً.
يجدر بالذكر أنّ القراءة المجوّدة من خلال مراعاة الحدّ الأدنى من أحكام التجويد؛ كالإدغام، والمدود، وإتقان مخارج الحروف أثناء الحفظ تزيد من إتقان الحفظ وتثبته، لا سيما أنّ القراءة السريعة التي تُشبه قراءة الكتب تصعّب الحفظ، وتسرّع من نسيان المحفوظ، ومن الأمور التي تساعد على تثبيت الحفظ؛ القراءة على شيخٍ متقنٍ؛ لأنّ تصحيح الأخطاء مُقدّمٌ على حفظ القرآن، وحريّ بالمتعلّم أن يُدرك أنّه مُعرّض للخطأ، وواجبه حين وقوع الخطأ؛ تعلّم الوجه الصحيح للقراءة، وإتقان ما يُعلّمه إيّاه شيخه أو معلّمه، وفي الواقع فإنّ المُعلّمين ينهجون طريقة من اثنتين؛ إمّا أن يقرأ الطالب القرآن الكريم كاملاً؛ فيُصحح شيخه تلاوته، ولا يسمح له بالحفظ في السنة التي قرأ فيها، وفي السنة الثانية؛ يُسمح له بالحفظ، أمّا الطريقة الثانية؛ بأن يُصحح الشيخ لطالبه الآيات التي يُريد أن يحفظها، ومن الجدير بالذكر أنّ تصحيح التلاوة قبل الحفظ يجعل الحفظ أسهل بكثيرٍ، فخلال التصحيح تُعاد قراءة الآيات، ولذلك فإنّ أغلب المتعلّمين يحفظون ما يُقارب ثلاثين بالمئة من الآيات أثناء تصحيحها فقط، فيتبقّى عليهم سبعين بالمئة فقط، إلى أن يُتمّوا الحفظ على الوجه الكامل.
ومن النصائح الأخرى التي تساعد على تعلم حفظ القرآن الكريم بالتجويد؛ الارتباط العلميّ، والتربويّ، والعقليّ بالشيخ الذي يُعلّم القرآن الكريم وأحكام تجويده، واعتماد شيخٍ واحدٍ لهذه المهمّة، وذلك حتى لا يتشتّت المتعلّم بين طريقةٍ وأخرى، وكذلك بين شيخٍ وآخرٍ، ويجب اعتماد طريقةٍ معيّنةٍ في حفظ القرآن الكريم بالتجويد من الشيخ، بحيث لا يتشتت ذهن المتعلّم بأكثر من طريقةٍ، حتى وإن كانت هذه الطرق من الشيخ نفسه، مع ضرورة الاقتصار على الحفظ والقراءة بطبعةٍ واحدةٍ من المصحف، ومن أهمّ الأمور التي تساعد على الحفظ بالتجويد، وإتقان الحفظ؛ إخلاص النيّة لله -تعالى-، والحرص على اختيار المكان والوقت المناسبَين للحفظ، والتقرّب إلى الله -تعالى-، واللجوء إليه بطلب العون على الدوام، فالحفظ توفيقٌ وتيسيرٌ من الله -تعالى-، ويُنصح بربط آيات القرآن الكريم بالمعاني وتفسيرها، وتركيز النظر على الآيات أثناء الحفظ، مع أهميّة تكرار الحفظ، وترك المعاصي والذنوب والمحرّمات، والتزام الطاعات والعبادات، كما يُنصح بتخصيص وِرْدٍ يوميٍّ للحفظ؛ حتى يشعر المتعلم بضرورة وأهميّة الانتظام في حفظ القرآن الكريم، وبالتالي يواظب عليه دون انقطاعٍ.
الخيار الأمثل في تعلّم القرآن الكريم وحفظه بالتجويد؛ هو الاستعانة بشيخٍ لتعليم ذلك، إلّا أنّه في حال عدم توفّر شيخٍ، أو عدم القدرة على التعلّم على يد شيخٍ على الإطلاق، فإنّه من الممكن تعلّم القرآن الكريم وحفظه دون شيخٍ، وذلك باستخدام المصحف المُعلّم، والاستماع لدروس التجويد، واستخدام التطبيقات الخاصة بعلوم التجويد، سواءً كانت مسموعةً أم مقروءةً، ويُمكن كذلك اللجوء إلى ما يُعرف بالمقارئ الإلكترونية، أو الاستفادة من وسائل التواصل الحديثة بطريقةٍ صحيحةٍ؛ للوصول إلى متقني تجويد القرآن، وطلب المساعدة والعون منهم كما يحبّ الله ويرضى،[٦] ويُمكن كذلك القراءة والتعلّم من الكتب النظريّة، بما فيها الكتب الخاصة بأحكام التلاوة والتجويد، ومنها الكتب الحديثة ومنها القديمة، ومنها ما هو متوفّرٌ على شكل نسخةٍ إلكترونيةٍ على مواقع الإنترنت، ولكن يجدر التنويه إلى أننّ هذه الطرق يُلجأ إليها في حال عدم القدرة على تعلّم القرآن الكريم من شيخٍ مُتقنٍ.
ورد في فَضْل حفظ القرآن الكريم بإتقانٍ وتجويدٍ عددٌ من الأدلّة الشرعيّة، ومنها: قَوْل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ)، فقد بيّن الحديث السابق فَضْل المُتقن لقراءة القرآن الكريم بأنّه مع السَّفرة، والسَّفرة هم: الملائكة الذين يُحصون أعمال العباد ويُسجّلونها، فهم كالرُّسل بين الله -تعالى- وخلقه، وقيل كذلك إنّ الملائكة هم السَّفرة؛ لأنّهم يسفرون برسالات الله -تعالى- إلى خلقه، وإنّ اعتبار المُتقن لتلاوة القرآن الكريم مع الملائكة دليلٌ على عِظَم المكانة عند الله -تعالى-، والمُتقن للقرآن كذلك مع الكِرام؛ أيّ المطهّرين من المعاصي والآثام، والبَرَرَة هم: المطيعون، أمّا الشقّ الثاني من الحديث؛ فقد بيّن أجر من يتتعتع بالقرآن، والقصد الذي تثقل عليه قراءة القرآن، أو يستصعب نطقه، فمثل هؤلاء الناس لهم أجرَان، أجر قراءة القرآن، وأجر التعتعة كذلك، ومن الأحاديث التي وردت في أجر قارئ القرآن المُتقن لتلاوت؛ قَوْل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-، حيث قال: (ما أذِنَ اللَّهُ لِشيءٍ ما أذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بالقُرْآنِ يَجْهَرُ بهِ)، فقد بيّن الحديث النبوي الشريف أنّه كما لكلّ شيء حِليةً؛ فإنّ حِلية قراءة القرآن الكريم ترتيله وإحسان الصوت عند تلاوته، ويُفهم من ذلك أنّه يفضل تحسين الصوت عند تلاوة القرآن الكريم، فإذا كان القارئ صاحب صوتٍ حَسنٍ كان به، وإن لم يكن فليبذل ما استطاع لتحسين صوته، وترتيل القرآن ترتيلاً، أمّا بالنسبة للجهر بالقرآن الكريم الذي ورد في الحديث النبوي الشريف؛ فمن المقاصد الطيبة لذلك: الجهر بقراءة القرآن صرف الكسل والنوم، أو تثبيت الحفظ، شريطة ألا يكون في ذلك تشويشٌ على الآخرين.
وإضافةً إلى ما سبق، فإنّ لتعلم علم التجويد فضلٌ عظيمٌ، يُمكن تلخيص أهمّ ما يندرج في فَضْل تعلّم هذا العلم فيما يأتي:
موسوعة موضوع