الحجر الأسود هو جزء من أركان الكعبة المُشرَّفة الأربعة، يُحاذي في موقعه الرُّكن اليمانيّ؛ حيث يقع في النّاحية الشرقيّة منه، والحجر الأسود مُكوَّنٌ من خمسة عشر حجراً مُقسَّمةً على أقسام؛ منها الصّغيرة جدّاً، أمّا أكبرها فيبلغ حجمه حجم حبّة تمر، وتظهر من هذه الأحجار للعيان ثمانية أحجارٍ فقط، أمّا بقيّة الأحجار السّبع، فقيل: إنّها تدخل في بناء الكعبة المُشرّفة، وقيل: بل هي مُغطّاة بمادّةٍ من المعجون المُكوَّن من العنبر الممزوج بالشّمع والمِسك، وتقع تلك الأحجار أعلى الحجر الأسود؛ حيث يُمكن للذي يقصد البيت بغيةَ الطّواف به سواءً كان حاجّاً أو مُعتمِراً رؤيتُها عند تقبيله الحجر.
يبلغ ارتفاع الحجر الأسود عن سطح الأرض ما يُقارب المتر ونصف المتر، والحجر الأسود هو من أحجار الجنّة وياقوتها، كان لونه قبل أن ينزل إلى الأرض أبيض مُتلألِئاً، فطمس الله نورَه، وقد ثبت ذلك من حديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يرويه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الحِجرَ والمقامَ ياقوتتانِ من ياقوتِ الجنةِ، طمس اللهُ نورَهما، ولولا ذلك لأضاءَا ما بينَ المشرقِ والمغربِ)، ممّا يدلُّ على أهميّة الحجر الأسود وقيمته ومكانته في الإسلام، وسبب بدء المُعتمر والحاجّ وغيرهما من زُوّار بيت الله بالطّواف به.
يعود أصل الحجر الأسود وموطنه الأصليّ إلى الجنّة؛ فقد كان من حجارتها ثمّ نزل إلى الأرض، فقد رُوِي أنّه لما شرع سيّدنا إبراهيم -عليه السلّام- ببناء الكعبة المُشرَّفة، جاءه به جبريل من السّماء؛ ليوضَع في موضعه من البيت حسبما اقتضت مشيئة الله، وقيل: بل جاء به جبريل من الهند حيث كان آدم قد أنزله من الجنّة لمّا أُهبِط منها؛ حيث يروي موسى بن هارون عن عمرو بن حماد قال: حدّثنا أسباط، عن السديّ قال: (فانطلق إبراهيم حتّى أتى مكّة، فقام هو وإسماعيل وأخذا المعاول، لا يدريان أين البيت، فبعث الله ريحاً يُقال لها ريح الخجوج، لها جناحان ورأس في صورة حيّة، فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأوّل، واتبعاها بالمعاول يحفران، حتّى وضعا الأساس، فذلك حين يقول: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ)، فلمّا بنَيا القواعد فبلغا مكان الرّكن، قال إبراهيم لإسماعيل: يا بنيّ، اطلب لي حجراً حسناً أضعه هاهُنا، قال: يا أبتِ، إنّي كسلان تعِب، قال: عليّ بذلك، فانطلق فطلب له حجراً فجاءه بحجر، فلم يرضَه، فقال: ائْتِني بحجر أحسنَ من هذا، فانطلق يطلب له حجراً، وجاءه جبريل بالحجر الأسود من الهند، وكان أبيض، ياقوتةً بيضاءَ مثل الثّغامة، وكان آدم هبط به من الجنّة فاسودّ من خطايا النّاس، فجاءَه إسماعيل بحجرٍ فوجدَه عند الرّكن، فقال: يا أبتِ، مَن جاءك بهذا؟ فقال: مَن هو أنشط منك! فبَنياه).
كما رُوِي عن خالد بن عرعرة أنّ رجلاً قام إلى عليّ، فقال: (ألا تُخبِرُني عن البيت؟ أهُوَ أوّل بيت وُضِع في الأرض؟ فقال: لا، ولكن هو أوّل بيت وُضع فيه البركة، مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمناً، وإن شِئْت أنبأتُك كيف بُنِي: إن الله أوحى إلى إبراهيم أن ابنِ لي بيتاً في الأرض، قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعاً، فأرسل الله السّكينة ولها رأسان، فأتبع أحدهما صاحبه حتّى انتهت إلى مكّة، فتطوّت على موضع البيت كتطوّي الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقرّ السكينة، فبنى إبراهيم وبقي حجر، فذهب الغلام يبغي شيئًا، فقال إبراهيم: لا! ابغني حجراً كما آمرك، قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجراً، فأتاه فوجده قد ركّب الحجر الأسود في مكانه، فقال: يا أبتِ، من أتاكَ بهذا الحجر؟ قال: أتاني به من لم يتّكل على بنائك، جاء به جبريل من السّماء، فأتمّاه).
تعرّض الحجر الأسود للعديد من المُحاولات الخبيثة التي هدفت إلى سرقته، وانتزاعه من الكعبة المُشرَّفة، ونقله إلى أماكن أخرى؛ طمعاً بمعدنه النّفيس، وتشكيلته الفريدة، ومواصفاته التي لا مثيل لها على وجه الأرض، لكنّ قُدرة الله وحِكمته حالت دونَ ذلك في تلك المحاولات جميعها، ومن الأحداث التي مرّت بالحجر الأسود ما يأتي:
موسوعة موضوع