آثار العصر الحجري الحديث بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
آثار العصر الحجري الحديث بالرياض في المملكة العربية السعودية

آثار العصر الحجري الحديث بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
يُعَدُّ العصر الحجري الحديث عصر بداية الاستقرار الدائم في القرى، وإنتاج القوت بشكل فعال، سواء عن طريق تربية الحيوانات والطيور، أو عن طريق الزراعة، أو الزراعة وتربية الحيوان معًا. ويقسم الباحثون العصر الحجري الحديث إلى قسمين: قسم يطلقون عليه اسم العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، ويعطونه امتدادًا زمنيًا يبدأ بالألف التاسع ويستمر حتى الألف السابع قبل الميلاد، وقسم يطلقون عليه اسم العصر الحجري الحديث الفخاري، ويعطونه امتدادًا زمنيًا يبدأ بالألف السابع قبل الميلاد، ويستمر حتى ظهور الكتابة في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد. ومع أن الصورة غير واضحة في المملكة العربية السعودية، إلا أن ما كشفت عنه الأعمال الميدانية كفيل بأن يقول إن المنطقة كانت مسكونة خلال ذلك العصر بقسميه: ما قبل الفخار، والفخاري.
 
إن الدراسات التي تناولت العصر الحجري الحديث في منطقة الرياض قليلة، ويتمثل أقدمها فيما ذكره الرحالة الغربيّون الذين قدر لهم أن يزوروا المنطقة خلال القرن العشرين وبخاصة هاري سنت جون فيلبي. أما ما جاء بعد عصر الرحالة، فقد اقتصر على أعمال مسحية سريعة قامت بها وكالة الآثار والمتاحف السعودية. وإلى جانب الأعمال المسحية فقد أنجزت حفرية واحدة في موقع من مواقع العصر الحجري الحديث في منطقة الرياض. وفي ضوء نتائج تلك المسوحات والحفرية يتأكد أن إنسان العصر الحجري الحديث قد استوطن أجزاءً كثيرة من المنطقة، وترك فيها آثاره، خصوصًا أدواته الحجرية  وأسلحته ومواقده وكِسر أوانيه الفخارية وأرحيته الحجرية وبعض مستلزماته الأخرى مثل الخرز الحجري وكِسر أواني الحجر الصابوني.
 
وتستند نتائج دراسات العصر الحجري الحديث في المنطقة إلى أسس جيدة ومصداقية عالية، فجلّ المعلومات المتوافرة جاءت عن طريق المسوحات الميدانية. وشكلت الأدوات العينية مصدرًا للمعلومات. أما التأريخ، فإلى جانب الدراسات العلمية لتقنية صناعة الأدوات وتطور أنواعها، واختلاف أشكالها، فقد استخدم تحليل كربون 14 على مواد متكربنة وأصداف ورواسب التقطت من مواقع العصر المعني بالحديث وبخاصة قيعان البحيرات.
 
ويصعب على الباحث أن يحدد الزمن الذي انتقلت خلاله المنطقة العصر الحجري القديم الأعلى إلى العصر الحجري الحديث، ولكن، في ضوء ما يوجد من أدلة يمكن القول إن الألف السابع قبل الميلاد هو بداية التحول، إذ تشير تقارير وكالة الآثار والمتاحف إلى العثور على أنواع من الأدوات الحجرية يمكن أن تؤرخ إلى ذلك الزمن بمقارنتها مع مثيلات لها وجدت في مواقع بفلسطين وبلاد الشام، بالإضافة إلى ظهور آثار أساليب وتقنيات العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار على تلك الأدوات.
 
ومن ناحية أخرى، لا يوجد في المادة العلمية المنشورة دليل قاطع يحدد الزمن الذي خلاله تجاوز الإنسان في المنطقة العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار إلى العصر الحجري الحديث الفخاري، فأغلب المواقع التي عُثر فيها على أدوات حجرية تعود إلى العصر الحجري الحديث تخلو من أي مادة مصنوعة من الصلصال وتحديدًا الأواني الفخارية؛ ولذلك يقوم افتراض ظهور العصر الحجري الحديث على تقنية صناعة الأدوات الحجرية من ناحية، وعلى أشكال الأدوات ووظائفها من الناحية الأخرى. ويعدّ ظهور رؤوس السهام مشحوذة الوجهين، والشوكية ذات الغمد، علامة تاريخية بارزة لظهور العصر الحجري الحديث في المنطقة  ،  بالإضافة إلى عدد من الرقائق من الزجاج البركاني الأسود، وشظايا من الزبديات المصنوعة من الحجر الصابوني التي تؤرخ بين 9000 و 4000 ق.م.
 
ويمكن وضع المواد التي أعقبت ظهور صناعات العصر الحجري القديم في المنطقة فيما يسمى تقليدًا (العصر الحجري الحديث) استنادًا إلى الدلائل الآتية:
 
 المادة الخام: شيرت / صوان.
 
 تكنولوجيا الصناعة: الشطر بوساطة الضغط.
 
 نتاج الصناعات: الأشكال الورقية، والمكاشط، والمناقيش، ورؤوس السهام  . 
 
 
بينت نتائج الأعمال الميدانية أن مواقعه جاءت في بيئات تناسب الإقامة الدائمة من جهة، وتناسب حياة الرعاة وتربية الماشية من جهة أخرى؛ فغالبية هذه المواقع اكتشفت على حواف الأودية الكبيرة مثل: وادي الثمامة، ووادي الشوكي، ووادي المخر، ووادي حفر العتش، ووادي الحيسي، ووادي صلبوخ، ووادي حنيفة، ووادي نساح، ووادي برك، ووادي نعام، ووادي الدواسر، ووادي مرخ، ووادي مريخة، وعدد من الأودية والشعاب الأخرى. أما البيئة الثانية التي عرفها إنسان تلك العصور، فهي الأفلاج التي تسمى أحيانًا الفجوج أو الخبوب أو النقر، وهي توجد بين الكثبان الرملية، وتكون أحيانًا قيعان بحيرات جفت بعد أن كانت نشطة إبان العصر الحجري الحديث. وتكثر هذه المواقع على مصاطب الجبال التي كانت تشكل - أحيانًا - ملاجئ طبيعية ومآوي للإنسان. وعثر على عدد من المواقع على القمم المستوية للجبال والهضاب وبخاصة تلك التي تطل على أودية ذات أغطية نباتية مفيدة للحيوانات وللإنسان.
 
ويؤكد هذا الانتشار المكاني أن مواقع إنسان العصر الحجري الحديث في المنطقة تتركز حول أمكنة وجود المياه والغطاء النباتي، وبخاصة تلك البيئات التي تتوافر فيها النباتات المناسبة للحيوانات، وتفي بحاجات الإنسان، كما يلاحظ أن الإنسان اختار أمكنة جيدة يصعب الوصول إليها، إما لوعورة الطريق وإما لوجودها في أمكنة مختفية طبيعيًا.
 
واستنادًا إلى ما جاء في نتائج مسح المنطقة لعام 1398هـ / 1978م فإن مواقع العصر الحجري الحديث تكثر حول وإلى الجنوب من مدينة الخماسين في محافظة وادي الدواسر، مع وجود عدد أقل من ذلك بالقرب من محافظة السليل. ولعل من أهم هذه المواقع الموقع المعروف بالرقم 211 - 4 الواقع في محافظة وادي الدواسر الذي يمثل بحيرة صغيرة كانت محاطة بترسبات جصية واسعة، وقد تُمكن من معرفة وتحديد شواطئ هذه البركة عن طريق وجود الترسبات السوداء والأصداف المنتمية إلى ميلانويد تيوبركولاتا (Melanoides Tuberculata). وقد استخدم كربون 14 في تأريخ كل من الترسبات السبخية والأصداف الحلزونية، وأعطت النتائج تاريخين هما 5726 سنة و 5725 سنة قبل الميلاد 
 
يوجد كذلك موقع مسجل بالرقم 212 / 44 في سجلات وكالة الآثار والمتاحف، يقع ضمن رمال وادي الدواسر؛ وذلك نظرًا إلى العثور على ترسبات جصية وأصداف ميلانويد تيوبركولاتا التي ربما أنها كانت تحدد أطراف النبع الجاري، ويبدو أن الموقع كان يقع في بطن وادٍ. وأخذت عينة من الأصداف وحللت بوساطة كربون 14 فأعطت تاريخًا هو 5727 سنة قبل الميلاد  
 
ومن مميزات مواقع هذا العصر بالمنطقة احتواء عدد منها على مواد وأدوات حجرية ورسوم صخرية متعاصرة مكانيًا، وربما زمانيًا، حيث يعتقد أن الأشخاص الذين استخدموا تلك الأدوات هم الأشخاص الذين قاموا بنقش الرسوم على الصخور المجاورة لأمكنة وجود الأدوات الحجرية. ويُعَدُّ الموقعان المسجلان بالرقمين 211 / 10 و 211 / 12 الواقعان في وادي الدواسر من بين المواقع التي وجدت فيها هذه الظاهرة، وبخاصة الرسوم الصخرية للإنسان ذي الرأس البيضاوي؛ ولذا يظن بعض الباحثين أن المواد المكتشفة يمكن أن تؤرخ من الخمس المتأخر من أواسط الألف الثالث قبل الميلاد 
 
وبخصوص المحافظات الجنوبية الغربية للمنطقة، فإنه توجد في الجانب الشمالي من وادي صفاقة مجموعة من قمم الجبال المطلة على بلدة صفاقة، وعلى إحدى القمم وجدت مجموعة من الركامات، أحدها ركام ترابي محاط جزئيًا بشكل هلال حجري على هيئة محيط دائرة بطول ثمانية عشر مترًا، كما يوجد ركامان وجدار حجري، وجميعها أُرخت بالعصر الحجري الحديث 
 
وفي موضعين بالدوادمي يتشابهان في الظروف البيئية يوجد موقعان مسجلان بالرقمين 206 / 60 و 206 / 77 يمكن تصنيفهما من الفئة ذاتها. كما عُثر في أحد المنحدرات الشديدة المتكونة من الحجر الجيري، ويطلق عليها صفراء حقيل، على عدد كبير من المنشآت التي تواجه الغرب  ، وكانت كبرى وحداتها تحتوي على مجموعة متناثرة من بعض رقائق الكوارتزيت الصغيرة ونويات الأحجار وغيرها من مختلف القطع، ويعتقد أن هذه القطع قد تعرضت لفترتين من الاستخدام. وتتميز هذه المجموعة عن غيرها بوجودها داخل منشآت معمارية؛ ما يعني أن مستخدمها كان إنسانًا مقيمًا  
 
ويوجد عدد كبير من المنشآت المذيلة المتباينة في أطوالها في الموقعين المسجلين بالرقمين 206 / 60 و 206 / 77 الواقعين في صفراء حقيل. وتتميز هذه الوحدات بأن لها رؤوسًا صغيرة للغاية وذيولاً ضيقة، وتكون الرؤوس في بعض الأحيان من الطرفين معًا. ويبدو أن الدوائر الحجرية الضخمة التي قد يصل قطر الواحدة منها إلى 60م ترتبط بتلك المنشآت. ومع أن الفريق الآثاري ذكر أن وجود الأدوات الحجرية يقتصر على بعض الأمكنة المتناثرة حول الأطراف، إلا أنهم لا يجزمون بأن مستخدمي تلك الأدوات هم مشيدوها، إلا أن هذا التبرير غير مقنع؛ فوجود الأدوات حول المنشآت يدل على أن من كان يقطن تلك المنشآت هو الذي صنع تلك الأدوات واستخدمها.
 
وفي الموقع المسجل بالرقم 207 / 43 بمحافظة ضرماء، وجد أعضاء فريق المسح الميداني أدوات حجرية تنتمي إلى الحقبة نفسها؛ أي حقبة ما بين 5000 و 3000 ق.م. وفي الموقع المسجل بالرقم 210 / 24 وجدت مستوطنة صغيرة مكونة من دوائر حجرية صغيرة ومواقد ومجموعة متنوعة من المنشآت (تضم أدوات حجرية) بدت كأنها ترتبط بمختلف أنواع القبور القريبة منها. وبالإضافة إلى ذلك فقد عثر فريق المسح في القبور الموجودة في الموقعين المسجلين بالرقمين 206 / 67 و 210 / 73 على بعض حبات الخرز ذكر أنها من نفس النوع الذي يؤرخ إلى العصر الحجري النحاسي  
 
أما الانتشار الأوسع لمواقع العصر الحجري الحديث، فقد بدا في شمال شرق مدينة الرياض، في الثمامة وهضبة العرمة وعروق بنبان الرملية  .  واستنادًا إلى مسح عام 1401هـ / 1981م لتلك النواحي فإن المواقع تتركز في أربع بيئات، هي:
 
 الموقع البيئي الأول: يتمثل في مصاب الأودية، والأراضي المنخفضة، ومرتفعات جبل طويق، وفي هذه البيئات عثر على المواقع المسجلة بالأرقام 207 / 72، 82، 95، 104، 110، 111. وتوجد بقايا الأدوات الحجرية بكل موقع من المواقع المنتشرة في مساحات كبيرة، فيوجد في الموقع رقم 207 - 82 أدوات حجرية تنتشر لمسافة تزيد على 300م على مصاطب رسوبية فوق الرمال الحمراء الزاحفة  
 
 الموقع البيئي الثاني: يوجد على الشواطئ القديمة للبحيرات حيث عُثر على المواقع المسجلة بالأرقام 207 / 89 - 90، 92، 112 والتي كانت بحيرات صغيرة قطرها أقل من نصف كيلومتر. وقد عثر في تلك المواقع على أدوات متناثرة من العصر الحجري الحديث تتكون من رقائق، وأحجار الخام المستهلكة المتناثرة، والقطع الصغيرة عند الشاطئ الشمالي للبركة أو البحيرة  
 
 الموقع البيئي الثالث: هو التلال الرملية، كتلك الواقعة شمال غرب الرياض. وترتبط تلك التلال بمواقع البرك الموسمية التي تتكون في المنخفضات بين التلال أو بالقرب من نقاط تلاقي   الأودية. وتُعَدُّ رمال بنبان الواقعة إلى الشمال الغربي من الرياض من أفضل الأمكنة لمواقع العصر الحجري الحديث، حيث وجدت المواقع المسجلة بالأرقام 207 / 97 - 98، 102 - 103
 
 الموقع البيئي الرابع: يتمثل بقاعدة تكوينات الحجر الرملي في منطقة هضبة العرمة، ويشمل هذا النوع المواقع المسجلة بالأرقام 207 / 47، 74، 84، 88.
 
وكشفت المصاطب الصخرية العالية في وادي (المخر) عن مواد كثيرة تعود إلى هذا العصر غرب منطقة عرق بنبان الرملية، ومنها الموقع المسجل بالرقم 207 / 120.
 
ويوحي ذلك التباين في مظاهر البيئة بأن الإنسان في مرحلة العصر الحجري الحديث المطيرة كان موفقًا في استغلال الموارد المتعددة للثروات وسبل العيش في منطقة العارض  
 
وعُثر في شعيب الحيسية الواقع على الامتداد الشرقي لجبل طويق على عدد من مواقع العصر الحجري الحديث، حسبما أفاد بذلك زارينس وآخرون، مستندين إلى عثورهم على مجموعة من النصال والرقائق أرجعوها إلى الألف السادس قبل الميلاد، وذلك عند مقارنتها بمواد عُثر عليها في شبه الجزيرة القطرية، وأرخت بموجب تحاليل كربون 14 بالزمن المذكور. ونظرًا إلى وجود مجموعة من الأدوات لها أطراف مدببة أظهر زارينس ميلاً إلى تأريخها بالألف السابع قبل الميلاد اعتمادًا على قابليتها للمقارنة مع مواد عثر عليها في سورية وأُرِّخت بالزمن المذكور آنفًا
 
ويعدُّ الموقع المسجل بالرقم 212 / 34 في سجلات وكالة الآثار والمتاحف السعودية من أهم مواقع شعيب الحيسية؛ وذلك بسبب وفرة الأدوات الحجرية فيه، وبخاصة النصال ذات الشكل الشبيه بشكل المنحرف التي استخدمت في صناعة المثاقب والقطع المسننة، كما عُثر في هذا الموقع على عدد من الرقائق السميكة والقطع الكبيرة المصنوعة من مختلف المواد. وقد سيطر حجر الشيرت ذو الحبيبات الرقيقة على صناعة النصال. 
 
ويوجد في محافظة ضرماء عدد من المواقع سجلتها وكالة الآثار والمتاحف بالأرقام 207 / 41 - 42، 44، 48 - 49، 64. وعثر في تلك المواقع على نويات الأحجار والنصال والرقائق والأسنة والمثاقب والمكاشط ومخلفات التصنيع، وصنعت جميعها من حجر الشيرت الأبيض والأصفر والبني. وبسبب عدم ظهور آثار التعرية الصحراوية إلا بدرجة قليلة، إضافة إلى أن الندوب التي تظهر نتيجة عملية التصنيع تبدو حديثة، فقد وضع في الحسبان أن هذه الأدوات تعود إلى فترة ما بعد العصر الحجري القديم. ونظرًا إلى خلوها من الأدوات مستدقة الأطراف والأنواع مشحوذة الحدين والأدوات المعدة للجرش فقد عُدَّتْ تنتمي إلى فترة تسبق الألف الخامس قبل الميلاد  
 
شارك المقالة:
59 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook