في حياتنا نمر بمواقف جميلة، وسعيدة يرافقنا فيها أصدقاؤنا، ونكون سعيدين بوجودهم، ولكننا أيضاً نمر بمواقف أخرى صعبة، وحزينة، ونكون في سعادة غامرة حين نرى أصدقاءنا حولنا في تلك المواقف، فهي التي تحدد الصديق الوفي والمخلص الذي يقف معنا في الضراء، فالجميع يكون معنا في السراء، فأولئك من يستحقون الحب، والمحبة، والتقدير.
إذا كنتَ في قومٍ فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى من الردي
وبالعدل فانطق إن نطقت ولا تلم
وذا الذم فأذممه وذا الحمد فاحمد
ولا تلحُ إلا من ألام ولا تلم
وبالبذل من شكوى صديقك فامدد
تعارف أرواح الرجال إذا التقوا
فمنهم عدوّ يتّقى وخليل
كذاك أمور الناس والناس منهم
خفيف إذا صاحبته وثقيلُ
خِزي الحياةِ وحَربُ الصديقِ
وكلا أراه طعاماً وبيلا
فإن لم يكن غير إحداهما
فسيروا إلى الموت سيراً جميلا
ولا تقعدوا وبكم منه
كفى بالحوادث للمرء غولا
تخير لنفسك من تصطفيه
ولا تدنين إليك اللئاما
فليس الصديق صديق الرخاء
ولكن إذا قعد الدهر قاما
تنام وهمّته في الذي
يهمك لا يستلق المناما
وكم ضاحك لك أحشاؤه
تمنّاك أن لو لقيت الحماما
لا شيء في الدنيا أحب لناظري
من منظر الخلان والأصحاب
وألذ موسيقى تسر مسامعي
صوت البشير بعودة الأحباب
تعود القصيدة للشاعر الإمام الشافعي، وهو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ المطَّلِبيّ القرشيّ، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسس علم أصول الفقه، وهو أيضاً إمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً فعُرف بالعدل والذكاء، وإضافةً إلى العلوم الدينية، كان الشافعي فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً، أكثرَ العلماءُ من الثناء عليه، حتّى قال فيه الإمام أحمد: «كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس»، وقيل إنّه هو إمام قريش الذي ذكره النبي محمد بقوله: «عالم قريش يملأ الأرض علماً»، ويقول في قصيدته:
إِذا المَرءُ لا يَرعاكَ إِلّا تَكَلُّفاً
فَفي الناسِ أَبدالٌ وَفي التَركِ راحَةٌ
فَما كُلُّ مَن تَهواهُ يَهواكَ قَلبُهُ
إِذا لَم يَكُن صَفوُ الوِدادِ طَبيعَةً
وَلا خَيرَ في خِلٍّ يَخونُ خَليلَهُ
وَيُنكِرُ عَيشاً قَد تَقادَمَ عَهدُهُ
سَلامٌ عَلى الدُنيا إِذا لَم يَكُن بِها
تعود القصيدة للشاعر محمود سامي البارودي، وهو محمود سامي باشا بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري، أول ناهض بالشعر العربي من كبوته، في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي (أخي برسباي)، نسبته إلى ( إيتاي البارود)، بمصر، وكان لأحد أجداده في عهد الالتزام مولده ووفاته بمصر، تعلم بها في المدرسة الحربية، ورحل إلى الأستانة فأتقن الفارسية والتركية، وله فيها قصائد دعاء إلى مصر فكان من قواد الحملتين المصريتين لمساعدة تركيا، ويقول في قصيدته:
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تَعْلُو مَنَاسِبُهُ
إِنْ رَابَكَ الدَّهْرُ لَمْ تَفْشَلْ عَزَائِمُهُ
يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَةٍ
لا كَالَّذِي يَدَّعِي وُدّاً وَبَاطِنُهُ
يَذُمُّ فِعْلَ أَخِيهِ مُظْهِراً أَسَفاً
وَذَاكَ مِنْهُ عِدَاءٌ فِي مُجَامَلَةٍ
تعود القصيدة للشاعر محمد موفق وهبه، ولد في دمشق، له ثلاثة دواوين هي: شفاه البنفسج، وقد كتب معظم قصائده في الجزائر، وديوان شهر زاد، وديوان طيور الأماني، له مجموعتان قصصيتان، الأولى بعنوان: حرامي وأربعون علي بابا، والثانية بعنوان: عمل إضافي، وله رواية واحدة بعنوان: رماد وياسمين، ويقول في قصيدته:
صديقيَ العزيزْ
تحيةَ الأشواقِ منْ فؤادِيَ المُقيمْ
على الوَفا لِلصَّاحِبِ القديمْ
لِذكرياتٍ لمْ تزلْ تحيا بِنا حَميمَهْ
لِعُمُرٍ عِشناهُ في حارَتِنا القديمَهْ
اليومَ يا صديقيَ العزيزْ
وصلتُ للنتيجةِ الحَتْمِيَّهْ
تلك التي كانت على باصرَتي خفيَّهْ
عرفتُ أنَّ كلَّ ما نادتْ بهِ الحكمةُ والأديانْ
عنْ رابطٍ يجمعنا يدعونه الإخاءْ
تَغزِلُهُ ثم تحيكُهُ لنا المَوَدَّهْ
براحَتَي حنانِها مخدَّهْ
قدْ طارَ في الهواءْ
هباءْ
وأنَّ ما قدْ حصَّنَ الإنسانَ بالإنسانْ
في غابرِ الأزمانْ
أجنحةٌ لِطائرِ الحنانْ
كانتْ على هُمومِنا مُمْتَدَّهْ
شِعارُها: الوِدادُ بينَ الناسِ منْ عِبادةِ الرَّحمنْ
وحينما تَبَرَّأَ الإنسانُ من إنسانهِ
وسيطَرَ الشّرُ على إحسانهِ
وأحرق الكونَ لظى عدوانِهِ
ودمّرَ الحُبَّ وخانَ عهدَهْ
هاجر ذاك الطائرُ الحبيب من ربوعِنا
لم تُجدِ في استعطافِه الأنهارُ من دموعِنا
وكم دعونا الله أن يردَّهْ..!
لمْ يَبْقَ في الإنسانِ إلا صورةُ الإنسانْ
تملؤها الشُّرورُ والأحْقادُ والأطماعْ
يهوي بها التقهقرُ المخيفُ للضَّياعْ
وكانَ في كوكبِنا يعيشُ فيما بينَنَا في مَرْتَعِ الحَياهْ
في مرتع الإخلاص والعرفانِ والإحسانْ
وحينما أغضبَ في أعمالِهِ الدَّنِيَّةِ الإلهْ
وَاراهُ حيّاً أهلُهُ في جَدَثِ النِّسْيانْ
فلمْ نعدْ نسمعُ عنهُ اليومَ أوْ نَراهْ
فإنْ تسلْ عنهُ نُجِبْكَ كانْ
فيما مضى منْ سالفِ العصورِ والأوانْ
يعيشُ فيما بيننا إنسانْ
رَمَتْهُ مِنْ عَلْيائِهِ.. من عالم النّقاءْ
مِنْ عالمِ الفَضيلَهْ
مِن عالمِ الجمالْ
بَراثِنُ الرَّذيلَهْ
فَغاصَ في الأوحالْ
اليومَ يا صديقيَ العزيزْ
عرفتُ أنَّ كلَّ ما نادتْ بهِ الحكمةُ والأديانْ
عنْ رابطٍ يجمع من في الأرضِ من سُكّانْ
يدعونه الإخاءْ
تَغزِلُهُ المَوَدَّهْ
براحَتَي حنانِها مخدَّهْ
قدْ طارَ في الهواءْ
هباءْ
لم يبق إلا حسرةٌ في الناسِ
فقلتُ حين لم ترَ العينانِ غيرَ خيبةٍ وياسِ
وَا عَجَبي..!
تعرّت الغصون من أزهارها البيضاءْ
وأكل الهوانُ ما في مَرجِنا من يابسٍ وغَضِّ
واقتحمت خناجرٌ مسمومةٌ بالبغضِ
تُمزقُ الجُسومَ والأرواحْ
وا عجبي مِنْ عالَمٍ صارَ بهِ الإنسانُ لِلإنسانِ مُسْتَباحْ..!
في دمهِ ومالِهِ وَالعِرْضِ
وَا عَجَبي ممن براه الله من طين وماءْ..!
فكان جباراً على الأقرانْ
وقلبُهُ من حجرٍ صوّانْ
وا عجبي.. كَأنَّ مَنْ يَحْيَوْنَ في كَوكَبِنا
ليسوا بني الإنسانْ..!
كأنَّ من يَحيَونَ فيما بيننا
من جندِ إبليسٍ ومن سلالة الشيطانْ..!