سجود السهو

الكاتب: مروى قويدر -
سجود السهو

سجود السهو.

 

 

تعريف سجود السهو:

 

يعرّف السّجود، والسّهو، في اللغة والاصطلاح الشرعيّ كما يأتي:

  • السهو لغةً: نسيان الشيء، أو الغفلة عنه، من غير قصدٍ، أو علمٍ.
  • السجود لغةً: هو التذلُّل، والخضوع، والانقياد، والخشوع.
  • السجود شرعاً: وضع الجبهة، أو البعض منها على الأرض، بكيفيّةٍ معلومةٍ، ومخصوصةٍ؛ تعبُّداً لله -تعالى-، وتقرُّباً منه.
  • سُجود السَّهو اصطلاحاً: سجدتان يؤدّيهما المُصلّي؛ إصلاحاً، وجبراً لِما طرأ على صلاته من نقصٍ، أو خللٍ؛ فرضاً كانت صلاته، أمّ نفلاً.

 

كيفيّة سجد السهو:

 

موضع سجود السهو

اختلف العلماء في مَحلّ سُجود السَّهو، وموضعه؛ إن كان آخر الصلاة، أم بعدها، وبيان خلافهم وأقوالهم الواردة في ذلك فيما يأتي:

  • الشافعيّة: ورد عن الإمام الشافعيّ -رحمه الله- أنّ سُجود السَّهو يكون قبل السلام من الصلاة، وبعد التشهُّد مهما اختلف سببه، وتلزم نيّةٌ له، لكلٍّ من الإمام والمنفرد على حدٍّ سواءٍ، أمّا المأموم فلا يحتاج إلى النيّة؛ اكتفاءً بنيّة إمامه، وتجدر الإشارة إلى أنّ محلّ النيّة هو القلب.
  • الحنفيّة: ورد عنهم أنّ سُجود السَّهو يكون بعد السلام مُطلقاً، واشترطوا النيّة له؛ إذ اعتبروه صلاةً لا بدّ فيها من تحقُّق النيّة، وقياساً على اشتراط النيّة في سجود التلاوة، وسجود الشُّكر.
  • المالكيّة: قالوا بأنّ سُجود السَّهو يكون قبل السلام إن كان سببه النقص، ويكون بعد السلام إن كان بسبب الزيادة، أمّا فيما يتعلّق بالنيّة، فلا حاجة لها إن كان سُجود السُّهو قبل السلام؛ إذ تكفي نيّة الصلاة باعتباره جزءاً منها، إمّا إن كان بعد الصلاة فلا بدّ من النيّة؛ لأنّه خرج عن الصلاة.
  • الحنابلة: قالوا بأنّ سُجود السَّهو يكون قبل السلام من الصلاة مُطلقاً، وفي جميع الحالات باستثناء حالَتين؛ الأولى: نقص ركعةٍ، أو أكثر من الصلاة؛ فإن نقصت عدد الركعات، فإنّ المُصلّي يأتي بالنقص، ثمّ يسجد للسَّهو بعد السلام، والثانية: الشكّ في شيءٍ من أعمال الصلاة؛ فالمُصلّي حينها يبني صلاته على غلبة ظنّه، ويُتمّ الصلاة بناءً عليها، ثمّ يسجد للسَّهو بعد السلام، واشترط الحنابلة التشهُّد بعد سجود السَّهو وقبل السلام منه إن كان بعد الصلاة.

 

أسباب سجود السهو

يجبُر سُجود السَّهو ويسدّ الخلل الذي غفل عنه المُصلّي في صلاته؛ سواءً كانت فرضاً، أم نفلاً، وسببه واحدٌ من ثلاثةٍ؛ فإمّا الزيادة، أو النقص، أو الشكّ، وبيان كلّ حالةٍ منها وتفصيلها فيما يأتي:

 

الشكّ في الصلاة

شكّ المُصلّي في صلاته يترتّب عليه إصلاح الخطأ، أو الخلل الذي شكّ فيه، واختلف العلماء في ذلك، وذهبوا إلى ثلاثة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:

  • القول الأوّل: قال كلٌّ من المالكيّة، والشافعيّة إنّ مَن شكّ في صلاته، فلم يعلم إن سجد مرّةً واحدةً، أمّ مرّتين، فإنّه يُتمّ صلاته بناءً على ما تيقّن لديه، ثمّ يؤدّي ما شكّ فيه، ويسجد للسّهو؛ استدلالاً بما رُوي عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إذا سَها أحدُكُم في صلاتِهِ فلم يَدْرِ واحدةً صلَّى أو اثنتَينِ؟ فليبنِ علَى واحِدةٍ فإن لم يَدرِ ثِنتينِ صلَّى أو ثلاثًا فليبنِ علَى ثنتينِ فإن لم يَدرِ ثلاثًا صلَّى أو أربعًا؟ فليَبنِ علَى ثَلاثٍ، وليَسجُدْ سَجدَتينِ قبلَ أن يسلِّمَ) ولِقوله -عليه السلام- أيضاً: (إذا شكَّ أحدُكم في صلاتِه فلْيُلْقِ الشكَّ، ولْيَبنِ على اليقينِ، فإذا استيقنَ التَّمامَ سجد سجدتَينِ، فإن كانت صلاتُه تامَّةً كانت الركعةُ نافلةً له والسجدتانِ، وإن كانت ناقصةً كانت الركعةُ تمامًا لصلاتِه والسجدتانِ تُرغِمانِ أنفَ الشيطانِ).
  • القول الثاني: قال الحنفيّة بأنّ المُصلّي إن شكّ في صلاته، فإنّه يبني صلاته ويتمّها بناءً على غلبة ظنّه، حتى وإن لم تتحقّق غلبة الظنّ، فيُتمّ صلاته بناءً على ما تيقّن في نفسه؛ استدلالاً بالأحاديث السابقة، وبما رُوي عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاتِهِ فليتحرَّ الصَّوابَ فليُتمَّ عليهِ ثمَّ ليسلِّم ثمَّ ليسجُدْ سَجدتَينِ
  • القول الثالث: فرّق الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- بالشكّ في الصلاة بين الإمام والمنفرد؛ فالمنفرد يبني صلاته ويتمّها بناءً على ما تيقّن لديه، أمّا الإمام فيُذكّره المُصلّون بالخطأ، ويُنبّهونه عليه.


وإن راود المُصلّي شعور بالشكّ بعد الفراغ من الصلاة، فلا أثر له؛ فاليقين لا يزول بالشكّ إلّا إن تيقّن في نفسه بالزيادة أو النقصان، أمّا إن شكّ في الزيادة حين أدائها، فإنّه يسجد للسَّهو.

 

الزيادة في الصلاة

الزيادة في الصلاة إمّا أن تكون زيادةً في الأفعال، أو في الأقوال، بيان وتفصيل ذلك فيما يأتي:

  • الزيادة في الأفعال: يترتّب على المُصلّي السجود للسهو إن زاد في أفعال الصلاة؛ لِما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، أنّه قال: (صَلَّيْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَإِمَّا زَادَ، أوْ نَقَصَ، قالَ إبْرَاهِيمُ: وايْمُ اللهِ ما جَاءَ ذَاكَ إلَّا مِن قِبَلِي، قالَ فَقُلْنَا: يا رَسولَ اللهِ، أحَدَثَ في الصَّلَاةِ شيءٌ؟ فَقالَ: لا قالَ فَقُلْنَا له الذي صَنَعَ، فَقالَ: إذَا زَادَ الرَّجُلُ، أوْ نَقَصَ، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قالَ: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ)، ومن زيادة الأفعال التي يُشرَع بسببها سجود السَّهو: زيادةٍ فعل من جنس أفعال الصلاة، مثل: القيام مَحلّ القعود، أو السجود مَحلّ الركوع، أو زيادة فعلٍ من أفعال الصلاة، أو ركعةٍ على العدد المطلوب من الركعات لكلّ فريضةٍ، أمّا إن عَلم بأنّه زاد ركعةً أثناء أدائها، فإنّه يجلس فوراً، ويتشهّد إن لم يكن قد تشهّد، ثمّ يسجد سجود السَّهو، ويُسلّم عن يمينه ويساره، أمّا في صلاة الجماعة، فعلى المأموم تنبيه الإمام إلى أيّة زيادةٍ يُؤدّيها؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي)، ويُنبّه الإمام بالتسبيح إن كان رجلاً، وبالتصفيق إن كانت الجماعة لمجموعة نساءٍ تؤمّهم واحدةٌ.
  • الزيادة في الأقوال: زيادة الأقوال في الصلاة؛ إمّا أن تكون بالإتيان بكلامٍ مشروعٍ في الصلاة بالأصل، إلّا أنّ المُصلّي إن أتى به في غير محلّه، كالقراءة في الركوع، أو السجود، أو التسبيح في موضع القراءة، وكان ذلك من غير قصدٍ، فإنّه يُستحبّ له سجود السَّهو، وتكون زيادة الأقوال أيضاً بالتسليم من الصلاة قبل إتمامها؛ فتبطل الصلاة إن كان عن قصدٍ وإرادةٍ، وإن تذكّر المُصلّي فوراً، فإنّه يُتمّ صلاته، ويسجد للسَّهو، وإن كان الكلام الصادر من المُصلّي من غير جنس الصلاة، فإنّ صلاته يُحكَم عليها بالبطلان بإجماع العلماء؛ إن كان الكلام عن قصدٍ وإرادةٍ، أمّا إن صدر الكلام نسياناً، أو جهلاً، ففي ذلك روايتَان؛ الأولى: بطلان الصلاة؛ لأنّ الكلام الصادر خارجٌ عن جنس الصلاة، والثانية: عدم البطلان؛ لِما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، عن معاوية بن الحكم السَلميّ أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (إنَّ هذِه الصَّلَاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شيءٌ مِن كَلَامِ النَّاسِ، إنَّما هو التَّسْبِيحُ والتَّكْبِيرُ وقِرَاءَةُ القُرْآنِ).

 

النقص في الصلاة

النقص في أفعال الصلاة أو أقوالها يتفرّع إلى ثلاثة أنواعٍ، بيان كلّ نوعٍ منها، وما يندرج فيه فيما يأتي:

  • النوع الأوّل: ترك رُكنٍ، ومن أركان الصلاة: السجود، والركوع؛ فتبطل الصلاة بترك أيّ ركنٍ بقصدٍ وإرادةٍ، أمّا الترك سهواً، فلا ينجبر إن كان مُتعلّقاً بتكبيرة الإحرام، أمّا في ما يتعلّق بترك غيرها من الأركان سهواً؛ فإن تذكّرها المُصلّي قبل الوصول إلى مَحلّها، فإنّه يرجع ويأتي بالناقص، ويُتمّ صلاته، وإن تذكّرها بعد الوصول إلى مَحلّها، فإنّه يجعل الركعة القائم بها عِوضاً عن الركعة التي وقع فيها النقص، بينما يأتي بالناقص، وبما بعده من الصلاة إن تذكّره بعد السلام من الصلاة.
  • النوع الثاني: ترك واجبٍ، ومن واجبات الصلاة: تكبيرات الانتقال بين أفعال الصلاة، والتسبيح في السجود والركوع؛ فتبطل الصلاة إن تُرك الواجب عمداً، أمّا سهواً، فعلى عدّة حالاتٍ؛ فإن تذكّره المُصلّي قبل أداء الركن الذي بعده، فإنّه يرجع في صلاته، ويأتي بما سها عنه، وبما بعده، ولا يرجع للإتيان به إن تذكّره بعد الإتيان بالركن الذي يليه، ويترتّب عليه سجود السهو، أمّا فيما يتعلّق بترك التشهُّد الأوّل؛ فإن تذكّره المُصلّي قبل أن يستقيم قائماً بعد الركعة الثانية؛ فيجلس، ويأتي بالتشهُّد، ويترتّب عليه سجود السهو، ولا يرجع للإتيان بالتشهُّد إن استقام، وأتى بالركن الذي بعده، وإن رجع لا بأس، ويترتّب عليه سجود السَّهو، كما أنّه لا يرجع إن شرعَ بالقراءة بعد القيام، وتبطل صلاته إن رجع لأداء التشهُّد، ويُحرَّم عليه الرجوع إن كان عالماً بحُرمة الرجوع، وقَصد الرجوع.
  • النوع الثالث: ترك أيّ فعلٍ مسنونٍ في الصلاة، فلا يترتّب على تركه سجود السَّهو؛ سواءً كان ترك الفعل المسنون قصداً، أم سهواً ونسياناً.

 

حكم سجود السهو:

 

اختلف العلماء في حكم سجود السَّهو، وذهبوا في بيان حُكمه إلى عدّة أقوالٍ، بيانها فيما يأتي:

  • القول الأوّل: قال الحنفيّة بوجوب سجود السهو، فإن تركه المُصلّي، فإنّ الإثم يترتّب عليه، إلّا أنّ صلاته لا تبطل؛ استدلالاً بحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنّ النبيّ قال: (إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاتِهِ فليتحرَّ الصَّوابَ فليُتمَّ عليهِ ثمَّ ليسلِّم ثمَّ ليسجُدْ سَجدتَينِ)، واستدلّوا أيضاً بحديث ثوبان مولى الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لكلِّ سهوٍ سجدتان بعدما يُسلِّمُ)، واحتجّوا أيضاً بعدم ترك الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة -رضي الله عنهم- لسجود السهو؛ فبذلك تكون المواظبة عليه بلا تركٍ تفيد الوجوب.
  • القول الثاني: قال المالكيّة بأنّ سجود السَّهو سُنّةٌ مؤكّدةٌ لكلٍّ من الإمام والمنفرد، ولكن إن سها المأموم، فإنّه لا يسجد للسَّهو إلّا حين فراغ الإمام من الصلاة والسلام، فبذلك يسجد المأموم لسَهْو نفسه.
  • القول الثالث: قال الشافعيّة بأنّ سجود السَّهو سُنّةٌ، ولا يسجد المأموم لسَهْو نفسه خلف إمامه أبداً؛ إذ يتحمّل الإمام عنه ذلك، ويجب سجود السَّهو في حالةٍ واحدةٍ فقط، وهي الاقتداء؛ إذ وجب على المأموم أن يتابع إمامه.
  • القول الرابع: فصّل الحنابلة في حكم سجود السَّهو، وذهبوا في ذلك إلى ثلاث حالاتٍ، بيانها فيما يأتي:
    • الحالة الأولى: يجب سجود السَّهو إن غَفل المُصلّي، وسها عن ركنٍ، أو شكّ فيه، أو سها عن واجبٍ، أو جَهل وأخطأ في القراءة، ممّا أدى إلى تغيير معنى الآية بغير علمٍ.
    • الحالة الثانية: يُسَنّ سجود السَّهو لمَن أضاف قولاً مشروعاً في غير موضعه؛ سهواً كان، أو عمداً.
    • الحالة الثالثة: يُباح سجود السَّهو لمَن ترك سُنّةً من سُنَن الصلاة
شارك المقالة:
274 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook