يعرف مرض التوحد بأنّه اضطراب في جزء ما من الدماغ يعيق نمو القدرات العقلية، ويؤدي لظهور عدد من المشاكل العصبية، وصعوبات في التطورات النمائية والإدراكية والمهارات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي مع الآخرين والتعبير عن المشاعر والعاطفة، وتصاحبه أنماط سلوكية غريبة وروتينية، وهو ما يطلق عليه الذاتوية أو مرض طيف التوحد، ويتم تصنيفه إلى توحد شديد وتوحد خفيف، وتختلف أعراضه من طفل لآخر، وعادة ما تبدأ علاماته بالظهور بعد العام والنصف، ويكثر ظهوره بالأطفال الذكور بنسبة تفوق الإناث.
تم اكتشاف التوحد على يد طبيب نفسي يحمل الجنسية الأمريكية من أصل نمساوي يدعى ليو كانر، وهو عالم وباحث اهتم بإجراء دراسات وأبحاث عن مرض التوحد، حيث كان يعمل دراسة عن مجموعة من الأطفال يعانون من قدرات عقلية منخفضة وتم تشخيصهم على أنّهم مصابين بالتخلف العقلي، وأجرى دراسة أخرى عن طبيعة سلوكهم فوجد أنّهم يتميزون بالانغلاق على ذاتهم وعدم الانفتاح على المحيط الخارجي من حولهم وحبهم الشديد للوحدة والانعزال حتى من أقرب أفراد العائلة، ورغبتهم بتكرير أنماط سلوكية مكررة كترتيب الأشياء بشكل معين وتكرار حركات معينة كالهز ورفرفة الأيدي والدوران، وممارستهم لبعض السلوكيات الشاذة.
وصف العالم ليو كانر المرض وأطلق عليه التوحد الطفولي المبكر عام 1943م، ومن خلال أبحاثه المتتابعة نفى الطبيب النمساوي الفكرة السائدة بأنّ مرض التوحد سببه يعود إلى المعاملة السيئة للطفل من قبل الأهل وخاصة الوالدين، ومن خلال دراساته وبحوثه المستمرة اعتقد أنّ سبب التوحد هو اضطرابات دماغية وخلل في الجينات تؤثر في القدرات العقلية والنمائية والاجتماعية والنفسية والحسية للطفل.
توفي العالم والطبيب النمساوي في الثالث من إبريل عام 1981م، وتابع مسيرته الطبية علماء وأطباء آخرون وفي عام 1944م أجرى طبيب آخر دراسة فوجد أنّ هنالك فئةً من أطفال التوحد يتميزون بذكاءٍ مميز وخارق ومنهم من يبدع بمجال الرسم والوصف والإبداعات الخيالية، أو الموسيقا، أو الحسابات الرياضية وعلم الأرقام، وتم تصنيفهم تحت اسم متلازمة أسبرجر، ومع أنّهم يعانون من صعوبات التواصل وبعض السلوكيات الشاذة والغريبة إلا أنّهم لا توجد لديهم صعوبات في التعلم.
بالرغم من أنّ التوحد مرض يثير الفضول والغموض لعدم مقدرة العلماء على تشخيص أسبابه إلى الآن، إلا أنّ التاريخ الذي اكتشفه فيه العالم ليو كانر لا يعني بداية التوحد فبالتأكيد أنّ هنالك أطفال عانوا من التوحد قبل هذا الوقت ولم يذكرهم التاريخ.