تجويد القرآن الكريم يعني قراءة القرآن قراءة سليمة وضبط أحكام التجويد التي وضعها العلماء والعناية بطُرُق نُطق حروف القرآن الكريم كاملة، وقد حضَّ الإسلامُ المسلمين على ضرورة تجويد القرآن الكريم وحُسن قراءته وتعلُّم أحكام القراءة التي وضعها أهل العلم، وهذا لا ينفي الأجر عمَّن لا يعرفون تطبيق أحكام التجويد، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وهو عليه شاقٌّ، له أجْرانِ" وهذا المقال سيسلِّط الضَّوءَ على أحد أحكام التجويد وهو القلقلة وسيتحدث عن حروف القلقلة في التجويد.
تُعرَّف القلقلة في اللغة على أنَّها اضطراب في الشيء وعدم توازن، أمَّا في الاصطلاح فالقلقلة هي اضطراب واضح في مخرج الحرف أثناء نطقه مما يؤدِّي إلى خروج الحرف بنبرة قوية وصوتٍ عالٍ، وهذا الصوت المرتفع يصاحب الحرف أثناء النطق به سواء كان الحرف هو الحرف الموقوف عليه أو كان الحرف متوسطًا في الجملة موصولًا بما بعده، وقد سُمِّيت القلقلة بهذا الاسم لأسباب عديدة ذكرها أهل العلم، فمنهم من قال: إنَّ سبب تسمية القلقلة بهذا الاسم هو تقلقل مخرج الحرف مما يؤدي إلى سماع صوت عالٍ أثناء النُطق، وقيل إنَّ سبب تسميتها هو أنَّ صوتَ حروف القلقلة شديد كالقلقلة التي تعرف بصوت تحرك الأشياء اليابسة، والله أعلم
اتفق أغلب العلماء على أنَّ حروف القلقلة خمسة حروف مجموعة في قول: "قُطبُ جدٍّ"، وأضاف بعض أهل العلم الهمزة إلى هذه الحروف الخمسة مُعللين وضع الهمزة بين حروف القلقلة في أنَّ الهمزة شديدة النطق مجهورة أثناء القول، ولكنَّ جمهور أهل العلم لم يذكر الهمزة من حروف القلقة لأنَّ الهمزة تُخفَّف عند السكون، وقد ذكر سيبويه أيضًا أنَّ حرف التاء يعتبر حرف قلقلة وذكر لتاء نفخًا أثناء النطق، وأضاف المبرد حرف الكاف وجعله حرف قلقلة، فقال المبرد: "وَهَذِهِ الْقَلْقَلَةُ بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إِذَا سَكَنَتْ ضَعُفَتْ فَاشْتَبَهَتْ بِغَيْرِهَا فَيَحْتَاجُ إِلَى ظُهُورِ صَوْتٍ يُشْبِهُ النَّبْرَةَ حَالَ سُكُونِهِنَّ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى زِيَادَةِ إِتْمَامِ النُّطْقِ بِهِنَّ، فَذَلِكَ الصَّوْتُ فِي سُكُونِهِنَّ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي حَرَكَتِهِنَّ، وَهُوَ فِي الْوَقْفِ أَمْكَنُ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْقَافُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ سَاكِنًا إِلَّا مَعَ صَوْتٍ زَائِدٍ لِشِدَّةِ اسْتِعْلَائِهِ"، جدير بالذكر إنَّ بعض الأئمة المتأخرين قالوا إنَّ القلقلة لا تكون إلَّا أثناء الوقف واستندوا في هذا على أقوال بعض المتقدمين ن أهل العلم، وقد ذكر شُريح بن أبي عبد الله بن شريح عندما جاء على ذكر حروف القلقلة: "وهيَ متوَسِّطةٌ كَباءِ "الْأَبْوَابِ"، وَجِيمِ "النَّجْدَيْنِ"، وَدَالِ "مَدَدْنَا"، وَقَافِ "خَلَقْنَا"، وَطَاءِ "أَطْوَارًا"، وَمُتَطَرِّفَةٌ كَبَاءِ "لَمْ يَتُبْ"، وَجِيمِ "لَمْ يَخْرُجْ"، وَدَالِ "لَقَدْ"، وَقَافِ "مَنْ يُشَاقِقْ" وَطَاءِ "لَا تُشْطِطْ"، فَالْقَلْقَلَةُ هُنَا أَبْيَنُ فِي الْوَقْفِ فِي الْمُتَطَرِّفَةِ مِنَ الْمُتَوَسِّطَةِ"، والله أعلم
اختلف علماء التجويد في كيفية أداء القلقلة وذهبوا في اتجاهات مختلفة، فرأى كلُّ واحد منهم طريقة مختلفة في قراءة حروف القلقلة على اختلاف مراتبها أثناء التلاوة، فرأى بعضهم أن القلقلة تقترب من الفتح بشكل مطلق، فهي تُقرأ مفتوحة دائمًا، وجدير بالذكر إنَّ أصحاب هذا القول لا يجعلون القلقلة مفتوحة أثناء الأداء إنَّما قريبة من الفتح أو تميل باتجاه الفتح بعض الشيء، ويرى آخرون أنَّ القلقلة تتبع ما قبلها في القراءة، فإذا سُبق حرف القلقلة بحرف مفتوح كانت القلقلة قريبة من الفتح، ومثله إذا كان قبلها مكسور مالت إلى الكسر أو قبلها مضموم مالت إلى الضمِّ، ويرى آخرون أنَّ القلقلة تتبع حركة الحرف الذي بعدها فتلحقه في النطق وهذا القول ضعيف عند غالب العلماء فعلى سبيل المثال: حرف الدال في قوله تعالى في سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ.، لا يمكن هنا أن يتبع حرف الدال الضم الكائن في حرف الباء الذي بعده لأنَّه ساكن وسكونه أذهب حركة ما بعده، بينما يرى علماء آخرون في كيفية أداء القلقلة أنَّ القلقلة مستقلة الصوت لا تميل إلى الفتح ولا الكسر ولا الضم ولا تتبع ما قبلها ولا ما بعدها، والله أعلم.