من شواذ الإعلال

الكاتب: رامي -
من شواذ الإعلال

من شواذ الإعلال :

[من شواذ الإعلال]
من شواذ الإعلال إبدال الواو من الياء في فَعْلَى اسماً كـ "الثَّنْوَى"1، و"البَقْوَى"2، و"التَّقْوَى"3، و "الفَتْوَى"4. والأصل فيهنَّ الياء؛ لأنَّهن من الثَّنْي، والبُقْيَا، والتُّقى مصدر تقيت بمعنى اتقيت، والفُتْيَا.
وأكثر النحويين يجعلون هذا مطرداً5، ويزعمون أنَّ ذلك فُعِل فرقاً
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال في الصحاح "ثنى": "والثُّنْيَا بالضم الاسم من الاستثناء، وكذلك الثَّنْوَى بالفتح".
2 قال في الصحاح "بقى": "أبقيت على فلان إذا رحمته، والاسم منه  البُقيا والبَقْوَى".
3 التقوى: التقية والورع. ينظر المنصف 3/74، والمنتخب ص 572
4 الفتوى: هي الفُتْيَا، ومعناها الجواب عن المسألة. ينظر المنتخب، والمنصف في الصفحات السابقة نفسها.
5 قال ابن عقيل في المساعد 4/158-159 عند قول المصنف في التسهيل: "وشذ إبدال الواو من الياء لاما لفَعْلَى اسماً"... ولعل مراده شذوذ القياس لا شذوذ عدم الاطراد فإنَّ ذلك مطرد في الاستعمال كما قال أكثر النحويين، وعليه كلام سيبويه، وقال المصنّف في غير هذا  الكتاب: أو شذوذ لا يقاس عليه...".

 

بين الاسم والصفة وأوثر الاسم بهذا الإعلال؛ لأنَّه مستثقل، فكان الاسم أحمل له لخفته وثقل الصفة1، كما أنَّهم حين قصدوا التفرقة بين الاسم والصفة في جمع فَعْلَة، حركوا عين الاسم وأبقوا عين الصفة على أصلها2.
وألحقوا بالأربعة المذكورة الشَّرْوى3، والطَّغْوَى4، والعوَّى5، والرَّعْوى6 زاعمين أنَّ أصلها من الياء. والأولى عندي جعل هذه الأواخر من الواو سدّاً لباب التكثر من الشذوذ حين أمكن سده، وذلك أنَّ الشروى - معناه: المثل - ولا دليل على أنَّ واوه منقلبة عن ياء إلاَّ ادعاء مَنْ قال: إنَّه من شَريت7، وذلك ممنوع؛ إذ هي دعوى مجردة عن الدليل، مع أنَّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينظر المنصف 2/158.
2 قال ابن عصفور في الممتع 2/542: "وإنَّما فعلوا ذلك تفرقة بين الاسم والصفة وقلبوا الياء واواً في الاسم دون الصفة؛ لأنَّ الاسم أخف من الصفة؛ لأنَّ الصفة تشبه الفعل، والواو أثقل من الياء فلما عزموا على إبدال الياء واوا وجعلوا ذلك في الاسم لخفته فكان عندهم من أجل ذلك أحمل للثقل. وينظر: شرح التصريف للثمانيني ص 517-518
3 في المنتخب ص 286، 572: "شروى كل شيء مثله".
4 الطُّغْيَا مجاوزة الحد والطُّغوان بمعناه وكذلك الطَّغْوَى بالفتح.
 ينظر الصحاح "طغا" 6/2413
5 العوَّاء والعوّى بالمد والقصر من منازل القمر، وهي أيضاً سافلة الإنسان. ينظر الصحاح"عوى)، واللسان "عوى" 19/145
6 في تهذيب اللغة "رعى" 3/163: "والرعوى اسم من الإرعاء وهو الإبقاء... روى أبوعبيدة عن الكسائي: الرعوى والرعيا من رعاية الحفاظ، وقال الليث: يقال: ارعوى فلان عن الجهل ارعواءً حسناً ورعوىً حسنةً وهو نزوعه وحسن رجوعه، قلت: والرعوى لها ثلاثة معانٍ: أحدها: الرعوى اسم من الإرعاء وهو الإبقاء، والرعوى رعاية الحفاظ للعهد، والرعوى حسن المراجعة والنزوع عن الجهل". وينظر: المنتخب ص 572، وسر الصناعة ص 88-90.
 7 من الذين صرَّحوا بذلك ابن السراج في الأصول 3/266، وابن جني في  سر الصناعة 2/592، والأعلم الشنتمري في النكت في تفسير كتاب  سيبويه 2/1138.

 

الشَّرْوَى إذا كان غير مشتق وافق  /(4-أ) كثيراً من نظائره كـ "النِّد"1، و "الحِتْنِ"2، و "التِّنِّ"3، و "الشَّيْعِ"4، و "الصِّرْع"5 معنى كل واحد من هذه كمعنى الشَّرْوى، ولا اشتقاق لها، فالأولى بالشرَّوَى أن يكون غير مشتق.
وأمَّا "الطُّغْوَى" فإنَّه قد روى في فعله "طَغَيْت طُغْيَاناً، وطَغَوْتُ طُغْوَاناً"6 فَرَدُّ "الطُّغْوَى إلى طَغَوتُ" أولَى من ردِّه إلى "طَغَيْتَ" تجنُّباً للشذوذ.
وأمَّا "العَوّى "فهو من عَوَيْت الشيءَ إذا لويته7. وقد روى منه"عَوَّة)8 بتغليب الواو على الياء كما فُعِلَ في "الفُتُوَّة"9 فليس ذلك؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النِّدُو النديدُ والنديدةُ الشبيه والمثيل. ينظر المنتخب ص 286، والألفاظ الكتابية ص 9.
2 قال في المنتخب ص 513: "يقال هذا حَتْن هذا وحِتْنه أي مثله". وتنظر الألفاظ الكتابية ص 95.
3 التِّنُّ: الشبه والمثل، يقال هما تِنَّان أي مثلان. ينظر المنتخب ص 285
4 الموجود في المخطوط: "الشبع "بالباء، وهو تحريف؛ لأنَّه لا يأتي بمعنى  المثل   والصواب: الشَّيْعُ. قال في اللسان "شيع": "يقال: هذا شَيْعُ هذا، أي مثله".
5 الصَّرْع بفتح الصاد وكسرها المثل والشبه، يقال هما صِرْعان وصَرْعان.
 ينظر المنتخب ص 285، 512، وينظر تهذيب اللغة "صرع" 2/24.
6 قال في المنتخب ص 555 عند ذكره للأفعال التي جاءت بالواو والياء: "وطغوت وطغيت". وينظر الصحاح "طغا".
7 ينظر اللسان "عوى" 19/345.
8 قال في اللسان "عوى" 19/342: "عوى الذئب والكلب يعوي عَيّاً وعُواء وعَوَّة وعَوْيةً - كلاهما نادر - لوى خطمه ثُمَّ صوت".
9 قال بعض العلماء: إنَّ الواو فيها أصل وليست منقلبة عن الياء؛ لأنَّها من  الفتوان، وقال آخرون إنَّها منقلبة عن الياء؛ لأنَّها من الفتيان، وإنَّما قلبت الياء فيها واواً؛ لأنَّ أكثر هذا الضرب من المصادر على "فُعُولة "إنَّما هو من الواو كالأخوَّة فحملوا ما كان من الياء عليه فلزمت القلب. اللسان "فتا" 20/4، وتنظر الآراء في "العوَّى " في "عوى "19/345، والمساعد 4/160، والممتع 2/542-543، 2/570، 57، 572.

