عطاءات المنع

الكاتب: المدير -
عطاءات المنع
"عطاءات المنع

 

وهل حين تُمنَعُ مِن شَيءٍ يكونُ عطاءً؟ عجبًا!

إنَّ العَطيَّة مُقدسةٌ لَدى النفوس، وحرمانُها منها مَبغَضةٌ مَكرَهةٌ.

الأُعطياتُ حاضرةٌ في الأديانِ وعاداتِ الناس.

فقد أفرَد الفقهاءُ أبوابًا مَوسومةً بـ(باب العطية)، وعقدوا الفصولَ في شروطها، وأحكامها.

هي مَفخَرَةٌ مِن مَفاخرِ العرب.

ولذةٌ تهواها الأنفسُ الكريمة.

العطاءُ له أهله.

وله مَن يستحقه.

 

لفتة:

من صور الاعترافات المشرقة، قولُ أهلِ البادية:

• (الإبل.. عطايا الله).

لكنَّك أيها القارئ الطيِّب، متيقنٌ تمامًا ضخامةَ الحظِّ الذي أحاطَ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال الله له: ? وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ? [الضحى: 5]، سيُعطيكَ عطاءً يَملؤكَ بالرِّضا.

مهلًا...

هل الآيةُ تُلمحُ أنَّ هناك عطاءات لا تملأُ النفسَ رضًا؟

أَم أنَّ هناك أنفسًا لا يُرضيها أي عطاء؟

المهم...

يا مَن يُريدُ الدنيا..

يا مَن يُريدُ الآخرة..

تذكَّر أن المعطي سبحانه قد قال:

• ? كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ? [الإسراء: 20].

فَبِرَبِّك، أَيُّ فَرَحٍ وثقةٍ ستنغمسُ فيها حين تراهُ يختمُ هذه الآيةَ بقوله: ? وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ? [الإسراء: 20].

نفيٌ قاطعٌ أن يكون عطاءُ ربك ممنوعًا.

(أكوامٌ من العطاءات، ليس لها بوابات).

العطاءُ والمنع، نقيضان لا يجتمعان.

مفهومان مختلفان.

معنيان متضادان.

إيَّاكَ أن تَمنع عنِّي شيئًا، ثم تُسمِّي هذا المنعَ عطاءً.

تعاريجُ مُخي لا يُوجدُ فيها قاموسٌ يُفسِّر ذلك.

خلايا دماغي لَن تقتنعَ مهما برَّرت.

سَتأبى نفسي هذا، ويَمُجُّه قلبي.

ليس هناك منعٌ اسمه عطاء.

المنعُ منع، والعطاءُ عطاء.

لِنقفز قفزة كبيرة فوق العطاءات المادية.

أظنُّ أنك تتَّفقُ معي أن الأخلاقَ أيضًا هي عطاءات.

فحُبكَ للعطاء، هو عطاءٌ أعطاكه الله.

والحياءُ مِن عورات النَّاس وتتبُّعِها، أُعطيةٌ أيما أُعطية.

 

أمَّا حين تَستَرسِلُ مُرَتلًا كلامَ ربك في سُورة (النبأ)، فإنَّك ستفهمُ حين تكون في أواخر آياتها، أَنَّ الحدائقَ والأعناب، والكواعبَ الأتراب، والكأسَ الدهاق - هي عَطيَّةٌ مِن عطايا الرَّبِّ سبحانه لأهل الجنَّة؛ لأنه قد قال بعدها بآية:

• ? جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ? [النبأ: 36].

فقد جازاهم أيما جزاء، وأعطاهم أيما عطاء.

لكنك ستقفُ واجمًا، حين تقرأُ الآيةَ التي قَبلَ آيةِ العطاء هذه، قال سبحانه:

• ? لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ? [النبأ: 35].

 

ثم وَصَفَ كلَّ ما ورد في الآيات بقوله:

• ? جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ? [النبأ: 36].

إنني أفهمُ أنَّ الحدائقَ والأعناب، والكواعبَ الأتراب، والكأسَ الدهاق - أنها عطاء.

لكنه متى كان المَنعُ مِن سماع اللَّغو؛ وهو الكلام الباطل الذي فيه فحش وبذاءة وسِباب، متى كان مَنعُكَ مِن سَماعِ ذلك يُعَدُّ أُعطية من عطايا الرب؟

كم هم المحرومون من هذا العطاء في الدنيا؟!

متى كان مَنعُكَ مِن سَماع الكذب يُعَدُّ أُعطيةً من عطايا الرب؟

كم هم المحرومون من هذا العطاء أيضًا؟!

متى كان المَنعُ عطاء؟

• ? لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ? [النبأ: 35، 36].

مَنعُكَ مِن سَماعِ اللغوِ عطاءٌ.

مَنعُكَ مِن سَماعِ الكذبِ عطاءٌ.

مرحبًا بك.. في عطاءاتِ المنع.


"
شارك المقالة:
59 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook