يُعَدّ الحجّ الرُّكن الخامس من أركان الإسلام، وقد فرضه الله -تعالى- في السنة التاسعة للهجرة، ويدلّ على فرضيّته قوله -تعالى-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)، بالإضافة إلى قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (بُنِيَ الإسْلامُ علَى خَمْسٍ، شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وحَجِّ البَيْتِ، وصَوْمِ رَمَضانَ)، كما أنّ الفُقهاء اتّفقوا على فرضيّته، ولم يُخالف منهم أحد ذلك؛ فكان ذلك إجماعاً.
والحجّ من العبادات العظيمة التي يترتّب عليها الأجر والثواب العظيم من الله -تعالى-، كما أنّه مُكفِّر لسيِّئات المسلم؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن حَجَّ هذا البَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كما ولَدَتْهُ أُمُّهُ)، كما سمّاه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- (جهادٌ لا قتالَ فيه)؛ لِما فيه من الصبر على المَشقّة، والتعب، إلى جانب ما فيه من تضحية بالنَّفس، والمال، والاجتهاد في أدائه مُحبَّبٌ للمسلم.
يقول الله -تعالى-: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)، وقد اتّفق فُقهاء المذاهب الأربعة من الحنفيّة والشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة على أنّ يوم الحجّ الأكبر هو يوم النَّحر، وبيَّن الشافعيّة أن تسمية يوم النَّحْر بالحجّ الأكبر كانت؛ للتمييز بينه وبين الحجّ الأصغر؛ وهي العُمرة، وهو يكون في أشهر الحجّ، وهي: شوّال، وذو القِعدة، والعَشر الأُوَل من ذي الحجّة، ويُشار إلى أنّهم استدلّوا على أنّ يوم الحجّ الأكبر هو يوم النَّحْر؛ وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة بحديث النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في يوم النَّحْر وهو يخطب بالصحابة -رضوان الله عليهم-، إذ قال: (أيُّ يومٍ هذا ؟ قالوا : يومُ النَّحرِ ، قالَ : فأيُّ بلدٍ هذا ؟ قالوا : هذا بلَدُ اللَّهِ الحرامُ ، قالَ : فأيُّ شَهْرٍ هذا ؟ ، قالوا : شَهْرُ اللَّهِ الحرامُ ، قالَ : هذا يومُ الحجِّ الأَكْبرِ)، وبما جاء عن أبي بكر الصدّيق، وعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهما- من أنّهما أذَّنا بالآية التي أُمِرَ بها بالأذان في يوم الحجّ الأكبر؛ أي في يوم النَّحْر.
وقِيل إنّ الحجّ الأكبر هو الذي حجّ فيه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومِمَّن قال بذلك العلّامة نوح بن مصطفى الحنفيّ، وقِيل إنّه يوم الجُمعة، ومِمّن قال بذلك المغيرة بن شعبة، وابن أبي الأوفى، وقِيل إنّها أيّام التشريق؛ لأنّها أيّام مُختصّة بمناسك الحجّ دون أعمال ومناسك العُمرة، وذهب إلى ذلك مجاهد، وسفيان الثوريّ، وقِيل إنّ الحجّ الأكبر حَجُّ القِران، والحجّ الأصغر حجّ الإفراد، ومِمّن قال بذلك مجاهد، وذهب بعضهم إلى أنّ الحجّ الأكبر هو يوم عرفة، كابن عبّاس، وعمر، وسعيد بن المُسيِّب؛ مُستدلّين بقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (الحجُّ عرفةُ ، فمن أدرك عرفةَ فقد أدرك الحجَّ)، ولأنّ عرفة أعظم مناسك الحجّ، ومن فاتَه الوقوف بعرفة فقد فاتَه الحجّ، ومن أدركه فقد أدركَ الحجّ.
ذهب فقهاء الحنفيّة والشافعيّة، والمالكيّة، والحنابلة إلى أنّ تسمية يوم النَّحْر بيوم الحجّ الأكبر تعود إلى اشتماله على مناسك عظيمة؛ سواء في ليله بالوقوف بعرفة، أو في نهاره بالنَّحْر، والطواف، والسَّعي، والحَلْق؛ فالحجّ هو الزمان، والأكبر هي الأعمال التي فيه، واستدلّوا على ذلك بقوله -تعالى-: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)، وقِيل لأنّه اليوم الذي ينتهي فيه الحاجّ من إتمام مناسكه، ومِمّن قال بذلك الحافظ ابن حجر، وقِيل للتفريق بينه وبين العُمرة التي تُعَدّ الحجّ الأصغر كما بَيَّن النوويّ.
اختلف الفُقهاء في الأعمال التي يُؤدّيها الحاجّ في يوم النَّحر على آراء، وبيانها فيما يأتي:
موسوعة موضوع