سنتحدث في هذا المقال عن الحقوق المشتركة بين الزوجين، والتي رتَّبها الشارع على صحَّة عقد الزواج، وهذه الحقوق معدودةٌ من آثار ذلك العقد، وتتمثّل في: حلِّ الاستمتاع، وثبوت النسب، وحُرمة المصاهرة، وحُسن المعاشرة بالمعروف، وثبوت التوارث.
يُرتِّب الإسلام بمقتضى عقد الزواج حقوقاً مالية وغير مالية للزوجين تُنشِئها الرابطة الزوجية، وقد سَبَق في المطلب الأوَّل ذِكْرُ حقوقِ حُسنِ المعاشَرة التي توجِب المُماثَلة بحسَبِ الاختلاف في مُفردات هذا الحق، ونَتناوَل في هذا المطلب بقيَة الحقوق المترتِبة على الرابطة الزوجية في الفروع التالية:
1. حلّ الإستمتاع:
فإذا تم العقد صحيحاً بتوفّرِ أركانه وشروطِ انعقاده وانتفَت عنه الموانع كالإحرام مثلاً حَل لكل منهما الاستمتاع بالآخَرِ بجميع أنواع الاستمتاع التي أباحَتها الشريعة، فهو حل ما يَقتضيه الطبع الإنساني ممّا هو محرّم إلّا بالزواج
أو ملكِ اليمين؛ لقوله تعالى: “وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ” المؤمنون:5-6؛ فالآيةُ دَلَّتْ على أنَّ الزوجة تَحِلّ لزوجها كما يحلّ هو لها، ومِن ثَم كان حل الاستمتاعِ حقاً مشترَكاً بين الزوجين لا يحصل إلَّا بمشارَكتِهما معاً؛ إذ لا يمكن أَنْ ينفرد به أَحَدُهما، علماً أن الجماع واجبٌ على الزوج إذا لم يكن له عذرٌ على الأَرجَح، وهو حق ثابت للمرأة لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:“وإنّ لزوجك عليك حق”.
2. ثبوت النسب:
وتبعاً لحل الاستمتاع فإن ما يحصل للزوجين مِن ولدٍ أثناء قيام الرابطة الزوجية المترتِبة على الزواج الشرعي باعتبارِه وسيلة إيجادِ النسل، فإن نَسَب الولدِ يثبت مِن الزوج صاحِب الفراش على أنه ولَده مِن زوجته التي هي أُمه لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم:“الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ” أخرجه البخاري، وتبعيةُ نَسَب الولدِ لأبيه مُجمع عليها لقوله تعالى:”ٱدۡعُوهُمۡ لِأٓبَآئِهِمۡ” الأحزاب: 5، ونَسَبُه إليها حقٌّ لها ثابتٌ قَطْعًا لانفصاله عنها، وإنما يُلحَق نَسَب الولد بأمِّه فقط عند انقطاعِ نَسَبِه مِن جهة أبيه.
انطلاقاً مِن مُفردات المُماثلة في الحقوق التي ينبغي على كُل مِن الزوجين أَن ينهض بها ويسعى إلى تحقيقها وتأديتِها حق الأداءِ، نَتناوَل جملة منها على وجه التوضيح والتقريب في الفروع التالي:
1. التواصي بالحق والتعاون على طاعة الله تعالى، والتذكير بتقوى الله.
فالواجب على الزوجين أَن يُوصي بعضُهما بعضاً بالحق الذي يَحق القيامُ به مِن قضايا الإيمان بالله ومسائلِ التوحيد، ويَتعاوَنَا على طاعة الله بما شَرَعَه واجتنابِ ما نَهَى عنه، ويذكر بعضُهما بعضاً بتقوى الله والصبر على القيام به عملًا بقوله تعالى:”وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ” العصر:3، وقد جاء ثناءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وترحمه على زوجين يُعين كل منهما الآخر على طاعة الله وعبادته فقال: “رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا المَاءَ، وَرَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ“أخرجه أبو داود.
2.تجسيد المودة والرحمة في الحياة الزوجية:
يجب على كُل مِنَ الزوجين أَن يحمل أَكبَر قَدر مِنَ المحبة الخالصة التي تدفع كُل واحد منهما ليكون عوناً لصاحِبِه في تَفَقّد أحواله وقضاء حاجته وإعطائه مِن لسانه ما يُحِب أَن يسمعه منه ونحوِ ذلك. كما يجب أن يحمل كُل منهما لصاحِبِه قَدْراً مِنَ الرّحمة ويبذلها تجاه الآخر إلى طيلة حياتهما الزوجيّة، فيُجب أن يوصي بها ويدعو إليها؛ مصداقاً لقوله تعالى:”ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ“
البلد: 17-18.
وأَن يَعفو كل واحد منهما عن أخطاء الآخَرِ وزلَّاته، ويتغاضى عن هفواته وسقطاته، ويُواسِيه عند الحزن والهمِّ، ويشدَّ أَزرَه ويُقوِي عَضدَه عند الشدائد والمِحن، ويُداوِيَه عند المرض والعجز، ولا يُكلّفه ما يشق عليه ويعسر، ولا يُحمِّلَه ما لا يرتاح معه، ونحو ذلك من المعاملة الحسنة المكسوّة بالمحبَّة والرحمة التي يَتوخّى فيها جَبر الخواطر والوقاية مِنَ النفور والكراهة، والتماسَ الألفة، والتعاون على جَلبِ السعادة والسرور ودفعِ الحزن والشرور قَدرَ الإمكان، طلباً لاستمرار الحياة الزوجية.
3. بذلُ الثقة وإحسان الظن:
فيجب على كُل مِنَ الزوجين أَن تَصدر أقواله وتصرفاته بعيدةً عن الحيف والتشكيك أو التكذيب أو إساءةِ الظنِّ بصاحِبِه؛ لقوله تعالى:”يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَ لَا تَجَسَّسُواْ” الحُجُرات:12.
ينبغي أَنْ يكون كُلٌّ منهما واثقًا مِن صِدقِ أقوال صاحِبِه وإخلاصِ نصيحته له؛ لذلك وَجَب أَن يكون كل واحد صادقاً مع صاحبِه مُخلصاً له أميناً تجاهَه.