تظهر أهمية التفريق بين نوعي التعزير، الواجب منها حقا لله، والواجب منها حقاً للفرد، في مواضع منها:
أن التعزير الواجب حقاً للفرد، أو الغالب فيه حقه كما في الشتم والمواثبة، وهو الذي يتوقف على الدعوى إذا طلبهُ صاحب الحق فيه ولزم أن يجاب إليه ولا يحقُ للقاضي فيه الإسقاط ما دام قد طلب، ولا يجوز في هذا النوع من التعزير العفو أو الشفاعة من وليّ الأمر. أما التعزير الذي يجب حقاً لله تعالى فإن العفو فيه من ولي الأمر جائز كذلك الشفاعة أن رؤيةً في ذلك مصلحة، أو حصل انزجار الجاني بدونه، وقد روى أن النبي صلّى الله وسلم قال: ” أشفقوا لي، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء”.
إنّ الفرق أيضاً بين الحقّين هو أن التعزير الذي يكون حقاً للأفراد لا يجري فيه التداخل، أي أن العقوبة تتكرر بتكرر الجناية، فإذا شتم إنسان آخر في أوقاتٍ مختلفة، فالظاهر هو أن القاضي يُعزر الجاني لكل منها بخلاف التعزير الذي يجب حقاً لله تعالى، فيجري فيه التداخل، فإذا أفطر في رمضان متعمداً أكثر من مرة فلا يُقام عليه إلا تعزيرٌ واحدٌ لهم جميعاً.
أيضاً إنّ الفرق بين نوعي التعزير، هو أن التعزير الواجب حقاً لله تعالى يكون لكل واحد أن يقيمه وقتَ مباشرةِ المعصية، تأسيساً على أنه من باب إزالة المُنكر، وذلك لحديث: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه ،فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”، أما إذا كان بعد انتهاء ارتكاب الجريمة فإن التعزير يكون لولي الأمر. وعللوا ذلك بأن التعزير حال ارتكاب الجريمة يُعتبر نهياً عن المنكر، وكل إنسان مأمور بذلك، لكن إن كان بعد ارتكاب جريمة فلا يكون فعل أي أحد نهيا عن المنكر؛ لأن النهي عن المنكر الذي وقع ليس بالمتوقع، فيبقى الفعل تعزيراً محضاً، وهو يكون لولي الأمر لا لأي إنسان آخر، وهنا ما يُعد نهياً عن المنكر وإزالة له لا يكون من قبيل التعزير، إنما هو من قبيل منع استمرار الجرائم، وذلك حق على كل من يشاهدها.
وقيل في الفروق أيضاً بأن الفروق جريان الإرث في التعزير الذي هو من حق الأفراد من جهة المجني عليه، لا من جهة الجاني، بمعنى أن المجني عليه لو مات فإن الحق في المطالبة بالتعزير عما أصابه ينتقل إلى ورثته الذين يكون لهم الحق في المطالبة به وتعقب الجاني بخلاف ما إذا مات الجاني، فإنه لا تجوز مطالبة المجني عليه أو ورثته بتعزير ورثة الجاني.
أما إذا كان التعزير لحق الله تعالى، فإن الإرث لا يجري فيه مطلقاً، لأن حقوق الله تعالى لا تورث، وبناءً على ذلك لا يعاقب الجاني بذنبٍ كان لمورثهم، ولا يكون لورثة المجني عليه أن يُطالب باستيفاء تعزيرٍ استحق على الجاني، وذلك واضحٌ فيما إذا مات الجاني، وهو كذلك ظاهر في حالبةِ موت المجني عليه، إذ إن نفس المجني عليه في التعزير الواجب حقاً لله تعالى لا يتوقف التعزير على طلبه، فأولى أن لا يكون لورثته المطالبة بتعزير من حق الله تعالى.
ونجد هناك من بعض الفقهاء يقول: بأن التعزير الذي يكون من حق الأفراد يجري فيه التداخل، ويكون حاله في ذلك كحال التعزير الواجب حقاً لله لا يُورث، في حين أن الواجب حقاً للأفراد يورث، فنقول هذا لا شك في أن النوعين يتحدان في أن موت الجاني لا ينقل المسؤولية عن الجريمة إلى ورثته، لأن العقوبة شخصية، والتعزير بنوعيه عقوبة، أما الحق في التعزير الذي هو من حق الفرد ينتقل إلى ورثة المجني عليه دون النوع الآخر من التعزير، فهذا الفرق يقوم بالتقليل من أهمية أن معاقبة الجاني في الحالتين حاصلة، لأن للدولة حقٌ في هذا المجال.
ومع ذلك فمن المقرر أن الإرث يكون في الحقوق المالية، وأشبه الأشياء بهذا الأمر حدّ القذف. لقد رأى الحنفية فيع عدم الإرث، وإنما يُثبت للأصل والفرع عن من قال به نتيجة لحوق العار بهما. وقال الشافعي بالإرث في حد القذف ليس كالضرر فيما يوجب التعزير وذلك لإجراء القياس بينهما.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.