نبض الخاطر: (الخير عادة)

الكاتب: المدير -
نبض الخاطر: (الخير عادة)
"نبض الخاطر: (الخير عادة)




أدركتُ جدِّي - رحمه الله - وأنا صغير، وكنت أنام عنده بعض الليالي، فعندما أستيقظ من الليل لأي حاجة، أشاهده قائمًا يصلي، فأنظر للساعة فإذا الوقت قبل الفجر بساعة أو أكثر، فأرجع للنوم، ثم أستيقظ مع أذان الفجر، وقد انتهى من صلاته، ورفع يديه للدعاء والتضرُّع والابتهال، وكانت هذه عادته وسجيته كل ليلة حتى فارق الحياة.

 

وكنا نجلس مع جدتي لأبي- غفر الله لها- للحديث معها والأُنْس بها وممازحتها وملاطفتها، فإذا بها فجأة قبيل الظهر تقوم من بيننا، فتتوضأ ثم تلبس عباءة الصلاة وتؤدي صلاة الضُّحى، ثم تجلس في مصلاها للاستعداد لصلاة الظهر، وكان هذا دَيْدَنُها منذ عرفتها.

 

كنت أكرر الزيارة لجدتي لأمي- أسكنها الله الجنات- وقبل خروجي من عندها تعطيني بعض المال، وتقول لي: اشتَرِ به ذبيحةً واقسمها نصفين: نصف للمنزل لحاجتها وزوَّارها وبناتها، والقسم الآخر وزِّعْه في أكياس صغيرة وتصدَّق بها على الفقراء والمحتاجين والعمالة وكانت هذه سجيتها حتى توفَّاها مولاها.

 

أما والدتي- رفع الله درجتها في المهديين- فكانت مُحِبةً للصَّدَقة على قدر استطاعتها، فكثيرًا ما كانت تعطيني نهاية كل شهر مبلغًا من المال لشراء كراتين الماء والتمر ووضعها في المسجد، خاصة يومي الاثنين والخميس حتى يفطر عليها الصائمون من روَّاد المسجد.

 

هذه النماذج وغيرها مما نشاهده بشكل يومي من الأقارب والأرحام والمعارف والجيران، تدل على أن النفس إذا اعتادت على شيءٍ وألِفَتْهُ، سَهُلَ عليها تأديتُه والقيامُ بهِ، وصَعُبَ عليها تَركُهُ والتَّخلِّي عنهُ، وتؤكد على حقيقة شرعية وقاعدة تربوية نبَّه إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أحَبُّ الأعمالِ إلى الله أدْوَمُها وإنْ قَلَّ))؛ رواه البخاري ومسلم.

 

ولقد أرشد النبي‏ صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام للعمل الدائم ولو كان يسيرًا حتى تعتادَه النفوسُ وتألفَه القلوبُ، عن أبي هريرة وأبي الدرداء قالا: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثَلاثٍ لا أدَعُهُنَّ حتَّى أمُوتَ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أيَّامٍ مِن كُلِّ شَهْرٍ، ورَكْعَتَيِ الضُّحَى، وأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أنَامَ؛ رواه البخاري (????).

 

ومضة: عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: عوِّدوا أنفسَكم الخير؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الخيرُ عادةٌ، والشرُّ لجاجة، ومن يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهه في الدين))؛ رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني.

 

همسة: يقول رشيد سليم الخوري:

نَصَحْتُكَ لا تَأْلَفْ سِوَى الْعَادَةِ الَّتِي
يَسُرُّكَ مِنْهَا مَنْشَأٌ وَمَصِيرُ
فَلَمْ أَرَ كَالْعَادَاتِ شَيْئًا بِنَاؤُه
يَسِيرٌ وَأَمَّا هَدْمُهُ فَعَسِيرُ


"
شارك المقالة:
357 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook