تعلم كيفية قياس قدرة فكرة مشروع على النجاح
تقرأ قصص الناجحين والعصاميين، فتقرر أن تنتقل من القراءة للتنفيذ بنفسك – تبحث عن فكرة مشروع ما، تقتنع بها وتشرع في تنفيذها، ولأن التجارة مكسب وخسارة، فقد لا ينجح مشروعك، ولأن النفس تميل للرثاء، فلربما شرعت تشك في كل ما قرأت، وتكون خسارتك الكبرى ساعتها هي ثقتك بنفسك. لمحاولة علاج ذلك، دعني أعرض عليك طريقة تفكير الكاتب نورم بروديسكي والتي عرضها في كتابه The Knack والذي تحدثت عنه سابقا في أكثر من موضع.
كيفية قياس قدرة فكرة مشروع على النجاح
كين شاب عصامي أمريكي، اتصل بالكاتب طالبا منه المشورة، فهو كان مدينا لمطبعة بمبلغ 25 ألف دولار أمريكي، سدادا لكتب طبعها وظن قدرته على بيعها كلها. كان الكتاب المطبوع عبارة عن دليل تجاري لكل أصحاب المطاعم في مدينة نيويورك الأمريكية، وكان يشرح كيف يمكن استخراج تصاريح لافتتاح مطعم هناك وأفضل مصادر شراء مستلزمات المطبخ ولوازم المطاعم وغير ذلك. فكرة التربح التي اعتمد عليها كين كانت بنسبة صغيرة من بيع الإعلانات داخل هذا الدليل، وبنسبة كبيرة من بيع الدليل ذاته.
كانت المشكلة الأولى أن كين لم يبع سوى 1500 من إجمالي عدد الكتب التي طبعها وهي 10 آلاف كتاب، وأما المشكلة الثانية فهي أنه بمرور الوقت تقادم هذا الدليل وقلت جدوى شرائه. بلا مال وتطارده الديون ويطارده مخزون من 8500 كتاب عليه تصريفها سريعا، كان على كين أيضا البدء في جمع المعلومات لإصدارة السنة التالية من الدليل إذا كان يريد البقاء في هذا المجال. لكن وحتى إن فعل، فمن أين سيأتي بالمال اللازم للطباعة؟ هذا في حال لم تقاضيه المطبعة لعدم سداده ديون الطبعة الأولى!
يرى مؤلف الكتاب أن ما وقع فيه كين سببه التفاؤل المفرط في نجاح مشروع ما، لكن التفاؤل وحده ليس كافيا للنجاح، يحتاج لأن تدعمه بالأرقام والإحصائيات، والقراءة الصحيحة لقدراتك وقدرات السوق الذي تعمل فيه، وأن تنقيه من العواطف الجياشة. لم يسأل كين الأسئلة الصحيحة كذلك، فهو ظن قدرته على بيع 10 آلاف نسخة من كتابه، دون حساب الحساب.
دليل مطبوع مثل هذا سيكون صالحا للبيع في أول 4 شهور من السنة، أو 120 يوما لبيع كل الكمية. كذلك، يعمل 12 ألف مطعم في مدينة نيويورك، ولو افترضنا نجاح كين في تحقيق نسبة بيع قدرها 5% لهذه المطاعم، أي أنه سيبيع فقط 600 نسخة من كتابه لهذه المطاعم. الكمية الباقية سيكون عليه بيعها بنفسه لمشترين محتملين. لو افترضنا أن كين سيعمل 10 ساعات يوميا لبيع كتابه، فسيكون عليه أن يبيع 10 كتب في الساعة الواحدة، أو كتاب كل 6 دقائق، وهذه نسبة يصعب (أو الأدق يستحيل) تحقيقها في عالم الواقع. (طريقة الحساب كالتالي: 10 ساعات عمل يوميا تعادل 100 كتاب مباع في اليوم الواحد، مع 25 يوم عمل في الشهر تعني 2500 كتابا مباعا، في أربعة أشهر تصبح الكمية المباعة 10 آلاف كتاب).
سأل المؤلف بطلنا كين، هل استشرت خبيرا في هذا المجال قبل شروعك في تنفيذه؟ رد عليه، نعم، استشرت المحاسب الذي أعمل معه ولقد قدم لي خطة عمل لا غبار عليها. طبعا من الظلم إلقاء اللوم على المحاسب، فهو رجل يعمل مع الأرقام، ووظيفته أن تتساوى الكفتان لا أكثر. الطريف أن كين كان يعرف رجلا يعمل في المجال ذاته لكنه لم يفكر في استشارته، وحين فعل، عرف منه أنه يبيع 7 آلاف نسخة من دليل تجاري مماثل ينشره، وأن هذا الرقم توصل إليه بعد 10 سنوات من العمل في هذا المجال.
ختام القصة أن كين اتفق مع المطبعة على سداد دينه بالتقسيط، بعدما شرح لهم المأزق الذي وقع فيه، وقبلت المطبعة ذلك إعجابا من إدارتها بمصداقية كين، الذي بدأ يطلب المشورة من رجال يعملون في المجال ذاته، وأما المحاسب فأوكل له كين النشاط الذي يناسبه، الفواتير والضرائب.
حين تفكر في مشروع ما، وقبل أن تقفز قفزة الثقة، استشر أناسا يعملون في المجال ذاته، خاصة ممن تلمس فيهم الصدق وحب النصيحة الصادقة لوجه الله.