ماهي أساليب التعليم التقليدية في منطقة الحدود الشمالية في المملكة العربية السعودية.
اقتصر التعليم سابقًا على الكتاتيب وكانت بمثابة مدارس غير نظامية تقوم على التطوع والعمل الخيري من قِبَل الشيخ (المطوع)، فقد كان الشيخ هو قوام العملية التعليمة داخل الكتاب.
وقد كانت أول خطوة على طريق التعليم غير الرسمي في المنطقة في قرية (لينة) الواقعة جنوب محافظة رفحاء بنحو 150كم، وكانت لينة تمثل حاضرة المنطقة، ففي عام 1361هـ / 1942م وصل الشيخ عبدالله بن ناصر بن دليم (وهو أحد مشايخ بلدة ضرما) لتعليم القرآن في المنطقة بناء على دعوة من أميرها آنذاك سليمان بن يوسف الشنيفي ، وليكون إمامًا لمسجد الإمارة، ومعلمًا لأبناء الأمير، وأبناء أهالي لينة.
مفاهيم تعليمية
أ - مكان الدراسة:
كان المسجد المخصص للدراسة الذي يلتقي فيه المعلم (المطوع) تلاميذه، حيث يجلسون حوله في إحدى زواياه، أو في غرفة تُبنى بجوار المسجد مخصصة للمعلم (المطوع).
ب - مدة الدراسة:
لم تكن ترتبط الدراسة آنذاك بزمن معين، وإنما تعتمد مدتها على مدى جهد الطالب وقدرته على الاستيعاب، وعلى استعداده، وظروفه.
ج - وقت الدراسة:
وكان اليوم الدراسي مقسمًا إلى فترتين: الفترة الأولى صباحية وتبدأ من الصباح إلى الظهر، والفترة الثانية مسائية تبدأ من العصر إلى وقت المغرب، وذلك حسب ظروف المعلم (المطوع) أو طلابه. وتستمر الدراسة طوال العام عدا أيام الجُمع والأعياد، أو للظروف الخاصة، مثل: الترحال، أو لمناسبات معينة، أو لظروف مناخية، مثل: الأمطار والرياح... أو غير ذلك.
د - منهج الدراسة:
كان منهج الدراسة آنذاك يقوم على عدد من الأهداف هي أيضًا قوام المقررات التي يحددها المطوع لطلابه وهي: تعليم القراءة والكتابة، بدءًا بتعليم حروف الهجاء العربية، وتعليم تلاوة القرآن الكريم، وحفظ القرآن الكريم، وتعليم بعض الأحاديث النبوية الشريفة، وتعليم أصول الفقه والتوحيد.
هـ - أدوات الدراسة:
شأنها شأن كل شيء بدائي كانت أدوات الدراسة في ذلك التاريخ تعتمد على ما تجود به البيئة من مواد تعين المعلم والطلاب على تدوين مجريات العملية التعليمية لتيسير الشرح أو للعودة إلى مادة الدرس في أي وقت آخر، ومن هذه الأدوات:
ألواح الخشب: وكانت تستعمل في الكتابة عليها.
الأقلام: وكانت من أغصان الأشجار وأعواد القصب، وكان الحبر يُصنع محليًا من الأشجار أو الرماد.
الأرض: حيث يكتب المطوع عليها بأصبعه أو بالعصا.
و - راتب المدرس:
لم يكن للمدرس راتب معين، وإنما كان يعتمد على ما يناله من الهبات أو الهدايا من الجماعة التي يعيش معها.
نمط التعليم التقليدي
كان الشيخ يجمع طلابه في المسجد ليعلمهم القرآن الكريم، ومبادئ القراءة والكتابة، وكان كل متعلم يُحضر معه لوحًا خشبيًا، لا يتعدى بُعداه 30 × 35سم، وسطحه مصبوب وأملس؛ لتسهل عملية الكتابة عليه بالحبر الذي كان يُصنع من سنو الحديد (مخلفات الدخان على الأسطح الخارجية أو على أواني الطبخ والقدور) وقشور الرمان المطبوخة، ويحمل المتعلم (الصبي) اللوح معه إلى المنـزل؛ ليسترجع المعلومات المكتوبة عليه بين حين وآخر، فإذا أجاد معرفة قراءة الحروف طلب منه الشيخ قراءة جزء (عمَّ)، ثم يتدرج بعد ذلك في حفظ القرآن الكريم.
وفي درس تحفيظ القرآن الكريم كان الشيخ يتلو الآية كلمة كلمة، ثم يرددها الصِّبْية حتى يحفظوها، فإذا ختموا السورة عاد وتلاها أكثر من مرة، إلى أن يتأكد الشيخ من أن الصبي قد حفظها. وكانت الدراسة تبدأ من الصبح حتى صلاة الظهر، تعقبها فترة راحة إلى العصر، ثم يعود الصِّبية إلى الدراسة بعد العصر حتى قبيل المغرب بساعة، إذ ينصرفون إلى منازلهم. ولم يكن دور الشيخ قاصرًا على التعليم في وقت الدراسة فقط، بل يتعداه إلى ملاحظة تصرفات طلابه داخل المجتمع، ومتابعة مدى التزامهم بتأدية الصلاة مع الجماعة في المسجد، فكان الضرب بالعصا جزاء لمن يلاحظ عليه الشيخ سوء السلوك
بداية التعليم الرسمي
بدأ عهد المنطقة بالتعليم الرسمي مع افتتاح أول مدرسة في المنطقة عام 1372هـ / 1953م مع بداية عمل خط التابلاين، ومع تطور الحركة التعليمية وزيادة عدد السكان تأسس مكتب مستقل للإشراف على التعليم في الشمال، وكان ذلك في 5 / 10 / 1398هـ الموافق 1978م، إلى أن أنشئت المديرية عام 1400هـ / 1980م. ونظرًا إلى كون سكان المنطقة من أبناء البادية الذين غالبًا ما يرحلون للبحث عن العشب والماء، فقد أدى ذلك إلى بروز ظاهرة المد والجزر في تعلُّم عدد من الطلاب ومثابرتهم في المدارس
مظاهر الثبات والتغير
تطورت الحالة الاقتصادية التي شهدتها المملكة العربية السعودية؛ وأدى ذلك إلى ابتعاد التعليم تدريجيًا عن أساليب التعليم التقليدية في المنطقة، وكان للتطور الاقتصادي الذي عاشته المنطقة انعكاس واضح على التعليم فيها وفي مناطق المملكة عمومًا، فقد أصبح التعليم مجانيًا، ليس ذلك وحسب، بل خصصت الحكومة مكافآت مالية للطلاب لتحفزهم وتشجعهم على الجد والمثابرة.
وعرفت المنطقة المدارس الحكومية المنتظمة التي تقدم التعليم مجانًا للذكور والإناث على حدٍّ سواء، واختفت مشاهد التعليم التقليدي الماضية، وحلت محلها مشاهد أخرى تعتمد على التقنية الحرفية ووسائل التعليم التي أنتجتها سنوات الرفاهية والمدنية التي عمت ربوع المنطقة، فقد أصبح تعليم القرآن يُقدَّم في الوقت الحالي في المساجد ولكن بطريقة مختلفة عن السابق، فهو يُقدَّم للأطفال الصغار السن في حلقات خاصة بهم، وكذلك يُقدَّم لكبار السن في حلقات خاصة تناسب أوقاتهم وتراعي أعمالهم وانشغالاتهم، وإلى جانب تعلم القرآن، يتعلم الأطفال والكبار التجويد والفقه، حيث يُقدَّم هذا العلم للأطفال قبل دخولهم المدارس، أو في العطلات الرسمية، أو يقوم أولياء الأمور بإلحاق أبنائهم الطلاب بأحد الشيوخ؛ كي يستفيدوا من وقت الإجازة المدرسية.