• فقد أخرج البخاري من حديث ابن أبي مليكة قال:أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إيمانه كإيمان جبريل.
• وكان عبدالله بن المبارك رحمه الله يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الطالحين وأنا شر منهم؛ (حلية الأولياء: 8/ 17).
• ويقول أيوب السختياني رحمه الله: إذا ذُكِرَ الصالحون كنتُ عنهم بمعزل.
• وكان الحسن البصري رحمه الله يعاتب نفسه ويقول: تتكلمين بكلام الصالحين القانتين العابدين، وتفعلين فعل الفاسقين المرائين، والله ما هذه صفات المخلصين؛ (تنبيه المغترين ص24).
• ويقول محمد بن واسع رحمه الله: لو كان يوجد للذنوب ريح، ما قدرتم ان تدنو مني من نتن ريحي؛ (صفة الصفوة: 3/ 268).
• ويقول يونس بن عبيد رحمه الله: إني لأعدُّ مائة خصلة من خصال البر، ما فيَّ منها خصلة واحدة؛ (تهذيب الحلية: 1/ 437).
• وقال مطرف بن عبدالله بن الشخير رحمه الله لما وقف بعرفة: اللهم لا تردهم من أجلي؛ يقصد حُجاج بيت الله.
• وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا كان يسأل الصادقين عن صدقهم، مثل إسماعيل وعيسى عليهما الصلاة والسلام، فكيف بالكاذبين من أمثالنا؟ وكان رحمه الله إذا قرأ: ? وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ? [محمد: 31]؛ يقول: اللهم إنك إن بلوت أخبارنا فضحتنا وهتكت أستارنا، وأنت أرحم الراحمين.
• وقال ابراهيم النخعي رحمه الله: لقد تكلمت ولو وجدت بُدًّا ما تكلمت، وإن زمانًا أكون فيه فقيه الكوفة لزمان سوء.
• وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يعلق السوط في مسجده ويقول: أنا أولى بالسياط من الدواب؛ (حلية الأولياء: 2/ 127).
فرحمة الله على الرعيل الأول، كانوا يجدون ويجتهدون في العمل ثم يتهمون أنفسهم بالتقصير ويوبِّخنها على ذلك.
2- كراهية المدح والثناء:
يقول ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد ص218-219: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فاقبل على الطمع أولًا، فأذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء، فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح، سهل عليك الإخلاص، فإن قلت: وما الذي يسهل على ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلت: أما ذبح الطمع، فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا بيد الله وحده خزائنه لا يَملكها غيره، ولا يؤتى العبد منها شيئًا سواه.
وأما الزهد في الثناء والمدح، فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه، ويزين ويضر ذمة ويشين إلا الله وحده، كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إن مدحي زين، وإن ذمي شين، فقال صلى الله عليه وسلم: ذلك الله عز وجل؛ (رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي: 7/ 32).
فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يشينك ذمه، وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه، ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين، فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب؛ قال تعالى: ? فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ? [الروم: 60].
كان سفيان الثوري رحمه الله يقول: قل عالم تكبر حلقة درسه إلا ويطرقه العجب بنفسه، وقد مر الحسن البصري على طاوس - رحمهما الله تعالى - وهو يملي الحديث في الحرم في حلقة كبيرة، فقرب منه وقال له في أذنه: إن كانت نفسك تعجبك، فقم من هذا المجلس، فقام طاوس فورًا، وقد مر إبراهيم بن أدهم على حلقة بشر الحافي - رحمهما الله - فأنكر عليه لكبر حلقة درسه، وقال: لو كانت هذه الحلقة لأحد من الصحابة ما أمن على نفسه العجب.
قال عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله: كنت أجلس يوم الجمعة في مسجد الجامع، فيجلس إلى الناس، فإذا كانوا كثيرًا فرحت، وإذا قلوا حزنت، فسألت بشر بن منصور، فقال: هذا مجلس سوء لا تعد إليه، قال: فما عدت إليه.
وكان أبي هريرة رضي الله عنه يقول: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم: ? إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ? [البقرة: 159]؛ (تنبيه المغترين صــ27).
وقد كان عبدالرحمن بن أبي ليلي -رحمه الله - يقول: أدركت مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان منهم -رضي الله عنهم- محدث إلا ويود أن أخاه كان كفاه الحديث، ولا مفت إلا ويود أن أخاه كان كفاه الفُتيا.
وقد كان السلف الصالح يخاف من الشهرة ويهرب منها:
قال عبدالله بن المبارك رحمه الله: قال لي سفيان: إياك والشهرة، فما أتيت أحدًا إلا وقد نهاني عن الشهرة؛ (حلية الأولياء: 7/ 23).
وقال ثابت البناني: قال لي محمد بن سيرين: يا أبا محمدٍ لم يكن من مجالستكم إلا مخافة الشهرة؛ (تهذيب الحلية: 1/ 390).
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: إن قدرت ألا تُعْرف فافعل، وما عليك إن لم يثنَ عليك، وما عليك أن تكونَ مذمومًا عند الناس إذا كنت عند الله محمودًا.
قال ابن محيريز رحمه الله: صحبت فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أوصني رحمك الله، قال: احفظ عني ثلاثَ خصالٍ، ينفعك الله بهن، إن استطعت أن تعرف ولا تُعْرَف فافعل، وإن استطعت أن تستمع ولا تتكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل.
عن بشير بن صالح قال: دخل ابن محيريز حانوتًا بدانق، وهو يريد أن يشتري ثوبًا، فقال رجل لصاحب الحانوت: هذا ابن محيريز، فأحسن بيعه، فغضب ابن محيريز وخرج، وقال: إنما نشتري بأموالنا، لسنا نشتري بديننا، وكان من دعاء محيريز: اللهم إني اسألك ذكرًا خاملًا.
محمد بن يوسف الأصبهاني رحمه الله: كان لا يشتري زاده من خباز واحد، قال: لعلهم يعرفوني فيحابوني، فأكون ممن أعيش بديني؛ (حلية الأولياء: 1/ 231).
وقال الحسن رحمه الله: كانت دار ابن المبارك بمرو كبيرة صحن الدار نحو خمسين ذراعًا في خمسين ذراعًا، كنت لا تحب أن ترى في داره صاحب علم أو صاحب عبادة أو رجلًا له مروءة، وقدر بمرو إلا رأيته في داره، يجتمعون في كل يوم حِلقًا يتذاكرون حتى إذا خرج ابن المبارك انضموا إليه.
فلما صار ابن المبارك بالكوفة نزل في دار صغيرة وكان يخرج إلى الصلاة، ثم يرجع إلى منزله لا يكاد يخرج منه ولا يأتيه كثيرًا أحدٌ، فقلت له: يا أبا عبدالرحمن ألا تستوحش ها هنا مع الذي كنت فيه بمرو؟ فقال: إنما فررت من مرو من ذاك الذي أراك تحبه، وأحببت ما ها هنا للذي أراك تكرهه لي، فكنت بمرو لا يكون أمر إلا أتوني فيه ولا مسألة، إلا قالوا: اسألوا ابن المبارك، وأنا ها هنا في عافية من ذلك.
قال: وكنت مع ابن المبارك يومًا فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس، فزحموه ودفعوه، فلما خرج قال لي: ما العيش إلا هكذا؛ يعني حيث لم نُعرف ولم نوقر؛ (صفة الصفوة: 4/ 134).
ويقول ابراهيم بن أدهم رحمه الله: كان العلماء إذا عَلِموا عَمِلوا، فإن عَمِلوا شُغِلوا، فإن شُغِلوا فُقدوا، فإن فُقدوا طُلبوا، فإن طُلبوا هربوا.
وانظر رعاك الله إلى خوف أويس القرني على نفسه من الشهرة: فقد أخرج الإمام مسلم أيضًا عن أسير بن جابر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد، ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال لك والدة؟ قال: نعم، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم، فوافق عمر، فسأله عن أويس قال: تركته رث البيت قليل المتاع.
فقال عمر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فأتى الرجل أويسًا فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي، فقال أويس للرجل: لقيت عمر؟ قال: نعم فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.