آثار العصور الإسلامية بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
آثار العصور الإسلامية بالرياض في المملكة العربية السعودية

آثار العصور الإسلامية بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
انضم وسط الجزيرة العربية (منطقة الرياض) تحت لواء الدولة الإسلامية خلال العهد النبوي، وتشهد الأحداث التاريخية على أن المنطقة كانت عامرة بالسكان والمستوطنات، وذات ثراء اقتصادي. ونتيجة للأعمال الآثارية الميدانية تم التعرّف على بعض المواقع والمواد الآثارية العائدة إلى الفترة الإسلامية التي تشير إلى ضرورة استمرار المسح لكشف الآثار المتبقية ومن خلال العمل الأثري الميداني تم التعرف على الآثار الإسلامية، والمتمثلة في الآثار الثابتة والآثار المنقولة:
 

الآثار الثابتة

 
أ - دروب الحج:
 
استفادت المنطقة منذ العصور التاريخية القديمة من موقعها الجغرافي الذي مكنها من أن تكون حلقة وصل مهمة لدروب التجارة البرية التي كانت تصل حواضر ونواحي جنوب الجزيرة العربية وغربيها بشرق الجزيرة العربية وببلاد العراق وبلاد فارس. وبطبيعة الحال انعكس هذا التميز الجغرافي على مكانة إقليم اليمامة الاقتصادي، وساعد سكانها على التعامل والتبادل التجاري داخل المحيط الجغرافي لجزيرة العرب وخارجه  ،  بجانب ما تميزت به المنطقة كلها من وفرة في النخيل والثمار؛ إذ كانت " أكثر نخيلاً وثمرًا من المدينة المنورة ومن سائر الحجاز " 
 
استمر استخدام الكثير من مسارات الدروب البرية التجارية القديمة بعد ظهور الإسلام، ونال بعضها شيء من التغيير في مساره ليتلاءم وفقًا لوظيفته العملية الجديدة. وتأسيسًا على هذا الوضع، ارتبط إقليم اليمامة، سواء بالأمكنة المقدسة أو بالبلدان والمناطق المجاورة له، بشبكة حيوية وضخمة من الطرق البرية التي سهلت - إلى درجة كبيرة ومرضية - مرور الحجاج والمعتمرين والزوار، ويسرت وصولهم بكل أمان وطمأنينة، إضافة إلى ما كانت تؤديه هذه الشبكة من الدروب البرية في زيادة نمو الاقتصاديات المحلية وتسهيل التبادل التجاري بين المناطق المعنية.
 
ووفقًا للمعلومات المصدرية المبكرة، يمكن تصنيف حالة دروب المنطقة في العصور الإسلامية المبكرة طبقًا لوظائفها العملية كالآتي:
 

 شبكة الدروب البرية

 
تصل ركب الحج اليمامي، ومن انضم إليهم من الحجاج الآخرين، بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وينبثق من هذه الشبكة ثلاثة دروب رئيسة، هي:
 
أ) طريق اليمامة - مكة المكرمة:
 
عمل مسار هذا الطريق بمحطاته ومنازله على خدمة حجاج المنطقة وما جاورها، وخدمة من قدم إلى اليمامة أيضًا من حجاج شرق الجزيرة العربية وبلاد العراق. وكان الدرب معروفًا وفي حيز الاستخدام خلال القرون الهجرية الأولى، وتم رصد وتوثيق مساره ومحطاته ومنازله من قِبل ثُلة من العلماء العرب المسلمين الأوائل، منهم: ابن خرداذبة  ،  الذي عاش في منتصف القرن الثالث الهجري / القرن التاسع الميلادي، ولغدة الأصفهاني   الذي شهد نهاية القرن الثالث الهجري / القرن التاسع الميلادي، والحربي  ،  القرن الثالث الهجري / القرن التاسع الميلادي، وقدامة  ،  بداية القرن الرابع الهجري / القرن العاشر الميلادي، والإدريسي  ،  القرن السادس الهجري / القرن الثاني عشر الميلادي وغيرهم، وينفرد العالمان لغدة الأصفهاني وابن إسحاق الحربي بتفصيلاتهما الجغرافية ووصفهما عن محطات الدرب ومنازله مقارنة بالجغرافيين الآخرين.
 
