أجمع العلماء على أنّ مقاصد الشريعة الإسلامية جمعاء تهدف إلى حفظ الضروريّات الخمس؛ وهي الدين، والنفس، والعقل، والعِرض، والمال، ولأنّ العِرض إحدى هذه الضروريّات الخمس، فقد حرص عليه الإسلام حرصاً شديداً وأولاه اهتماماً عظيماً، وصانه وحفظه وحماه، والذي يتابع التشريعات الإسلامية ويتأمل آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يلمس ذلك الحرص سريعاً، فقد جاء في القرآن الكريم مثلاً ما يدلّ على تحريم الإسلام للزنا واعتباره كبيرةً من الكبائر، قال تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، وذلك لما فيه من هتكٍ للعِرض، بل إنّ الإسلام لم يكتفِ فقط بتحريم الزّنا، بل جعل كلّ ما يؤدّي إليه ويدفع نحوه مُحرَّماً كذلك، فإطلاق البصر والتبرّج والخلوة كلّها محرّمة، كما أمر الله تعالى المرأة المسلمة بالحجاب والسِّتر والحياء في الملبس والكلام، ونهى الإسلام أيضاً عن الاختلاط بين الجنسين، وتخنّث الرجال، وترجّل النساء، وكل ما من شأنه نشر المُنكَرات والرذائل
رتّب الله سبحانه وتعالى على الزنا عقوبةً شديدةً، منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكون في الآخرة، فأمّا التي في الدنيا فهي الحدّ الذي قدّره الله تبارك وتعالى على الزاني والزانية، حين قال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَفالزاني البكر الذي لم يسبق له الزواج من قبل والدخول الصحيح في زوجته، يُجلَد مئة جلدة حداً إذا ثبت قيامه بالزنا عند الحاكم المسلم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة، إلا أنّه إن كان رجلاً زيد على ذلك نفيُه عن بلده مدّة عام كامل، أمّا الزاني المُحصَن وهو من سبق له الزواج والدخول في زوجته دخولاً صحيحاً، فإنّه يُرجَم بالحجارة إلى أن يموت، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة أيضاً، وذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (البكْر بالبِكْر؛ جَلْدُ مائة ونَفْيُ سَنَة، والثّيّبُ بالثّيّبِ؛ جَلْدُ مائة والرّجْم
وأما عن عقوبة الزاني المُؤجَّلة، فقد قصّ الرسول صلى الله عليه وسلم ما رآه ليلةً على صحابته رضوان الله عليهم، فأخبرهم أنّه قد آتاه آتيان وانطلق معهما، فرأى في ذهابه معهما عدداً من المشاهد، كان من هذه المشاهد ما قال فيه صلى الله عليه وسلم: (فأتينا على مثلِ التنُّورِ، قال: وأحسب أنّه كان يقول -فإذا فيه لغطٌ وأصواتٌ، قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهبُ ضَوضَوا)،ثمّ أوضح للصحابة رضوان الله عليهم ما في ذلك المشهد، قائلاً: (وأما الرجالُ والنساءُ العراةُ الذين في مثل بناء التنورِ، فإنّهم الزناةُ والزواني)،وفي هذا الحديث دلالة على عذاب الزناة والزواني في البرزخ إلى أن تقوم الساعة