هل يفتن غير المكلفين من الأطفال والمجانين في قبورهم ؟
الكاتب:
المدير
-
"هل يُفتن غير المكلفين من الأطفال والمجانين في قبورهم الدار الآخرة أسئلة وأجوبة حول القبر
س: هل يُفتن غير المكلفين من الأطفال والمجانين في قبورهم؟
ج: يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر كما في القيامة الصغرى (ص 47):
إنه جاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (4/257): أن الفِتنة عامَّة لجميع المكلَّفين، إلا النبيِّين، فقد اختُلف فيهم[1]، وإلَّا الشهداء والمرابطين، ونحوهم ممن جاءت النصوص دالَّة على نجاتهم من الفتنة.
واختُلف في غير المكلَّفين من الصبيان والمجانين، فقد ذهب جمع من العلماء إلى أنهم لا يُفتنون، وممن قال بهذا القاضي أبو يعلى وابن عقيل، ووِجْهة نظر هؤلاء أن المحنة تكون لمن كلف، أمَّا من رُفع عنه فلا يدخل في المحنة؛ إذ لا معنى لسؤاله عن شيء لم يكلَّف به.
وقال آخرون: بل يفتنون، وهذا قول أبي الحكيم الهمداني وأبي الحسن ابن عَبدُوس، ونقله عن أصحاب الشافعي، وقد روى مالك وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على طفل، فقال: ((اللهمَّ قِهِ عذابَ القبر وفتنةَ القبر))، وهذا القول موافق لقول من قال: إنهم يمتحنون في الآخرة، وإنهم مكلفون يوم القيامة، كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام، وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة واختاره هو، وهذا مقتضى نصوص الإمام أحمد؛ اهـ (راجع مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: 4/257-277).
قال الإمام ابن قيم الجوزية في كتابه الروح (ص 117، 119): أما المسألة الثالثة عشرة: وهي أن الأطفال هل يُمتحنون في قبورهم؟
اختلف الناس في ذلك على قولين: هما وجهان لأصحاب أحمد، وحجة من قال: إنهم يسألون: أنه يشرع الصلاة عليهم، والدعاء لهم، وسؤال الله أن يقيهم عذاب القبر وفتنة القبر.
كما ذكر مالك في موطئه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى على جنازة صبي فسُمع من دعائه: ((اللَّهمَّ قِهِ عذابَ القبر)).
واحتجوا بما رواه عليُّ بن معبد عن عائشة رضي الله عنها: أنه مرَّ عليها بجنازة صبي صغير، فقيل لها: ما يُبكيك يا أم المؤمنين؟ فقالت: هذا الصبي، بكيت له شفقة عليه من ضمة القبر.
واحتجوا بما رواه هنَّاد بن السَّري: ثنا أبو معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن كان ليُصلى على المنفوس ما إن عمل خطيئة قط، فيقول: اللَّهم أجِرْه من عذاب القبر.
قالوا: والله سبحانه يُكمل لهم عقولهم ليعرفوا بذلك منزلتهم، ويُلهمون الجواب عما يُسألون عنه، قالوا: وقد دلَّ على ذلك الأحاديث الكثيرة التي فيها أنهم يمتحنون في الآخرة، وحكاه الأشعري عن أهل السنة والحديث، فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور.
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلَّى على جنازة يقول: ((اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكَرِنا وأُنثانا، اللَّهم من أحييتَه منَّا فأحيه على الإسلام، ومن توفَّيته منا فتوفَّه على الإيمان، اللهُمَّ لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده)).
قال الآخرون: السؤال إنما يكون لمن عَقل الرسولَ والمُرسل، فيُسأل هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا؟ فيقال له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فأما الطفل الذي لا تمييز له بوجه ما، فكيف يقال له: ما كنتَ تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟! ولو رُدَّ إليه عقله في القبر، فإنه لا يُسأل عما لم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة، فإن الله سبحانه يرسل إليهم رسولاً ويأمرهم بطاعة أمره وعقولهم معهم، فمن أطاعه منهم نجا، ومن عصاه أدخله النار، فذلك امتحان بأمر يأمرهم به ويفعلونه ذلك الوقت، لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعة أو عصيان، كسؤال الملكين في القبر.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل، على ترك طاعة أو فِعل معصية قطعًا، فإن الله لا يُعذِّب أحدًا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به الألم الذي يحصل للميت بسبب غيره، وإن لم يكن عقوبةً على عمل عمله، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الميت ليعذَّب ببكاء أهله عليه)) أي: يتألَّم بذلك ويتوجَّع منه، لا أنه يُعاقَب بذنب الحي، ? وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ? [الأنعام: 164]، وهذا كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((السَّفر قِطعةٌ من العذاب))؛ (البخاري ومسلم).
فالعذاب أعمُّ من العقوبة، ولا ريب أن في القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل، فيتألم به، فيُشرَع للمصلِّي عليه أن يسأل الله تعالى له أن يقيه ذلك العذاب، والله أعلم؛ اهـ.
[1] قال ابن القيم - رحمه الله - كما في كتابه الروح (ص110): وقد اختلف في الأنبياء هل يسألون في قبورهم؟ على قولين:
وهما وجهان في مذهب أحمد وغيره؛ اهـ؛ (انظر كذلك مجموع الفتاوى: 4/257).
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) لفهم كيفية استخدامك لموقعنا ولتحسين تجربتك. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط.