نصائح للدعاة إلى الله تعالى في زمن الاستضعاف

الكاتب: المدير -
نصائح للدعاة إلى الله تعالى في زمن الاستضعاف
"نصائح للدعاة إلى الله تعالى في زمن الاستضعاف

 

المقدمة:

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

بعد التذكير بتقوى الله عز وجل والإخلاص له والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أضع بين يديك أخي الداعية إلى الله تعالى، نصائح ونحن في زمن غربة الحق وأهله.

 

وهذه النصائح تختلف في تطبيقاتها بحسب الزمان والمكان وقوة أهل الحق فيهما، ولكن أهل الإسلام عامة في زماننا في حالة استضعاف وضعف. والله والمستعان.

 

النصيحة الأولى:

في قوله تعالى: ? فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ? [التغابن: 16]. قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: « يأمر تعالى بتقواه، التي هي امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ويقيد ذلك بالاستطاعة والقدرة ».

 

فهذه الآية، تدل على أن كل واجب عجز عنه العبد، أنه يسقط عنه، وأنه إذا قدر على بعض المأمور، وعجز عن بعضه، فإنه يأتي بما يقدر عليه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، انتهى.

 

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نهيتُكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فَأْتُوا منه ما استطعتم... » رواه البخاري ومسلم.

 

وفي مثل هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: « كذلك يوسف عليه السلام كان نائبًا لفرعون مصر وهو وقومه مشركون، وفعل من العدل والخير ما قدر عليه ودعاهم إلى الإيمان بحسب الإمكان ». [الحسبة ص 188].

 

النصيحة الثانية:

في قوله تعالى: ? فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ? [آل عمران: 159].

 

قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: « أي: برحمة الله لك ولأصحابك، منَّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، وترققت عليهم، وحسنت لهم خلقك، فاجتمعوا عليك وأحبوك، وامتثلوا أمرك ».

 

? وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا ?؛ أي: سيئ الخلق ? غَلِيظَ الْقَلْبِ ? أي: قاسيه، ? لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ? لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ. فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟! أليس من أوجب الواجبات، وأهم المهمات، الاقتداء بأخلاقه الكريمة، ومعاملة الناس بما يعاملهم به صلى الله عليه وسلم، من اللين وحسن الخلق والتأليف، امتثالا لأمر الله، وجذبا لعباد الله لدين الله.

 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفقَ في الأمْرِ كُلِّهِ » رواه البخاري، وغير ذلك من الأحاديث في هذا الباب.

 

والرفق هو أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها.

 

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى -:

« هذا العصر عصر الرفق والصبر والحكمة، وليس عصر الشدة. الناس أكثرهم في جهل، في غفلة إيثار للدنيا، فلا بد من الصبر، ولا بد من الرفق حتى تصل الدعوة، وحتى يبلغ الناس وحتى يعلموا. ونسأل الله للجميع الهداية ». [مجموع الفتاوى (???/?)].

 

النصيحة الثالثة:

? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? [النحل: 125].

 

قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: « أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح ?بِالْحِكْمَةِ? أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده.

 

ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.

 

إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به.

 

وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن كان [المدعو] يرى أن ما هو عليه حق. أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.

 

ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.

 

وقوله: ? إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ? علم السبب الذي أداه إلى الضلال، وعلم أعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها.

 

? وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? علم أنهم يصلحون للهداية فهداهم ثم منَّ عليهم فاجتباهم ».انتهى

 

• وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، ملوك الأرض في زمانه ووصفهم بما يليق بحالهم رغم كفرهم وشركهم بالله، ومنه قوله: (إلى هرقل عظيم الروم)، ولم يستعدهم وحرص على هدايتهم.

 

• وامتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل بعض المرتدين وعلى رأسهم زعيم المنافقين ابن أبي سلول، والسبب حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.

 

• ومن الحكمة في زمن الاستضعاف مراعاة الحال والمكان والزمان وما عليه الناس وفي ذلك نصائح حصلة في واقع التجربة على يد بعض الدعاة.

 

?- عدم ذكر أسماء وكتب من ينفر بعض الناس منهم وخاصة في المجتمعات التي يكثر فيها الشركيات والبدع، كشيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.

 

?- مما يعلم أن الحق كله موجود في الكتاب والسنة، فيستطيع الداعاة، دعوة الناس إلى كل خير عن طريق الآيات والأحاديث النبوية.

 

?- عدم الصدام مع أي أحد، وإنما الدعوة إلى الكتاب والسنة.

 

النصحية الرابعة:

في قوله تعالى: ? وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ? [المائدة: 2].

قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: ? وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ? أي: ليعن بعضكم بعضا على البر. وهو: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله وحقوق الآدميين. والتقوى في هذا الموضع: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. وكلُّ خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، أو خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين عليها، بكل قول يبعث عليها وينشط لها، وبكل فعل كذلك.

 

? وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ ? وهو التجرؤ على المعاصي التي يأثم صاحبها، ويحرج.

 

? وَالْعُدْوَانِ ? وهو التعدي على الخَلْق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه.

 

? وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ? على من عصاه وتجرأ على محارمه، فاحذروا المحارم لئلا يحل بكم عقابه العاجل والآجل.

 

• ومن ذلك التعاون مع غير المسلم والمعادي للحق بما فيه مصلحة للمسلمين، وقد تحالف صلى الله عليه وسلم، مع بعض المشركين وعقد معاهدات معهم، ومن أشهرها حلفه مع خزاعة الذي كان سببًا لفتح مكة بعد أن نقضت قريش الصلح وأعانت على قتالهم.

 

• ومن ذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، السلاح إجارة من صفوان وهو مشرك ليستعين به في غزوة حنين وبعدها أعطاه العطايا الكثيرة حتى أسلم رضي الله عنه.

 

• وبعد عودته صلى الله عليه وسلم، من الطائف دخل مكة في جوار مشرك وحمايته وهو المطعم بن عدي.

 

النصيحة الخامسة:

في قوله تعالى: ? وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ? [يوسف: 87].

 

قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية: ? وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ? فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس: يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد، فضل الله وإحسانه ورحمته وروحه، ? إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ? فإنهم لكفرهم يستبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبهوا بالكافرين. انتهى.

 

• ولا ييأس الداعية إلى الله تعالى، ولا يصيبه عجز أو ضعف بسبب غربة الحق وأهله.

 

قال تعالى عن نبيه نوح عليه السلام: ? وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ? [هود: 40].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء وأممهم: « عُرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد »؛ رواه البخاري.

 

• فمهمة الرسل عليهم السلام وأتباعهم إلى يوم الدين البلاغ المبين.

 

النصيحة الأخيرة:

أحوال ومواقف وكلمات في فقه الاستضعاف:

• في صلح الحديبية محا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلمة بسم الله الرحمن الرحيم وكتب مكانها باسمك اللهم. ومحا محمد رسول الله، وكتبت محمد بن عبد الله.

 

• ومن ذلك أنه فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، جديًّا بل واستشار بعض أصحابه وصرح بأنه يريد أن يعطي المشركين من غطفان ثلث ثمار المدينة لينفضوا عن قتاله ويفرق جمع الأحزاب.

 

• أسلم النجاشي وأخفى ذلك وبقي يحكم دولة كافرة ولم يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتطبيق الشريعة ولا بالتنحي لعجزه حتى مات وصلى عليه بعد موته ولم يكفره.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -:

« من كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآيات الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأمَّا أهل القوة فإما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يكعون في الدين، وآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )) [الصارم المسلول (ص 221)].

 

• قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله تعالى -: « الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان. فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية، لكان أولى، من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها، وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم. نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين، وهم الحكام، فهو المتعين، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة، والله أعلم». [تيسير الكريم الرحمن ( ص ???)].

 

الخاتمة:

مما ينبغي أن يعلم أن أحوال الاستضعاف تختلف بحسب قوة الحق من زمان إلى زمان وبحسب المكان والبلد الذي يكون فيه الداعية.

 

فلا ينضبط الأمر إلا من خلال هذه النصائح العامة، والتقدير في ذلك متروك لكل أهل بلد في أن يتقوا الله ما استطاعوا.

 

وتقوى الله عز وجل بما يستطاع لا يعني ترك الحق أو الدفاع أو القعود عن ذلك بل يجب ذلك بحسب الاستطاعة من دون تقصير أو تفريط.

 

وأسأل الله أن يعز الإسلام وأهله في كل مكان، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


"
شارك المقالة:
512 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook