معلومات عن الكتابات القديمة في منطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
معلومات عن  الكتابات القديمة في منطقة الجوف في المملكة العربية السعودية

معلومات عن  الكتابات القديمة في منطقة الجوف في المملكة العربية السعودية.

 
تتميز منطقة الجوف بكثرة الكتابات القديمة التي تنتشر في عدد كبير من مواقعها، وتتركز معظم تلك الكتابات في المنطقة المحيطة بمدينة سكاكا ومدينة دومة الجندل في الطرف الجنوبي لوادي السرحان، وكذلك حول المراكز السكنية في شمال وادي السرحان بالقرب من إثرة وكاف.
 
كان لموقع منطقة الجوف الإستراتيجي المميز دور في اتخاذه من قِبل عدد من القبائل العربية سكنًا وموطنًا لهم، فقد كانت تلك المنطقة الجسر الذي انتقلت عبره التأثيرات بمختلف جوانبها الحضارية من وإلى شبه الجزيرة العربية، وتحديدًا مع حضارات بلاد الرافدين والشام؛ لذا فلا غرو أن نجد أقلامًا عربيةً متعددة منتشرة في هذه المنطقة، مثل: النصوص المعروفة بالنقوش الثمودية، والنصوص النبطية، والصفوية، وثلاثة نصوص أخرى، الأول: كُتب بالخط المعيني، والثاني بالخط الآرامي الدولي، على حين جاء الثالث بالقلم التدمري.
 
وجاء الكشف عن هذه النصوص من خلال رحلات قام أصحابها بأعمال ميدانية أثمرت عن العثور على عدد من هذه النصوص العربية، وقد تكونت الرحلة الأولى من الكندي ونيت (Winnett)، والأمريكي ريد (Reed) اللذين زارا المنطقة خلال أواخر الستينيات من القرن الماضي، وأثمرت زيارتهما الميدانية عن دراسة عدد من النصوص العربية القديمة  ،  كانت على النحو التالي: واحد وستون نقشًا ثموديًا وعشرون نصًا نبطيًا. على حين كان هناك نص واحد كُتب بالقلم المعيني، وآخر بالقلم التدمري. أما الرحلة الثانية فكانت بعثة رسمية عن طريق وكالة الآثار والمتاحف. وقد أشارت البعثة إلى تسجيلها ما مجموعه تسعمائة وسبعة وستون نقشًا  .  أما الرحلات الأربع الأخرى فقام بها الباحث خليل المعيقل الذي قام بإجراء أربع زيارات ميدانية، أولاًها كانت في عام 1406هـ / 1986م أثناء مسحه المواقع الآثارية التي ضمّنها بحثه للدكتوراه  ،  فقد تمكن خلال هذا المسح من تسجيل ما يزيد على أربعمائة وخمسين نقشًا ثموديًا وحصرها  .  كما تمكن خلال زيارته الميدانية السكانية في العام 1412هـ / 1991م من كشف ما مجموعه تسعة وستون نقشًا نبطيًا  
 
أما الرحلة الثالثة فكانت عام 1417هـ / 1996م، وتم خلالها الكشف عن موقع أم سحب الأثري ونقوشه الصفوية البالغة ستة عشر نقشًا  .  وآخر هذه الرحلات كانت عام 1423هـ / 2002م بمرافقة الباحث الأمريكي ديفيد جراف، وقد أسفرت عن إعادة حصر النقوش النبطية، وتصويرها، واكتشاف نقش يوناني. 
 
ويشبه الاطلاع على هذه النصوص مجتمعة مشاهدة بانوراما متعددة الألوان، تنقلك من حقبة أو مرحلة إلى أخرى من دون أن تشعر بالملل، بل يوحي لك هذا الاطلاع بترابط الأحداث، وهو ما وجدناه في هذه المجموعة من النقوش العربية القديمة التي جاءت من منطقة الجوف مشكّلة انعكاسًا لأنشطة المجتمعات التي كتبت بهذه الأقلام. فهذه النصوص تؤكد أن التاريخ الحضاري المكتوب (المدون) لمنطقة الجوف يعود إلى ما بين القرنين السابع قبل الميلاد والثالث أو الرابع الميلادي، وأن أزهى عصور الجوف الحضارية كانت فيما بين القرنين الأول قبل الميلاد والثاني الميلادي، فعدد النصوص المنشورة حتى يومنا الحاضر يبلغ خمسمائة وخمسة وثلاثين نقشًا، أكثرها بالقلم الثمودي، كما في الشكل
 
وبهذا تكون نسبة النقوش الثمودية إلى بقية النقوش أكثر من 75%، في حين جاءت النصوص النبطية بنسبة 12.90%. وقدمت لنا هذه النقوش القديمة مجتمعة معلومات تفصيلية دقيقة عن أنشطتهم وواجباتهم الاجتماعية، مثل: أسماء الأعلام الشخصية، وأسماء الآلهة، والقبائل... إلخ، ويبين الجدول الآتي هذه المعلومات:
 
وأخيرًا، وقبل أن ننتقل إلى النقوش، يجب التنويه إلى أن هذه النصوص قد جاءت من ثلاثة وعشرين موقعًا، كما هو موضح في الجدول التالي .
 