شكلت مدينة حجْر حاضرة إقليم اليمامة التي قامت على أنقاضها مدينة الرياض الحالية، النقطة الرسمية والرئيسة لبداية مسار درب اليمامة - مكة المكرمة، لينتهي مسار الدرب نفسه فيما بعد عند التقائه بطريق البصرة- مكة المكرمة وذلك بمحطة الدثينة (المعروفة الآن باسم الدفينة)   أو بمحطة القريتين (المعروفة الآن باسم النباج)  ،  وكلتا المحطتين تقع في منطقة القصيم الحالية. ويندمج مسار طريق اليمامة - مكة المكرمة، عندئذٍ، مع المسار الرئيس لطريق البصرة - مكة المكرمة ليصبحا بذلك دربًا واحدًا مؤديًا إلى الأمكنة المقدسة.
 
يجتاز مسار الدرب، بعد انطلاقه من حاضرة ولاية اليمامة، أراضي متباينة في طبوغرافيتها، فمنها السهول والقيعان المنبسطة (كقَرْقَرى اليمامة " البطين " - والمروت)، والأودية والشعاب الصعبة الملتوية (كوادي العِرْض " وادي الباطن " - وعُكّاش " وادي القِرْنة ")، والرمال الغزيرة (كالرّمْلة " نفود قنيفذة " - ورملة جُرَاد " غرب نفود السر ")، والعقاب الجبلية الصعبة (كَثَنِيَّة الأحَيْسي " الحيسية ")، والأراضي الخشنة الصلبة (كالغُرَيز " الميركة "). وفي المقابل، كان مسار الدرب يحفل بالمناهل المائية كتبراك والأسْوَدَة، جنبًا إلى جنب مع القرى الغنية بالمياه والمكتظة بالنخيل كالجزالاء، والخَنْفَس " خنيفسة "، والمحطات الصناعية التي اشتهرت بمعادنها كالعِيْصَان، ومعدن الأسْوَدَة، كما أن محطات الطريق لم تخل من وجود بعض الحصون المُحكمة كحصن كندة، وحصن تميم، وحصنين لثقيف  
 
وعلى الرغم من مرور قرونٍ على محطات الدرب ومنازله ومناهله، واستبدال بعض الأسماء وعصف رياح الدهر وتكالبها على مرافق الطريق ومنافعه، إلاّ أنه لم تزل هناك بعض الشواهد الآثارية على مسار هذا الدرب كالمنشآت المائية المتمثلة في الآبار والبرك والخزانات، وبقايا آثارية لأطلال بعض المحطات والمنازل والمناهل  . 
 
ب) طريق اليمامة - مكة المكرمة مرورًا بمرات:
 
ينفرد أبو إسحاق الحربي   بالإشارة إلى وجود هذا الدرب الذي يصل المنطقة بالأمكنة المقدسة عن طريق مروره بعقرباء (بلدة الجبيلة) وقرية بني سدوس (سدوس)، ومن ثم يخترق بلاد سدير (الفقي) فبلدة (مرات)، الواقعة حاليًا في بلاد الوشم، ليصل مسار الدرب في نهاية المطاف إلى محطة القريتين الواقعة على طريق البصرة - مكة المكرمة، التي سبق ذكرها.
 
ج) طريق اليمامة - مكة المكرمة مرورًا بالأفلاج:
 
لعب مسار طريق اليمامة - مكة المكرمة حيث يمرّ بمحافظة الأفلاج (الفلج) دوره التاريخي والحضاري قبل ظهور الإسلام، وذلك في مجال التبادل التجاري، فقد كان يربط اليمامة بحواضر ومراكز جنوب الجزيرة العربية وغربيها عن طريق اتصاله بمحافظة الأفلاج التي كانت تمثل حاضرة مزدهرة وسوقًا تجارية مشهورة في جنوب اليمامة.
 
وتشير المصادر الإسلامية المبكرة إلى أن هذا الدرب لم يكن من طرق الحج الرئيسة التي تربط إقليم اليمامة بمكة المكرمة، والمدينة المنورة، بل كان يعدُّ من الدروب البديلة لغرض الحج أو التجارة، واستخدم لهذا الغرض أو ذاك، كما فعل الرحالة ناصر خسرو عام 443هـ / 1051م   عندما اتخذه مسارًا له من مكة المكرمة إلى اليمامة وهو في طريقه إلى البصرة؛ فبوصول قافلة تجارية من اليمامة لتحصيل الأدم اليماني من الأفلاج، انضم الرحالة ناصر خسرو إلى القافلة ووصل إلى بلدة اليمامة بعد مسيرة أربعة أيام بلياليها  . 
 

دروب إقليم البحرين وشرقي الجزيرة العربية والعراق

 
إلى جانب هذه المنظومة من طُرق الحج البرية التي خدمت حجاج اليمامة وحجاج الأراضي المجاورة لها، ارتبطت المنطقة، أيضًا، بشبكة أخرى من الدروب التي كانت تمثل في الحقيقة دروبًا تغذي طرق الحج اليمامية بالحجاج والمعتمرين والزوار؛ فقد كان إقليم البحرين (شرق الجزيرة العربية) وبلاد العراق يرتبطان باليمامة بوساطة ثلاثة دروب رئيسة على الأقل، هي:
 
أ) طريق اليمامة - البحرين:
 
اتصلت اليمامة بحواضر إقليم البحرين (شرق الجزيرة العربية) كمدينة هجر (الحسا / الأحساء)، ومدينة القطيف، بطريق تجاري مهم قبل ظهور الإسلام؛ إذ كانت تمثل الموانئ الهجرية مستودعًا تجاريًا لحواضر اليمامة وقراها  ،  وفي هذا الشأن يذكر أبو الفداء   الذي عاش في القرن الثامن الهجري / القرن الرابع عشر الميلادي، أن " بين الأحساء واليمامة مسيرة نحو عشرة أيام وأهل الأحساء والقطيف يجلبون التمر إلى الخرج، وادي اليمامة، ويشترون بكل راحلتين من التمر راحلة من الحنطة ".
 
ازدادت أهمية هذا الطريق مع ظهور الإسلام تبعًا للزيادة المطردة لقوافل الحج السالكة إياه؛ فإلى جانب ركب الحج البحريني استخدم الدرب، أيضًا، الحجاج القادمون عبر مياه الخليج العربي، سواء من بلاد فارس أو من القارة الهندية.
 
ويعد ناصر خسرو   وابن بطوطة   من أشهر الرحالة المسلمين الذين سلكوا درب اليمامة - البحرين، فقد قاما بتقديم أوصاف مختصرة للطريق وما يقع عليه من مرافق ومنافع. أما الهمداني  ،  القرن الثالث الهجري / القرن التاسع الميلادي، فيأتي في مقدمة الجغرافيين العرب المسلمين نتيجة المعلومات العلمية التفصيلية التي ضمّنها في وصفه لهذا الطريق من نقطة بدايته بالأحساء حتى نهايته في جو الخضارم (الخضرمة).
 
تعد السواحل الغربية للخليج العربي، بصفة عامة، نقطة انطلاق لهذا الدرب، بينما كانت حواضر إقليم البحرين والأحساء والقطيف مراكز مهمة لتجمع الحجيج قبل انضمامهم إلى الركب وانطلاقه رسميًا منهما. يتجه مسار الدرب بعدئذٍ صوب إقليم اليمامة بالاتجاه الغربي عابرًا مواضع ومحطات ومناهل مائية كثيرة، منها: الحفران (اللذان يعرفان الآن باسمي سلح ورويغب ويقعان إلى الغرب من نفود الدهناء)، ليصل الطريق إلى أطراف صحراء الصمان المشهورة بكثرة المكامن المائية الطبيعية من دحول ومصانع (غدران). يجتاز الطريق، من ثم، أطراف نفود الدهناء ليصل في النهاية إلى الخضرمة مرورًا بمناهل مائية مشهورة ومعروفة حتى الوقت الراهن، منها: نظيم الجفنة، والوسيع، والسهباء، والروضة.
 
ب) طريق اليمامة - البصرة:
 
اعتاد حجاج مدينة البصرة خلال القرنين الهجريين الأولين أن يسلكوا طريق المُنْكِدر، وهو طريق أهل الكوفة وأهل مكة المكرمة مرورًا باليمامة، بعد أن يجتازوا وادي السِباع الذي يبعد ستة أميال 12كم من البصرة؛ بعدئذٍ أصبحت سفوان (صفوان)، وهي ملتقى أغلب الدروب الخارجة من مدينة البصرة، المحطة الأولى لحجاج البصرة  .  ومن صفوان يتجه مسار درب البصرة - اليمامة إلى الجنوب الغربي محاذيًا بذلك رأس الشريط الساحلي للخليج العربي ومجتازًا محطة المُعَرْقبة (المعروفة الآن باسم أم قصر) حتى يصل إلى محطة كاظمة الواقعة بالقرب من مدينة الكويت الحالية  .  يتجه مسار الدرب شمالاً بانحراف نحو الغرب بعد مغادرته محطة كاظمة ليتصل بطريق المنكدر عند وادي فلْج - وادي حفر الباطن الحالي  .  وبعد اجتيازه يخترق مسار الدرب أطراف صحراء الدّو (المعروفة الآن باسم الدبدبة) وصحراء الصمان وحبال رملية تتصل بنفود الدهناء ليصل في النهاية إلى حجر اليمامة مرورًا بعدة مناهل مائية أغلبها يحتفظ باسمه حتى هذا الوقت، منها: الحفر (حفر العرمة)، والغَيْلانة بوادي الثمامة، ووادي بنبان، والسُلي، ووادي (ذو جراف) (أبو الجِرفان). تتسم المعلومات العلمية المصدرية التي ضمَّنها لغدة الأصفهاني في كتابه   حول هذا الدرب (درب اليمامة - البصرة) بشموليتها وتكاملها مقارنة بما اشتملت عليه مؤلفات بقية الجغرافيين العرب المسلمين الأوائل، أمثال: الحربي  ،  وابن خرداذبة  ، وقدامة  ،  وابن رسته  ، والبكري 
 
ج) طريق اليمامة - الكوفة:
 
ارتبطت بلاد اليمامة ببلاد العراق - إضافة إلى درب البصرة - بدرب آخر يُعرف في المصادر باسم طريق المنكدر  ،  ويبدأ هذا الدرب من مدينة حجر حاضرة اليمامة وينتهي بالقرب من محطة زُبالة الواقعة على طريق الحج الكوفي (درب زبيدة). يقع على مسار هذا الدرب أكثر من اثنتي عشرة محطة تتفاوت أحجامها وصفاتها المعمارية تبعًا لوظائفها العملية، فمنها المناهل المائية والمنازل والقرى والبلدات العامرة والأسواق. ولم تزل البقايا الآثارية لعدد من محطات الدرب ومناراته ماثلة فوق سطح الأرض.
 
بعد خروج مسار الدرب من حاضرة اليمامة يتجه إلى الشمال الغربي مرورًا بوادي بنبان ووادي العتك حتى يصل إلى منهل مُبايض، البلدة المعروفة الآن المعدودة من إقليم سدير، ومن ثم يجتاز الدرب عدة مناهل مائية، كما يجتاز سوق المجازة المشهورة، قبل وصوله إلى حبال رمال الدهناء ليصل بعدئذٍ إلى بلدة لِينة التي كانت من أشهر مناهل الدرب، وبعد مغادرته منهل لينة يندمج مسار الطريق مع مسار طريق الحج الكوفي (درب زبيدة) بالقرب من محطة زُبالة المعروفة.
 
ويبرز الجغرافي لغدة الأصفهاني من بين جميع الجغرافيين العرب المسلمين الأوائل في كمال وشمولية وصفه الجغرافي والتاريخي لهذا الدرب؛ فقد ضمن كتابه جميع محطات الدرب ومنازله ومناهله، مع تركيزه على وصف تضاريس المناطق التي يجتازها الطريق وأسماء القبائل القاطنة حول مساره 
شارك المقالة:
63 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook