تحتاج كل خلية في جسم الإنسان للأكسجين لتوليد الطاقة والبقاء حيّة والعمل بشكل صحيح، وبالمقابل يحتاج الجسم أيضًا للتخلص من غاز ثنائي أوكسيد الكربون، وهنا تأتي أهمّية الرئة، فمن خلالها يستطيع الجسم تأمين الأكسجين من الهواء المستنشق عن طريق المبادلات الغازية التي تجري في غشاء الحويصلات الرئوية في كل رئة، والرئة هي عبارة عن عضو إسفنجي، وتتكوّن من ثلاثة فصوص في الجهة اليمنى وفصين في الجهة اليسرى، ويصل الهواء إلى كلّ رئة عن طريق القصبة الهوائية التي تتفرع إلى قصبتين رئيسيتين؛ واللتان تتفرعان بدورهما إلى قصبات أصغر فأصغر والتي تسمى القصيبات إلى أن تنتهي بالحويصلات الهوائية، وهذه مقدمة بسيطة عن الرئة وأهمّية دورها في الجسم، وفي هذا المقال سيتمُّ التحدث عن عدة مواضيع تحت عنوان ارتشاح الرئة.
الانصباب الجنبي أو ارتشاح الرئة هو عبارة عن تجمع كمية غير عادية من السوائل حول الرئة في الجوف الجنبي، ويمكن أن تؤدي العديد من الحالات المرضية إلى ذلك، ولفهم ذلك أكثر، الجنب هو عبارة عن غشاء رقيق يتكون من وريقتين حشوية وجدارية، حيث تحيط الحشوية بالرئتين وتغلفهما وتحميهما من أي مؤثر سواء أكان خارجيًا أم داخليًا، أمَّا الجدارية فهي تستند إلى جدار الصدر وإلى عناصر المنصف -الذي يضم بالإضافة إلى الرئتين القلب والشرايين الرئيسة والرغامى وعادةً يحتوي جوف الجنب على كمية قليلة من السوائل تبلغ في حجمها حوالي 20 مل من السائل العقيم الشفاف، وحيث تسمح هذا الكمية القليلة بسهولة حركة الرئتين أثناء الشهيق والزفير، إلا أنَّ الكميات الكبيرة الناجمة عن أسباب مختلفة ستؤدي إلى إعاقة حركة الرئتين وعدم القدرة على التنفس بشكل طبيعي، وخصوصًا عندما يحدث ذلك بشكل حاد وسريع، أمَّا التجمع التدريجي للسائل في جوف الجنب فهو عمومًا أقل خطورة، إلا أنّّه يحتاج أيضًا إلى تشخيص وتدبير مناسبين، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقًا.
تعتمد خطورة إنصباب الجنب أو ارتشاح الرئة على السبب الرئيس المسبب له، وما إذا كان التنفس قد تأثر بسبب الإنصباب، فقد سبق القول إنَّ التجمع السريع والحاد للسوائل في جوف الجنب سيؤدي إلى تدهور سريع في حالة الشخص، وذلك بسبب الضغط على البنى الهامة كالقلب، والأوعية الدموية الرئيسة مثل الأبهر، والوريدين الأجوفين العلوي والسفلي حيث يعيق الانصباب عودة الدم إلى القلب وبالتالي يقل إلى كافة أنحاء الجسم، وكذلك فإنَّ الإنصباب الكبير يعيق الرئة من التمدد بشكل كافٍ، وبالتالي تقل كمية الأكسجين بشكل كبير وهذا يؤثر على كافة الأنسجة في الجسم ولا سيما الدماغ، وأيضًا تعتمد خطورة الإنصباب على فعالية العلاج، فالتدبير المناسب السريع للسبب الكامن وراء الحالة يؤدي إلى نتائج أفضل ويقلل من خطورة الانصباب.
يستخدم الأطباء المصطلحين نتعي ونضحي لوصف النوعين الرئيسين من الانصباب الجنبي أو ارتشاح الرئة، وذلك اعتمادًا على التحليل الكيميائي لعينات من سائل الإنصباب، وهنا فرصة للتحدث عن صفات السائل الجنبي الطبيعي قبل التحدث عن أنواع الإنصباب الجنبي؛ فالسائل الطبيعي يكون شفافًا ويحتوي على تركيز من السكر أقل من تركيز السكرفي الدم، وكذلك فهو يحتوي على عدد محدد من الكريات البيض وزيادة عددها يشير إلى التهاب، وكريات الدم الحمراء وهناك أيضًا مستوى معين طبيعي من البروتين، والآن يمكن الحديث عن نوعي الإنصباب في ضوء ما سبق وهما:
تعتمد أعراض ارتشاح الرئة على السبب المؤدي إليه، وكذلك تعتمد على سرعة تجمع السائل في جوف الجنب، فقد سبق القول أنَّ التجمع الكبير للسوائل حول الرئة بشكل مفاجئ وسريع، سيؤدي إلى أعراض حادة تظهر بسرعة وقد تودي بحياة الشخص ما لم يتم التشخيص والتدبير المناسب، أمَّا في التجمع التدريجي فتكون الأعراض خفيفة ثمَّ تتفاقم مع مرور الوقت، ولربما شعر المريض بذلك في بدايتها فيكون ذلك من الأمور التي تدفعه على مراجعة الطبيب، وذلك يساعد في التشخيص الباكر لارتشاح الرئة، والذي سيتمُّ الحديث عنه في فقرة قادمة، وعلى كل حال تشمل أعراض ارتشاح الرئة على:
بدايةً، الإنصباب الجنبي هو دائمًا اضطراب ثانوي، وهذا يعني أنَّه ناجم عن سبب آخر، وهو لا يشكل مرضًا بحد ذاته، بل هناك دائمًا سبب أدى إلى الارتشاح، وفي هذه الفقرة سيتمُّ الحديث عن بعض أسباب ارتشاح الرئة مع ذكر لمحة موجزة عن كل سبب:
لارتشاح الرئة العديد من المضاعفات الممكن حدوثها وذلك يعتمد على العديد من العوامل، فالسبب المؤدي إليها يلعب دورًا، وكذلك حالة الشخص الصحية والعامل الأهمّ الذي يلعب دورًا كبيرًا في ذلك هو التشخيص والعلاج المناسبين، فكل تأخر من قبل المريض لمراجعة الطبيب، وكذلك كل تأخر من قبل الطبيب لتشخيص الإنصباب وتدبيره بالوسائل المناسبة سينعكس سلبًا على المريض وربما يفاقم من حالته، ومن مضاعفات الارتشاح:
إنَّ تشخيص الإنصباب الجنبي ليس بسيطًا، لأنَّ العديد من الاضطرابات تسبب أعراضًا مماثلة له، وأيضًا لعدم وضوح أعراض الارتشاح في بدايته، وعلى كل حال لا بدَّ في البداية من أخذ قصة مرضية ثمَّ فحص سريري للمريض، فوجود السائل في جوف الجنب يعطي دلالات يمكن كشفها بالفحص بالسماعة الطبية، وعند وجودها ينتقل الطبيب إلى الخطوة التشخيصية الثانية وهي الصورة الشعاعية البسيطة للصدر، وقد يوضع التشخيص على أساسها وفي حال عدم التأكد من ذلك قد يُطلب إجراء صورة بالتصوير الطبقي المحوري للصدر للتأكد، وهذا الأخير يقدم تشخيصًا دقيقًا للارتشاح، حيث يقدر على كشف الارتشاح بكمياته الصغيرة، وبعد تأكيد التشخيص لا بدَّ من تحديد نوع الارتشاح وهذا ما تمَّ الحديث عنه في فقرة سابقة بشكل مسهب أكثر، ولتحديده لا بدَّ من إجراء بزل للسائل في الصدر وإجراء التحاليل المطلوبة لذلك منها تحليل البروتين، وتعداد الكريات البيض والكريات الحمراء لمعرفة وجود التهاب أو تقيح أم لا، وكذلك عيار LDH، وهي خميرة تفيد معرفة تركيزها في السائل في تحديد نوع الارتشاح، وعيار السكر، وإلى هنا يكون قد تمَّ تشخيص الارتشاح بشكل دقيق، ولكن اختبارات أخرى قد تُطلب من قبل الأطباء لتحديد سبب الارتشاح، فكما سبق القول إنَّ الارتشاح مرضي دائمًا ولا بدَّ من سبب له، ولأجل ذلك قد يُطلب:
يعتمد علاج الإنصباب الجنبي على الاضطراب الذي سبّبه، وبالإضافة إلى تدبير الارتشاح بحد ذاته، وهذا التدبير يعتمد في جزء منه على سرعة حدوث الإنصباب، فبداية سريعة وحادة تتطلب تدبيرًا سريعًا لضمان حياة المريض في البداية، ثم يمكن بعد ذلك إتمام العلاج برويّة، وطلب الاستقصاءات التشخيصية اللازمة تبعًا للحالة، أمَّا البداية التدريجية فهنا يمكن التمهل أكثر في العلاج البدئي حتى معرفة السبب المؤدي وعلاجه بالشكل المناسب، ولتدبير الارتشاح يجرى في معظم الحالات تصريف للسائل من جوف الجنب، وذلك عن طريق إدخال إبرة أو أنبوب إلى الجوف الجنبي، ونزح كمية محدودة منه تختلف تبعًا لكمية الإنصباب الحاصل والحالة الصحية العامة للشخص، وهذا الإجراء لا يتطلب تخديرًا عامًا، فحيث يُجرى حقن مخدر موضعي في مكان البزل لتخفيف الألم الناجم عن الجرح المحدث لإدخال أنبوب النزح، وقد يُكرر هذا الإجراء أكثر من مرة حسب ما يتطلب الأمر، ولهذا الإجراء خطر منخفض لحدوث مضاعفات منها الإنتان، النزف، أو انخماص الرئة، وإذا تمَّ نزح السائل بسرعة كبيرة، فمن الممكن أيضًا أن ينتقل السائل في الدم إلى الرئتين وتحدث وذمة الرئة، ولكن هذا من المضاعفات نادرة الحدوث، وأخيرًا بقي ذكر أنّّ هناك علاجات أخرى منها:
يمكن ببعض الإجراءات الوقائية من ارتشاح الرئة ومضاعفاته، ولكن هنا أمور هامة ينبغي توضيحها، فهناك بعض الأسباب لارتشاح الرئة لا يمكن الوقاية منها بشكل كامل، وهذه الأسباب قد تكون أحيانًا متعددة العوامل ومجهولة السبب الواضح في بعض الأحيان، فمن الصعوبة إذاً الوقاية الكاملة من ذلك، وكمثال على ذلك مرض الذئبة الحمامية، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والسرطان، فإلى الآن لا يوجد لها سبب صريح يمكن تجنبه للوقاية من حدوث المرض وبالتالي من مضاعفاته، وإنَّما هناك عوامل يمكن بتجنبها التقليل من فرصة حدوثها، فمثلًا التدخين عامل مهم جدًا في سرطان الرئة، وبتجنبه تقل نسبة حدوث السرطان بنسبة كبيرة وتقل معها أيضًا نسبة حدوث إنصباب في الجنب، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ الأهم من ذلك هو المراجعة السريعة للطبيب في حال وجود أية أعراض تشير إلى وجود انصباب أو ارتشاح في الرئة، وذلك لضمان تشخيص وعلاج سريعين يقيان من خطورة الإنصباب نفسه ومن مضاعفاته محتملة الحدوث في حال التأخر.