ونستعرض هنا باختصار نصوص الجوف القديمة مبتدئين بالنص الأقدم تاريخيًا:
 
أ - النصوص الثمودية:
 
أطلق الدارسون على هذه النوعية من الكتابات اسم النقوش الثمودية استنادًا إلى ظهور لفظة هـ ث م د في ستة نصوص ثمودية  ؛  فسرت بأنها تعني (الثمودي)  ،  فالهاء هنا هي أداة التعريف. وعلى الرغم من صعوبة القبول بهذه التسمية - لأنها تسبب خلطًا - بين ثموديي القرآن الكريم، وأصحاب هذه الكتابات، إلا أن المهتمين بهذه النقوش درجوا على استخدام اصطلاح الكتابات / النقوش الثمودية، وذلك لتمييزها عن بقية النقوش والكتابات الأخرى.
 
ونظرًا لطول الفترة الزمنية التي ظل فيها هذا الخط متداولاً بين القبائل العربية، التي تزيد على الألف عام، فإننا نرى أن النقوش الثمودية تنقسم إلى ثلاث مجموعات (مراحل)   أساسية، هي:
 
 الثمودي المبكر الذي استخدم خلال القرنين الثامن أو السابع قبل الميلاد إلى القرنين الثالث أو الثاني قبل الميلاد.
 
 الثمودي المتوسط، أو الانتقالي بين الثمودي المبكر والمتأخر، ويعود إلى الفترة الواقعة بين القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي.
 
 الثمودي المتأخر، وبدأ استخدامه في نهاية القرن الأول قبل الميلاد أو الأول الميلادي إلى نهاية القرن الرابع الميلادي  . 
 
ونركز هنا على النصوص الثمودية المنشورة من منطقة الجوف التي بلغت حتى الآن أربعمائة وخمسة نصوص، جاءت من ستة عشر موقعًا. وقد تبيَّن من دراسة هذه المجموعة أنها تعود إلى الفترات الزمنية الثلاث المذكورة أعلاه، فثمان من هذه النصوص تعود إلى الفترة الثمودية المبكرة، على حين تبين أن واحدًا وسبعين منها تعود إلى الفترة الثمودية المتوسطة. أما بقية النصوص فهي من الفترة الثمودية المتأخرة، كما يوضح توزيع النسبة المئوية في الشكل .
 
شهدت الفترة الواقعة بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثالث الميلادي استقرارًا مكثفًا للقبائل الثمودية. فقد شهدت منطقة الجوف في الفترة نفسها استيطانًا عربيًا مكثفًا وازدهارًا اقتصاديًا واضحًا  .  وبالإضافة إلى ذلك فقد قدمت لنا هذه النصوص معلومات دقيقة عن ثموديي الجوف، منها: أربعمائة وأربعة وستون علمًا، وقد ورد منها مئتان وخمسة عشر علمًا في النقوش الثمودية للمرة الأولى. في حين كان مجموع المفردات والألفاظ مائة وأربعًا وسبعين مفردة، منها: اثنتان وثمانون مفردة تأتي للمرة الأولى في النقوش الثمودية. أما أسماء الآلهة والأمكنة والقبائل فقد بلغت تسعة وعشرين علمًا، جميع أسماء الأمكنة، وثمان من أسماء القبائل تظهر للمرة الأولى في النقوش الثمودية، أما بالنسبة إلى أسماء الآلهة فإنها كانت معروفة في نقوش ثمودية أخرى.
 
عكست هذه المجموعة بعض المفاهيم الاجتماعية والعلاقات الإنسانية المتعددة التي مارسها ثموديو الجوف، ولعل من النصوص التي تبرز هذه المفاهيم نصان: أولهما جاء من موقع القلعة  ، الواقع على بُعد خمسة كيلومترات إلى الشمال من سكاكا، وثانيهما جاء من موقع الطوير، أما النص الأول فيقرأ على النحو الآتي:
 
هـ ر (ض) و هـ ب ل أ ف ف م ض و ع ر
 
يا (الإله) رضو أنـزل على أُفْف أوجاعًا وعارًا  . 
 
ولأن الكاتب أغفل - وهي حالة نادرة الحدوث في هذه النوعية من النصوص - الإشارة إلى شخصيته، فقد يدل هذا على أن أُفْف كان ذا مكانة في مجتمعه؛ إما واليًا على المنطقة أو شيخًا لقبيلة محلية أو رجلاً يقود مجموعة من الأشرار درجت على السلب والنهب سواء أكان واليًا أم قائدًا لمجموعة من قُطّاع الطرق فقد عُرف ببطشه وظلمه للآخرين.
 
ولهذا قام كاتب هذا النص القصير تعبيرًا عن سخطه وغضبه من أَفْف، بالدعاء للإله الثمودي المعروف (رضو)، أن ينـزل الأمراض والعار عليه من دون أن يشير إلى اسمه خوفًا من بطشه وانتقامه، وإن صح الاحتمال الأول في أن أُفْف كان واليًا أو شيخًا لقبيلة محليةً، فإن هذا النص القصير يُعَدُّ من أوائل النصوص العربية القديمة ذات المدلول السياسي من منطقة الجوف. وأما النص الثاني الذي يقرأ هكذا: 
 
ل أ ك ي ب ن ر ت ي و ر ع ي و د ح ل ع م ن و خ ل س ف ل ت م و ل
 
بوساطة أكي بن رتي وراعى، ثم دَخَلَ عَمان، وخَلَس (سَرَق)، فيا للات الغنى  . 
 
فتأتي طرافته في موضوعه والحدث الذي تضمنه، فقد أشار أكي؛ إلى دخوله مدينة عَمان، حيث قام باختلاس شيء، فَضَّل عدم ذكره في نصه. واللافت للانتباه أن أكي لم يتردد في الدعاء للربة المعروفة عندهم آنذاك، (اللات) أن تغنيه وتحقق آماله بعد أن قام بعملية السرقة (الاختلاس). وهو ما يشير إلى أحد أمرين، الأول: أن السرقة والاختلاس عند الثموديين يُعَدَّان من الأمور المألوفة غير المستنكرة، تمامًا مثل الغزوات التي كانت تدور بين القبائل العربية قبل الإسلام. والثاني: أن أكي على الرغم من استخدامه الفعل (خ ل س)، الذي يعني (سَرَقَ)، إنما استرد شيئًا قام أحدهم بسرقته منه ثم استعاده. لكن أهم ما يؤكده هذا النص القصير هو قوة العلاقة بين الجوف وعمان قديمًا وحديثًا، حيث كان ثموديو الجوف يشدّون الرحال إلى عمان للسرقة والاختلاس قديمًا، أما اليوم فإنهم يشدُّون إليها الرحال للاستجمام والعلاج.
 
ولنترك المعارضة السياسية والغزوات جانبًا لنشير إلى مفهوم اجتماعي راقٍ، فمجتمع الجوف لم يكن يختلف عن المجتمعات الأخرى سواء المعاصرة له أو اللاحقة في بث رسائل شخصية عبّرت عن مشاعر مختلفة بين بعضهم نحو علاقات الصداقة التي عبّر عنها الثمودي بلفظة ت ش و ق، (اشتاق)، من خلال عدد من النصوص، لعل من أهمها:
 
1. ل ض ع ن و ت ش و ق ح ج ي
 
بوساطة ظاعن، واشتاق إلى حاجي  . 
 
2. ل ج ر م و ث ش (و) ق ا ل س ل م ت ب ن ت س ح م ت
 
بوساطة جَرْم بن هَرْم واشتاق لسلمة بنت سحمة  
 
3. ل ز د ب ن أ ف ل و ث ش و ق ا ل ش ذ ر ت ب ن ت ب ع ث
 
بوساطة زَيْد بن أَفْل واشتاق إلى شذرة بنت بِاعْث  
 
4. ل ط ي ب و ث ش و ق ت ا ل ح م ي و
 
بوساطة طيبة واشتاق إلى حمي  . 
 
أما النصان اللذان يقرآن على النحو الآتي:
 
1. هـ ر ض و و ن هـ ي و ع ث ر س م ن س ع د ن ع ل و د د ي
 
يا رضو ونهي وعثر سمن (عثتار السماء، الجنة) ساعدونن على حبي وعشقي  
 
2. ل أ ف ل ب ن ع هـ ن و ث ش و ق ف ك ت م س ل ع م (و د د هـ)
 
بوساطة أَفْل بن عَهْن واشتاق، فكتم نار حبه (عشقه)   
 
فصاحب النص الأول الذي أخفى شخصيته وشخصية محبوبته وجه دعاءه إلى ثلاثة آلهة ليساعدوه كي لا يتحول حبه إلى حقد ورغبة في الانتقام؛ لهذا دعا الآلهات الثلاثة أن يعينوه على بقاء حبه حبًا صادقًا. ولا يختلف النص الثاني في مفهومه عن الأول، فيما عدا أن الكاتب قد كشف عن شخصيته. وعرّفتنا هذه النصوص على مظهرٍ اجتماعي؛ وهو متانة الصلات بين أفراد العائلة الواحدة التي يمكن وصفها بأنها صلة للرحم وبر بالوالدين.
 
1. ل ي د ع ب ن و هـ ب و ت ش و ق ل أ ب هـ
 
بوساطة يادع بن وَهْب واشتاق لأبيه  . 
 
2. ل ج ر م و ث ش و ق ل و هـ ب ل هـأ خ هـ س ل م
 
بوساطة جَرمْ واشتاق لوَهَب الله أخيه سَالِم   (يا لله) السلامة
 
3. ل ز د و ث ش و ق ا ل أ خ ت هـ س هـ ا ل
 
بوساطة زَيْد واشتاق لاخته س هـ إل  . 
 
4. ل ش ك م ب ن ث ب ر ذ ا ل ع م ر ت و ث ش و ق ا ل ب ن ا خ ت هـ
 
بوساطة شَكْم بن ثَابر من قبيلة عمرة، واشتاق إلى ابن اخته 
 
ومع علمنا بصعوبة إبراز جميع الجوانب الحضارية لمضامين هذه النصوص في هذه العجالة، إلا أننا نعتقد أنه من الضروري الإشارة إلى ثلاثة نصوص تقرأ على النحو الآتي:
 
1. ل س ل م ب ن س ن هـ و ن ث ل ب م ث غ د
 
بوساطة سَالِم بن سنه، ورَوث (نَثَل) بأرض خضراء  . 
 
2. ل ع ذ ر و ث ش و ق ا ل ت ر ن و خ ل هـ ب ج ش م ح ر ب
 
بوساطة عذار وتمنى (رَغب في) امرأة لعوب (فاجرة) وخمرة في قلب هذه الأرض القاحلة الغليظة  . 
 
3. ل م شْ يْ ب ن ر ع و ل ك ت و ن أ س و أ س ي و خ ل ف و ن ز ف
 
س ن ت ض م ن ع ل ذ م ر
 
بوساطة مشي بن رَاع، مَرضتُ، وأقام وعالج وزَال المرض سنة الوباء على مدينة ذمار  . 
 
فالنص الأول، إن صحت قراءته، يدل على أن سَالِم يُعَدُّ من الأوائل الذين أثبتوا على أنفسهم العبث بالبيئة، ففعلته هذه لا يفترض أن تكون على أرض خضراء. أما النص الثاني فيشير إلى أن كاتبه عذار كان مكلفًا بحراسة الطريق التجاري أو مراقبته، وفي لحظة ما - كما يحدث لجميع الجنود الذين يمضون وقتًا طويلاً في مهمات ميدانية نائية - تمنى ساعة فرح ومرح تشاركه فيها امرأة لعوب وخمرة. في حين يبين النقش الثالث حدوث وباء اجتاح مدينة ذمار، وكان (مشي) من هؤلاء الذين أصابهم هذا المرض العضال، لكنه بمعالجته تمكن من الشفاء.
 
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى التأكيد أن هذه المجموعة لا تختلف عن النصوص الثمودية الأخرى المنتشرة تقريبًا في كل بقعة من بقاع بلادنا الغالية، من حيث بداياتها، فهناك النص الذي يبدأ باسم الإشارة، وآخر بالأداتين: اللام، و م ن، وهناك النصوص التي بدأت بضمير المتكلم أو بلفظة و د د، و و د د ف، "تحيات"، "تحيات لِ" وهذه أمثلة على ذلك:
 
1. ز ن
 
ن ص ر هذا ناصر
 
2. م ن
 
ع ج ج بواسطة عجاج
 
3. أ ن
 
ر ح ل أنا رَاحل (أنا رحّال)
 
4. ل س ل م ب ن ع ب د بواسطة سَالِم بن عَبْد  
 
5. و د د ف أ س ل هـ تحيات لأوس الإله  
 
ب - الكتابات الآرامية الدولية:
 
هي الكتابات التي ظهرت في الفترة الفارسية، وسُمّيت بذلك لانتشارها الواسع آنذاك  .  ويمكن مقارنتها باللغة الإنجليزية في الوقت الحاضر، فهي لغة التخاطب بين مختلف الأجناس، وكذلك كانت اللغة الآرامية الدولية. ولم يُعثر في منطقة الجوف إلا على نص وحيد كُتب بالقلم الآرامي الدولي  .  ونحن نعتقد أن القراءة المعطاة لهذا النص (انظر أدناه) غير مرجحة لعدة أسباب، لعل من أهمها أن النص الذي نُقل في عام 1344هـ / 1925م من شخصين عربيين قد قُرئ من تشارلز توري (Ch. Torrey)، قراءة أقرب إلى التحرير منها إلى الواقع  .  وهذه القراءة كانت على النحو الآتي:
 
1. ع ر ف ن ب ر م ع ن ي ب ن أ أ ي س أ د ن هـ
 
2. ع ل س ف س ن ت ت خ ر ب ح ر أ ف ن و ي س أ
 
3. و د ع ي ف ش د ر و ن ق د ن و ي س ت هـ و ن ع ل
 
4. م ن ي ن ف ن ف ر ع ل ي ح ي ل ج ش م ب ر س ل م و
 
5. ل د أ ب أ د ن هـ
 
1. عَرْفان بن معني بَنَى الجدار هذا
 
2. في نهاية (ال) سنة التي دُمرت (ضُربت) فيها مدينة حر، وكذلك الهيكل
 
3. وعَمل وصفف ونظف هيكلهم (من) الحجارة، كما هو
 
4. موضح (مُرقم). واتجه إلى (قائد) القوة جَشم بن سَالِم
 
5. لعمل هذا
 
ويتبين من الأعلام الشخصية الواردة في النص نحو عَرفْان، وجَشْم، وسَالِم، عروبة أصحابه لكنهم ارتأوا استخدام القلم الآرامي الدولي لانتشاره الواسع في ذلك الوقت. والواقع أن جزءًا من مشكلة دراسة النقوش الدولية (الإمبراطورية) يكمن في أنها لغة لم تكن مرتبطة بشعب أو أمة واحدة أو جنس واحد، فمعظم نقوش هذه المرحلة لم تكتب من الآراميين أنفسهم، بل كُتبت من أقوام وأمم أخرى، مثل: الآشوريين، والفرس، واليهود، والعرب. لذا فإن تحديد الموقع الأصلي للنقش يتم عن طريق دراسة أسماء الأعلام الشخصية، أو أعلام القبائل، أو الأمكنة، أو الآلهة  ؛  بالإضافة إلى الأخطاء اللغوية التي يرتكبها كاتب النقش غير الآرامي، مثل: النقوش الآرامية التي جاءت من الهند وكانت مليئة بالأخطاء اللغوية  . 
 
ج - النقوش المعينية:
 
هي الكتابات التي تنسب إلى مملكة معين في جنوب شبه الجزيرة العربية، والتي على الأرجح تعود إلى ما بين القرنين الخامس والأول قبل الميلاد  .  وعلى الرغم من وجود جالية معينية عملت واستوطنت العلا؛ للازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي اللذين كانت تتمتع بهما منطقتا وسط الحجاز وشمالها آنذاك. ومع هذا الظهور الواضح للمعينيين ونقوشهم في العلا  ،  إلا أننا لم نتمكن من العثور إلا على نص واحد جاء من مدينة دومة، يتكون من سطرين، الثاني منهما غير مقروء، ويقرأ النص على النحو الآتي:
 
م ع (د) ب ن م ر ض (ع) مُعْد بن مرضع
 
.... س ب ن م...... س بن م  .... 
 
د - النقوش النبطية:
 
هي الكتابات التي تعود إلى القبائل العربية المعروفة باسم الأنباط  ،  وتعود إلى ما بين أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، والرابع الميلادي  .  ويمكن الاستدلال من كمية النقوش النبطية التي عُثر عليها في المنطقة على أنها قد عُدّت من قبل الأنباط جزءًا مهمًا من مملكتهم. فقد وصل عدد النصوص المعروفة حتى الآن إلى تسعة وستين نقشًا نبطيًا جاءت من أحد عشر موقعًا.
 