 

لأنَّه على فَعْلَى. ويحتمل أن يكون عَوَّا مقصوراً"1 من عوَّاء فعَّال من عويت، فتكون واوه عيناً مضعَّفة كالواو في شَوَّاء إذا قصر فقيل فيه: شَوَّى، ومُنِعَ من الصرف لتأنيثه باعتبار كون مسماه مَنْزِلَةً2.
ويحتمل أن يكون منقولاً من "عَوَّى" فَعَّلَ من "عويت" فسموا المنزلة بهذا الوزن" من الفعل"3 كما سمى ب "شَمَّرَ"-4 فرس- و ب"بَذَّر"-5 ماء - و ب "عَثَّرَ"-6 موضع.
ويعتذر"عن)7 دخول الألف واللام بما يعتذر عن دخولهما في"اليسع"8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هنا نهاية السقط من "ب".
2 تنظر الحاشية"5) ص 171
3 في ب: "من الوزن".
4 ينظر اللسان "شمر" 6/98
5 بَذَّر: اسم بئر بمكة حفرها عبد مناف عند خطم جبل الخندمة على فم شعب أبي طالب. ينظر: معجم البلدان 1/361
6 موضع باليمن بينها وبين مكَّة عشرة أيام، وهي مشهورة بكثرة الأسود. ينظر معجم البلدان 4/85
7 في أ: "عند دخول". وهو تحريف.
8 قال الصبان في حاشيته على الأشموني 1/181:
عند قول الأشموني: "والسموأل واليسع": "والثاني علم نبي قيل هو يوشع بن نون فتى موسى عليهما السلام، واختلف فيه فقيل: هو أعجمي، وأل قارنت ارتجاله، وقيل: عربي، وأل قارنت نقله من مضارع "وسع"، واستشكل الثاني بأنَّهم نصوا على أن لا عربي من أسماء الأنبياء إلاَّ شعيباً وصالحاً ومحمّداً.
وأجيب: بأنَّ المراد العربي المصروف لا العربي مطلقاً، وبأنَّ المراد العربي المتفق على عربيته، واستشكل الأول بأنَّ "أل "كلمة عربية فكيف تقارن الوضع العجمي ؟.
وأجيب: بأنَّ الواضع الله تعالى ولا مانع من أنَّه تعالى يضم العربي إلى العجمي، وأورد عليه أنَّ الأعلام خارجة من محل الخلاف، فإنَّ الواضع لها الأبوان اتفاقاً، ولك أن تقول إنَّما ذلك فيما لا يمكن فيه الوحى، أمَّا أسماء أولاد الأنبياء وأصحابهم فيمكن أن يكون واضعها الله تعالى بالوحي إلى ذلك النبي، نحو: {اسْمُهُ يَحْيَى}، {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ}، {اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}. واليسع من هذا القبيل... وهو صريح في أنَّ اليسع غير مصروف، وبه يعرف ما في قول البعض إنَّه مصروف لوجود أل وإن كانت زائدة".

 

وأمَّا "الرَّعْوَى" فهو من "ارعويت"1 لا من "رعيت"2. وهذا قول أبي عليٍّ3 رحمه الله "تعالى"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر ذلك القول الأزهريُّ في تهذيب اللغة "رعى" 3/163 فقال:"وقال الليث: يقال: ارْعَوى فلان عن الجهل ارعواءً حسناً، ورَعْوَى  حسنة، وهو نزوعه وحسن رجوعه". وذكره أيضاً ابن الشجري في أماليه 2/454-455 فقال: "ارعوى عن القبيح رجع عنه، وهو حسن الرّعْوَى، وارْعَوَى من مضاعف الواو، فأصله: ارْعَوَوَ. كما أنَّ أصل: احمرَّ احمرر، فكرهوا أن يُدْغِموا  فيقولوا: ارعوَّ يَرْعوُّ، كما قالوا: احْمَرَّ يَحْمَرُّ، فقلبوا الواو الثانية ألفاً؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها.
2 قال بذلك جمهورُ النحاةِ واللغويين، فقد صرَّح بذلك كراع النمل في المنتخب ص 572، ونسبه الأزهري في تهذيب اللغة "رعى" 3/163 للكسائي، وصرح به ابن جني في سر الصناعة ص 88، 89، 90،591، والمنصف 2/158. وينظر الصحاح واللسان والقاموس "رعا".
3 هو: الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، كان إمام وقته في علم النحو، أخذ عن المبرد وغيره، وأخذ عنه خلق كثير، من أشهرهم ابن  جني الذي لازمه أربعين سنة. ترك مؤلَّفات كثيرة منها: الإيضاح، والحجة، ومسائل متنوعة. توفي رحمه الله سنة 377ه. تنظر ترجمته في: بغية الوعاة 1/496، وغاية النهاية 1/206-207.
4 كلمة "تعالى "ساقطة من أ. قال أبو علي في كتاب الشعر 1/130: "وقد ثبت البدل من الحرف الذي هو لام قبل ألف التأنيث، نحو: شروى، وتقوى، ورعوى".

 

ص -163-      وهذا أولى من شذوذ يؤدي إلى قول من قال: أبدلت الواو من الياء في فَعْلَى اسماً مقاصة منها1 "إذ"2 كانت هي المغلبة عليها في معظم الكلام.
وحسب هذا القول ضعفاً أنَّه يوجب أن يكون ما فُعِل من الإعلال المطرد الذي اقتضته الحكمة ظلماً وتعدّياً؛ إذ المقاصَّةُ لا تكون  في غير تعد ٍ.
وقولهم: فُعِل هذا الإعلال فرقاً بين الاسم والصفة كما فرق بينهما في جمع فَعْلَة ليس بجيد أيضاً؛ لأنَّ الالتباس هناك واقع، كجَلَدَاتٍ، ونَدَبَاتٍ، وعَدَلاَت، وَحَشَرَات، فبتسكين عيناتها يعلم أنَّهن جمع"جَلْدة"- بمعنى شديدة -3، و"ندبة"- بمعنى نشيطة -4، و"عَدْلَة"- بمعنى ذات عدالة -5، و "حَشْرَة" - بمعنى رقيقة - وبفتحها يُعْلَمُ أنَّهُنَّ جمع مرة من جَلَد ونَدَب، وَحَشَر6 فظهرت فائدة الفرق هناك.
وأمَّا "الثنوى"7وأخواتها فألفاظ قليلة يكتفى في بيان أمرها بأدنى قرينة لو خيف التباس، فكيف والالتباس مأمون، إذ لا توجد صفات توافق "ثَنْوَى"وأخواتها لفظاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1 مِمَّن قال بذلك ابن جني في سر الصناعة ص 88، 591
2 في أ: "إذا".
3 ينظر القاموس "جلد".
4 ينظر الصحاح "ندب".
5 ينظر القاموس "عدل".
6 ينظر الصحاح "حشر".
7 تقدَّمت في ص 170

 

ص -164-      ومِمَّا يبين أنَّ إبدال يائها واواً شاذ تصحيح ياء "الريَّا" -1 وهي الرائحة - و"الطُّغيا" - وهو ولد البقرة الوحشية تفتح طاؤه وتضم -2 و"سعيا" - اسم موضع -3. فهذه الثلاثة الجائية على الأصل، والتجنب للشذوذ أولى بالقياس عليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 يرى سيبويه وجمهور النحويين أنَّ "رَيَّا "اسم، والأصل فيه رائحة ريَّا أي ممتلئة طيباً.. أمَّا ابن مالك فيرى أنَّها اسم للرائحة. ينظر الكتاب 4/389، والمنصف 2/158، والممتع ص542،572، والمساعد 4/158، والارتشاف 1/144.
2 ينظر تهذيب اللغة "طغا" 8/167، والصحاح "طغا" 6/2413. وتنظر المراجع السابقة.
3 قال في معجم البلدان 3/221: "سَعْيَا بوزن يحي يجوز أن يكون فَعْلَى من "سعيت "وهو وادٍ بتهامة قرب مكة أسفله لكنانة وأعلاه لهذيل، وقيل: جبل". وينظر المساعد 4/158، وشرح الكافية الشافية 4/2121.

شارك المقالة:
425 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook