[من مواضع إبدال الضمة كسرة]
إذا انضم ما قبل الياء الساكنة المفردة واتصلت بالآخر أو ما هو في حكم الآخر أبدلت الضمة كسرة فَسَلِمت الياء جمعاً كان ما هي فيه كـ "بِيض"1 أو مفرداً كـ " عَيْسة " من قولهم: جمل أعْيَس - أي: أبيض بَيِّن العِيْسَة، والْعِيَس2 - فالأصل فيهما بُيْض، وعُيْسة ثُمَّ فُعِلَ بهما ما ذكر.
والدليل على ضم هذه الياء وهذه العين في الأصل أنَّ بِيضاً جمعٌ لصفة على " أفْعَل " مذكر " فَعْلاء "، فيجب كونه على " فُعْل " كأحْمَر وحُمْر، وأخْضَر وخُضْر "، وأنَّ العيسة اسم للون الوصف منه على " أفْعَل وفَعْلاء " فيجب كونه على فُعْلَة كالحُمْرَة والخُضْرَة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ينظر شرح الكافية الشافية 4/2116، وابن الناظم ص 850، وابن عقيل 2/515، والمساعد 4/13.
2 في تهذيب اللغة عاس 3/93: " قال العيس ماء الفحل، يقال: عاسها يعيسها عيساً، والعيسُ جمع أعيس وعيساء، وهي الإبل البيض يخالط بياضها شيء من شقرة ".وينظر: إصلاح المنطق ص 17.
[مواضع قلب الياء واواً]
فلو انفصلت الياء أقرت الضمة التي قبلها وقلبت الياء واوً ، كـ"مؤسر" اسم فاعل من "أيسر" إذا استغنى(1) ، و" عوطط "بمعنى " عيط " - وهي النوق التي لم تحمل - يقال : عاطت الناقة تعيط إذا ضربها الفحل ولم تحمل. والعوطط أيضاً مصدر عاطت الناقة(2) .
وأنما لم تقر الضمة قبل الياء المتصلة بالآخر فتنقلب واواً ، وأقرت قبل الياء المنفصلة من الطرف ،لأن أحد الأمرين إما إبدال الياء واواً ،أخفهما إبدال الضمة ، فاستعمل في أحق /(1/أ) المحلين بالتخفيف وهو ما اتصل بالآخر واستعمل فيما أنفصل عنه ، لأن الواو مثقلة ، واستثقالها متزايد بتأخيرها ، وإن كان الموضع لها بالأصالة فكيف إذا كان لغيرها .
وقد يعترض على هذا بأن يقال : التغير بتبدل الحرف أشد من التغير بتبدل الحركة ، فكان(3) القريب من الآخر أحق به من البعيد ،والأولى أن يقال : لما كان تبدل الحركة يلزم منه زوال الوزن الأصلي كان أمكن في الإعلال وأبعد من التصحيح فخض به ماقرب من الآخر الذي هو بالإعلال أولى ، بخلاف تبدل الياء واواً مع بقاء الضمة فإنه كلا تغيير لبقاء الوزن الأصلي ، وأيضاً فإن تبديل الضمة بكسرة عمل محض ، لأنه اختياري ، وتبدل بعد الضمة واواً عمل اضطراري فأشبه التصحيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر شرح ابن الناظم ص 850 ، وابن عقيل 2/515
(2)ينظر تهذيب اللغة(عاط)3/106 ،والمصنف 3/63 ، والممتع 2/493 ، وإصلاح المنطق ص 37
(3)في ب :"وكان"
فخض بما بعد من الطرف .
وفرق أبو الحسن بين الجمع والمفرد في هذا الحكم فرأى أن إبدال الضمة كسرة - لتسليم الياء - مخصوص بالجمع ، لأن فيه ثقلاً ليس في المفرد ، فأوثر بأخف الإعلالين(1) .
ولو كان الأمر كما أدعى لقيل في "عِيْسَة" : عِوْسَة ، لأنه مفرد ، ويمكن الاعتذار لأبي الحسن عن "عيسة" بأن فيه ثقلاً للزوم تأنيثة فأشبه الجمع . وقد حكى الأزهري(2) ان من العرب من يقول :
معوشة في معيشة(3) . وهذا مما يقوي قول أبي الحسن ، لأن المعوشة مفعلة من العيش وهو مفرد ، ولكن الاستدلال به لايساوي الاستدلال بعيسة ولا يقاربه ، لأن جميع العرب يقولون : عيسة . وجمهورهم يقولون معيشة لامعوشة ، فثبت أن إبدال الياء فيه واواً حكم مبني على ما استعملة جميع العرب ، وإبدال الياء(4) فيه واواً حكم مبني على قول شاذ ، والشاذ لايعول عليه (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر المساعد 4/132
(2) هو : أبو منصور محمد بن أحمد بن طلحة الأزهري ، كان إماماً في اللغة ، بصيراً بالفقة، عارفاً بالمذاهب ، عالي الإسناد ، ثخين الورع ، كثير العبادة ، ولد سنة 282هــ في هراة ، وتوفي بها سنة 370 هــ ، له مؤلفات كثيرة منها : تهذيب اللغة . تنظر ترجمته في : معجم الأدباء 17/164 ، وإنباه الرواة 4/171 ، وطبقات الشافعية 2/106 ، وبغية الوعاة 1/19 ، وفي سلسلة نسبه بعض اختلاف .
(3) قال في تهذيب اللغة (عاش) 3/60 : " وقال المؤرج : هي المعيشة . قال : والمعوشة لغة الأزد ". وينظر المساعد4/132
(4)في ب : "والإبدال الياء" وهو خطأ من الناسخ .
(5)ينظر المساعد 4/132
وأما الصفة التي على وزن "فُعْْلَي" كـــ"الكيسى والخيرى"مؤنثي "الأَكَْيس"و "الأخْيَر" ، فالأجود(1) فيه إبدال الضمة ، وتسلم الياء تشبيهاً لألف التأنيث بهائه في تقدير تمام الكلمة بدونهما(2) ، وإيثاراً بأخف الإعلالين أثقل المثالين ، (وهو الصفة(3) ، فلو كان إسماً كطوبي ، تعين أثقل الإعلانيين ) (4) .وهو إبدال الياء واواً (5)، لأن الاسم أخف من الصفة ، فكان أحمل لمزيد الثقل ، كما حركوا عين "فَعْلة" اسماً حين جمعوه ولم يحركوه من الصفة نحو : "جَفْنَات وضَخْمَات" ، وقد روي عن العرب "الكُوسَى والخُورَي" (6) فعوملا معاملة عُوطط (7)تشبيهاً للاًلف - للزومها وعدم تقدير انفصالها - بالحرف الثاني من عوطط . وكذلك روى "الضوقي " في أنثى الأضيق(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)في ب :"والأجود"
(2)في ب : "دونها"
(3)ينظر الصحاح (كيس) ، والمساعد 4/133 ،وشروح الألفية عند قول الناظم :
وإن تكن عيناً كفُعْلى وصفا فذاك بالوجهين عنهم يلفى
والمنتخب لكراع النمل ص557 .
(4) مابين الأقواس " " ساقط من أ
(5) قال ابن الناظم في شرحه ص852 :(.... ... ... وصفا ... ... ...
احتراو من نحو :"طوبى" بمعنى الطيبة ) . وينظر : المساعد 4/133 - 134 ، وشفاء العليل 3/ 1097.
(6)تأنيث الأكيس والأخير . ينظر إصلاح المنطق ص 137 . وينظر : شرح الكافية الشافية 4/2120 ، وابن الناظم ص 851 ، والمساعد 4/133 - 134 .
(7) تقدم في ص127
(8) تنظر المراجع في الحاشية (6)