وكما عكست النصوص الثمودية عددًا من المفاهيم الاجتماعية، فإن النصوص النبطية أعطت صورة أشمل وأعم عن أنباط منطقة الجوف، إذ أظهرت هذه المجموعة من أسماء الأعلام مثلاً: واحدًا ومئة. منها خمسة وثلاثون تُعرف للمرة الأولى في النقوش النبطية، نحو رَاكع (ر ك ع و)، سَلِيم (س ل ي م)، كَلْب (ك ب و)... إلخ  .  كما ورد خمس وخمسون لفظة ما بين فعل، واسم، وحروف جر وعطف، منها: أربع مفردات تعرف للمرة الأولى، وهي: اي، "نعم"، ك ف ر أ "النظيف"، م ط ي ب ن ا "الكاتب العسكري"، أ س ف "أضاف"  .  وقد أظهرت هذه المجموعة عبارات واصطلاحات جاءت للمرة الأولى نحو عبارة ب ل ي و أ ي ذ ك ي ر...، "بلى ونعم (ل) ذكرى... أو الاصطلاح الذي يُعرف للمرة الأولى في النقوش النبطية وهو: ل ن ف س ه و ل ب ن و هـ ي و ل و ل د هـ... "لنفسه ولأبنائه ولأولاده...". وقد تضمنت أربعة نصوص مؤرخة: أحدها يعود إلى فترة حكم الملك النبطي ر ب إ ل الثاني الذي حكم بين 70 - 106م، ونصان يعودان إلى فترة حكم الحارث الرابع 9 ق.م - 40م، الأول منهما يعود إلى السنة الثالثة عشرة من حكمه، أما الثاني فيعود إلى السنة الخامسة والثلاثين. وآخرهم نص يعود إلى حكم الملك النبطي مالك الثالث 40 - 70م. وهذه النصوص المؤرخة تدل على أن الوجود النبطي الرسمي في المنطقة كان خلال القرنين الأولين الميلاديين. وغالبية هذه النصوص من الصنف التذكاري القصير وقد كتب معظمها أفراد يعملون في القطاع العسكري، إذ تكررت مرارًا ألفاظ عسكرية، مثل: ه ف ر ك أ "القائد"، ف ر س ا، "الفارس"، ف ر س ي ا، "الفرسان". والنقوش التذكارية هي التي تبدأ في الغالب بالصيغ الآتية: ب ل ي أ و ذ ك ي ر أو س ل م + اسم علم + اسم البنوة + اسم علم + (أحيانًا) اسم الوظيفة+ (أحيانًا) لفظة ب ط ب + س ل م، نحو الأمثلة كما في الجدول .
 
ولعل من النصوص التذكارية اللافتة للانتباه النص الذي جاء من قارة المزاد، ويقرأ كالآتي:
 
ب ل ي و أ ي ذ ك ي ر أ س د ف و ح
 
ب ر ت هـ أ م.... ق د م س ل م ن
 
بلى ونعم ذكرى أسْدفوح (ل)
 
بنته أم (من) أمام (الإله) س ل م ن  
 
ذكر فيه (أسدفوح) - وهو علم يعني "تنفس الأسد" - إلاّ أنه تذكر ابنته ودعا لها أمام الإله س ل م ن، الذي عُدَّ عند اللحيانيين إلهًا للقوافل، وأنيطت به أيضًا حماية القبور. وإن صحت القراءة المعطاة لهذا النص، فهو يدل على إيمان الأنباط بأهمية الدعاء للمتوفى، خصوصًا أمام الإله أو في معبده. وبما أن الحديث عن النصوص ذات العلاقة بالآلهة، فنذكر هنا النص الذي عُثر عليه في جبل أبي قيس، المكتوب من شخص عدّ نفسه كاهنًا، وهو يقرأ كما بالجدول .
 
ولأن مجمل هذه النصوص خُطَّ من قِبل أفراد يعملون في القطاع العسكري، نشير إلى نص قصير خُصص لتحيات قائد عسكري، كُتب من قِبل أحد أفراد الفرقة العسكرية (جندي). ويقرأ النص كالآتي:
 
ب ل ي و أ ي س ل م م ن ت و ب ر ح ر م و ن
 
هـ ف ر ك أ و ف ر س أ ب ط ب أ س د و ك ت ب ي هـ
 
بلى ونعم تحيات طيبة (لِ) منتو بن حرمون
 
القائد والفارس. كتبه اَسْد  
 
وهي نصوص ليست تذكارية فحسب، بل بعضها قبورية ومعمارية التصنيف. فبالنسبة إلى النصوص القبورية فإن أفضل نص يمثلها هو النص الذي لا يزال حتى يومنا الحاضر موجودًا في أحد أزقة الحي السكني القديم بدومة الجندل. وهو مكتوب على حجر تبلغ أطواله 64سم طولاً و 14سم عرضًا، لكن هذا النص المكون من ثلاثة أسطر بدأ يفقد تدريجيًا البقية الباقية من حروف كلماته؛ بسبب عوامل التعرية. وهو مكتوب داخل إفريز، ويشابه في أسلوب كتابته النقوش النبطية الجنائزية، التي تعود إلى فترة حكم الحارث الرابع الموجودة في المواقع التي سيطر عليها الأنباط، خصوصًا في الحِجْر، وتتمثل أهمية هذا النقش في أنه واحد من النصوص المؤرخة، فهو يعود إلى السنة الخامسة والثلاثين من حكم الحارث الرابع، الذي تولى الحكم سنة 9 ق.م حتى 40م؛ ما يعني أن النقش يعود إلى سنة 27م، بالإضافة إلى أن صاحب النقش قد ذكر سلالته، وهو أمر غير مألوف في النقوش النبطية، تقريبًا إلى الجد السابع؛ ما يرجح وصول هذه العائلة إلى سنة 150 - 125 ق.م وهو يقرأ على النحو الآتي:
 
1. ب ن هـ ق ب ر أ د ي (ب) ن ه س ل ي م و
 
ب ر م ي ن و ب ر ش ل م و ب ر م ن و ×× ب ر م و ز ي ب ر ت ي م و ل ن ف س هـ و ل ب ن و هـ ي
 
2. ل و (و) ل (ي) ل د هـ أ خ ر هـ ع ل م ع د ع ل م ب ي ر خ
 
س ي و ن س ن ت ث ل ث ي ن
 
و خ م س ل ح ر د ت م ل ك ن ب ط و ر ح م ع م هـ
 
3. و س ل ي م و ب ر ××× ب ر س ل م و (ع ب د) ل أ س ل م د
 
× ل × × أ أ
 
1. هذا القبر الذي بناه سَلِيم بن سَالِم بن مينو بن سَالِم بن م ن و ×× بن موزي بن تَيْم لنفسه ولأبنائه.
 
2. ل × ولأولاده (و) أحفاده إلى أبد الآبدين في شهر سيون، سنة خمس وثلاثين (من حكم) حارث ملك نبط، محب شعبه.
 
3. سَلِيم بن ××× بن سَالِم عمله يا (الله) اسلام د × ل × أ أ  
 
وبالنسبة إلى النصوص المعمارية فإن أهمها ما عُثر عليه في مدينة دومة الجندل، المكون من خمسة أسطر، وفيه يتحدث صاحبه مَالِك الكاهن (العراف) عن قيامه بترميم مع إضافة تحسينات على المعبد (م ح ر م ت أ) المبني في الأصل من قِبل غَانم رئيس الحامية العسكرية (المعسكر العسكري) بدومة الجندل لكي تقام فيه الطقوس الدينية الخاصة بالإله (ذو الشرى). وهو يقرأ كالآتي:
 
1. د أ م ح ر م ت أ د ي ب ن هـ غ ن م و ر ب
 
2. م ش ر ي ت ا ب (ر د) م س ف س ل ذ و ش ر أ إ ل هـ
 
3. ج ي أ أ د ي ب (د و م) ت و ح د ث ي ت هـ و أ و س ف
 
4. ب هـ م ل ك ف ت و ر أ د ي ب د و م ت ب ر ح ز ا
 
5. ب س ن ت خ م س ل م ل ك و م ل ك أ م ل ك ن ب ط و
 
1. هذا المعبد الذي بنى غَانم رئيس
 
2. المعسكر (الحامية) بن د م س ف س لذو شرى إله
 
3. ج ي أ أ بدومة، وحَدَثَ وأَضَاف
 
4. إليه مَالِك العَراف الذي بدومة بن حزأ
 
5. (وذلك) بسنة خمس (من حكم) الملك مَالِك ملك بنط  
 
هـ - النقوش التدمرية:
 
وهي النقوش العربية التي تنسب إلى مدينة تدمر العريقة، ولم يظهر في منطقة الجوف سوى نقش واحد بالقلم التدمري، قام الفرنسيان ملِك وستاركي، على الرغم من فقدان معظم كلماته، بمحاولة قراءته وكانت على النحو الآتي:
 
(ب ي ر خ) س ي و ن في شهر سيون
 
س ن ت (4)   58 سنة 485
 
(ذ ك ي ر) ب ج ش و ب ر ذكرى طيبة لبْجَش
 
ج م ل أ (ب ر) ج م ل أ بن
 
... س ع د ب ط ب   سَعْد ابنه نقش
 
وإن صحت القراءة، فهو نقش جنائزي أشار فيه الابن إلى ذكرى والده بجش بن ج م ل أ.
 
و - النقوش الصفوية: 
 
يطلق بعض المشتغلين بالكتابات العربية القديمة على هذه الكتابات اسم (مصطلح) النقوش / الكتابات الصفوية  .  وعلى الرغم من ندرة الأعمال المسحية، فقد نُشر ثمانية وخمسون نصًا صفويًا جاءت من ستة مواقع  .  وقدمت هذه المجموعة من النصوص مائة وسبعة أعلام شخصية. في حين كان مجموع المفردات والألفاظ ثمانية وعشرين. أما أسماء الآلهة والقبائل فبلغت أحد عشر علمًا، وكان هناك سبعة أعلام لمواقع جاءت في هذه النصوص أيضًا للمرة الأولى.
 
ومن دراسة هذه المجموعة أمكن تصنيفها إلى الأقسام الآتية:
 
1 - نصوص دُعائية:
 
هي النصوص التي تضمنت الدعاء للإله، وقد دعا كاتب أحد هذه النصوص الإله في نصه بالسّلامة والرحمة لشخص آخر. ويقرأ ذلك النص على النحو الآتي:
 
1. بوساطة رَاجح بن بلقت من قبيلة × ش ج، وبنى (رجمًا) على ذَئْب.... (أضمن له) سلامًا وأمنًا (رحمة)  
 
ويعد هذا النص من النصوص اللافتة للانتباه، حيث دعا فيه راجح الآلهة لصديقه أو قريبه بالأمن (السلامة) والرحمة، بعد أن وَضَع على قبره رجمًا. وهو يلقي الضوء على جانب من الفكر والمعتقد الديني، الذي كانت تؤمن به القبائل الصفوية في منطقة الجوف، وهو اعتقادهم بالحساب بعد الموت - أي فيما بعد البعث - تمامًا كما كان سائدًا ومعروفًا، آنذاك، عند شعوب بلاد الرافدين والمصريين القدماء وغيرهم.
 
2 - النصوص التذكارية:
 
على الرغم من أن هذه النصوص، التي تعد نصوصًا تذكارية، لا تتضمن الاصطلاحات الدالة على ذلك، مثل: و د د، "تحيات"، و د د ف، "تحيات لِ"، و د "تحيات"، التي تأتي خصوصًا في بداية النصوص المكتوبة بالقلم الثمودي، إلاّ أن النقش التذكاري، في النقوش ذات القلم الصفوي، هو في تصورنا الذي يتضمن لام الملكية، بالإضافة إلى صاحب النقش واسم أبيه، وأحيانًا اسم جده وقبيلته، مثل:
 
1. ل ع ذ ر ب ن م ل ك ت بوساطة عاذر بن مَالِكة
 
2. ل س و ر ب ن ش ر ف
 
بوساطة سَّوار بن شَرْف  
 
3 - النصوص الجنائزية (القبورية): 
 
وهي في هذه المجموعة ليست النصوص التي تتضمن الفعل ق ب ر، "قَبَر"، الذي عُرف في نصوص صفوية أخرى  .  بل التي تضمنت الفعل ب ن ي، "بنى (رجمًا) "، على سبيل المثال النقوش الآتية:
 
1. بوساطة أَنْعم بن متي وبَنَى (رجمًا)  
 
2. بوساطة أَذَيْنة بن مَحْل وبَنى (رجمًا)
 
3. بوساطة مُسْعَد بن عَوْف وبَنى (رجمًا)  
 
4 - نصوص الملكية: 
 
وهي النصوص التي تتضمن اسم الشخص، وتحديد ما يملكه صاحب هذا النقش من مزرعة، أو بئر، أو أرضٍ، أو أي نوع من الحيوانات...إلخ، وجاءت هذه المجموعة في ستة نصوص يمكن تصنيفها بنصوص الملكية؛ اثنان منها يوضحان امتلاك صاحبهما الجمل، وآخران يملكان "بكرة"، يقرآن على النحو الآتي:
 
1. (هذا) الجمل لزمرة بن نيبة
 
2. (هذا) الجمل لأهم
 
3. (هذه) البكرة لفرك بن جَحاف بن زعكرة
 
4. (هذه) البكرة لِ الياسر بن قمعة  
 
أما سوّار بن ركب فقد أشار إلى ملكيته ل ر ح ل، أي "راحلة"، وهو الجمل الذي يستخدم في نقل البضائع والركاب، في دلالة على امتهانه العمل على طرق القوافل.
 
وقد عكست هذه المجموعة مضامين اجتماعية مهمة، فإضافة إلى صلة الرحم، فقد عكست مدى الحُبّ والوله الكبيرين اللذين يكنّهما الصفويون لحياة البادية والانطلاق؛ فما ظهور الفعل ن ج ع، "استراح، طلب الكلأ"، إلاّ دليلٌ واضحٌ وجليٌّ على هذا العشق الكبير الذي يكنُّه الصفويون للصحراء، وما زال محفورًا لدى أهل الجزيرة العربية إلى يومنا الحاضر. ويظهر أن لتحسن الظروف المناخية - آنذاك - مثل: نـزول الأمطار، وظهور الربيع، دورًا واضحًا في إقبالهم على الكتابة، أما إذا حَلّ الصيف الشديد، وشحت الأمطار، على النحو الذي لا يتمنونه فإن رغبتهم في الكتابة تَقلُّ بشكل واضح، إذ إن غالبية النقوش الصفوية مرتبطة ارتباطًا قويًا بما له علاقة بالربيع والصحراء. كما عرفنا أيضًا أن مهنة المرشد، قائد القافلة، كانت معروفة آنذاك عند الصفويين . 
 
شارك المقالة:
205 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook