أبرز المواقع التاريخية في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
أبرز المواقع التاريخية في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

أبرز المواقع التاريخية في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
هناك عدد من المواقع التاريخية التي تثبت إلى حدٍّ كبير عمق الاستيطان في هذه المنطقة، وتؤكد ما ذكره المؤرخون عن نجران، نورد فيما يأتي نماذج منها:
 
1 - الأخدود:
 
تقع مدينة الأخدود الأثرية - كما تسمى حاليًا - في قرية القابل على ضفاف وادي نجران من الناحية الجنوبية؛ وهي مدينة سُوِّرت حديثًا ومحيطها نحو 5كم  ، وبها عدد من آثار المباني والأسوار الضخمة، ومبنية بإحكام وبأحجار ذات أحجام كبيرة صنعت بدقة فائقة، وأنماط متعددة من الفخار وأدوات حجرية ضخمة، أهمها رحى ذات حجم كبير.  وقد أجريت بها بعض الحفائر الآثارية وأعطتنا نتائج متوافقة تقريبًا مع ما نشر عن الأخدود.
 
كما أن هناك آثارًا لحريق هائل التهم المدينة بأسرها، ويعتقد أن هذه الآثار نتجت من حرق (ذي نواس) لأهالي المدينة، ويرى البعض أن الحريق كان خارجها، غير أنه يمكن رؤية كميات هائلة من أكوام التراب المحروق، وفي هذه الأكوام تتناثر الأخشاب والعظام المحروقة، إضافة إلى أدوات الاستخدام اليومي.
 
2 - حمى:
 
تُعدُّ حمى من أهم محطات القوافل القادمة من جنوبي الجزيرة العربية إلى شماليها وبالعكس، وبها عدد من الآبار تسمى "آبار حمى"، وحمى من أهم المواقع التي تحوي رسومًا صخرية في المملكة ونقوشًا وكتابات، ولعل أهم هذه النقوش نقش الملك "يوسف أسار يثأر"  الذي سجل انتصاره على الأحباش سنة 518م.  
كما يوجد في حمى عدد من التلال الأثرية والملتقطات السطحية التي تعود إلى العصور الحجرية.
 
3 - خطمة:
 
وهو موقع أثري يعود إلى العصر الحجري الحديث، ويقع غرب مركز المنخلي في الربع الخالي، وقد عُثر فيه على عدد من الملتقطات السطحية. وكذلك توجد به آبار قديمة منحوتة داخل الأرض؛  وهي عميقة جدًا، وقد نضب ماؤها.
 
4 - العجمة:
 
يقع في شعيب دحضة الواقع في الناحية الشمالية الغربية من نجران، وقد وجدت فيه مجموعة من الأدوات الحجرية التي يرجع تاريخها إلى العصر الحجري القديم.
 
كما يوجد في نجران عدد من المواقع المنتشرة في أنحاء متفرقة من نجران، مثل: عرق البئر، والمندفن، والمتبطحات في الربع الخالي، ومواقع قرن الزعفران والمركب، ومواقع هدادة وبدر الجنوب، وغيرها وهي تعود إلى فترات تاريخية مختلفة قبل الإسلام  
 
ب - نجران وممالك جنوب الجزيرة العربية:
 
كانت نجران في الغالب داخلة في حلبة الصراع الدائر بين ممالك جنوبي الجزيرة العربية، حيث نرى أن دولة مَعين خلال القرنين: الرابع والثالث قبل الميلاد قد سيطرت على طرق التجارة في الجزيرة العربية حتى البحر المتوسط. ويعتقد بعض المستشرقين أن نجران انضمت بالكامل إلى حكم دولة مَعين خلال هذه الفترة، وأنها تأثرت بالصراعات التي وقعت بين الأسر السبئية الحاكمة  
 
وبحلول القرن الثالث الميلادي بدأت التجارة البرية بالاضمحلال؛ نتيجة للصراعات الدائرة في جنوبي الجزيرة العربية، ثم استطاعت دولة حِمْيَر بقيادة الملك (شمر يهرعش) السيطرة على أراضي السبئيين، ومن ثَمَّ أصبح الحِمْيَريون حكامًا لجنوب الجزيرة العربية، وكانت نجران خلال هذه الفترة عضوًا في تحالف الحِمْيَريين، والأحباش، وكندة، وكانت نجران تقع آنذاك بين منطقة نفوذ الحِمْيَريين في جنوبي الجزيرة العربية ومنطقة تنافس البيزنطيين والساسانيين في شمالي الجزيرة العربية للسيطرة عليها عن طريق استقطاب القبائل المجاورة لنفوذ كل من هذه الأطراف  
 
وكان الملك (شمر يهرعش) أول ملوك التبابعة وكان يلقب في البداية بملك سبأ وذي ريدان، ثم لقب فيما بعد بملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت. وتشير بعض النقوش؛ وبخاصة نقش النمارة المؤرخ في 328م، إلى أن امرأ القيس بن عمرو قاد جيوشه إلى نجران مدينة شمر، وهنا يعتقد بعض المؤرخين أن المقصود (شمر يهرعش) الثالث، وقد أشار النص إلى المعارك التي دارت بين شمر يهرعش وامرئ القيس الذي كان حليفًا للفرس. 
 
ويعتقد أن نجران أصبحت تحت حكم الدولة الحِمْيرية ابتداءً من القرن الثالث قبل الميلاد، وأصبح الحِمْيَريون حكامًا لجنوبي الجزيرة العربية دون منازع. وكان آخر ملوكها الملك الحِمْيَري (يوسف أسأر) الملقب بـ "ذي نواس" الذي كان يدين باليهودية وجعلها الديانة الرسمية لدولته. وعندما علم بأن النصرانية قد دخلت إلى نجران، وانتشرت بها أراد أن يعيد أهلها إلى اليهودية، وأرسل دعاته الذين لم يلاقوا قبولاً فقرر غزو نجران وحشد لذلك جيشًا ضخمًا سار به إلى المدينة التي فرض عليها حصارًا قويًا، ودخل عند وصوله إليها في مفاوضات مع أهل نجران بقيادة الحارث، ولم تنجح هذه المفاوضات، واستمر الحصار قرابة ستة أشهر من سنتي 524 - 525م وكان الظفر لذي نواس الذي طرح خيارين على أهل نجران: إما العودة عن الديانة النصرانية والرجوع إلى اليهودية أو القتل، فاختاروا القتل؛ فخدَّ لهم الأخاديد فحرق عددًا كبيرًا منهم، وقتل آخرين ومثّل بهم، وقدر هؤلاء بنحو 20.000، وكان الحارث ضمن هؤلاء، وأصبح يعرف فيما بعد بالقديس،  وأشاد بموقف المؤمنين وعدم تراجعهم عن دينهم، وهناك عدد من القصص حيال هذه المذبحة أوردتها كتب التاريخ والسيرة.
 
ولقد كان من نتائج هذه المذبحة أن قام النجاشي ملك الحبشة بإرسال جيش كبير عدده نحو سبعين ألف مقاتل بقيادة (أرباط) إلى جنوبي الجزيرة العربية بتشجيع من الدولة البيزنطية ودعمها وتمكن هذا الجيش من احتلال جنوبي الجزيرة العربية والقضاء على ذي نواس ودولته وفرضت الحبشة سيطرتها على جنوبي الجزيرة العربية.
 
ولا شك أن مذبحة الأخدود كانت من أبرز الأحداث في تاريخ نجران وأسوأها وأكثرها دموية، إلا أن نجران رغم ذلك استعادت مكانتها بوصفها واحة زراعية خصبة وسوقًا مشهورة من أسواق العرب خلال الفترة التي أعقبت حادثة الأخدود التي عرفت بالعصر الجاهلي، وانتهت مع بزوغ الإسلام  
 
ويتضح أن سبب هذه المذبحة كان رغبة الملك الحِمْيَري (ذي نواس) إعادة أهل نجران عن ديانتهم الجديدة " النصرانية " التي آمنوا بها إلى اليهودية التي أرادها لدولته وشعبه.
 
أما النصرانية التي اعتنقها أهل نجران فهي التي جاء بها "عيسى" عليه السلام، وبشر بها حواريوه، وقد انتشرت في نجران عن طريق أحد المبشرين ويدعى فيمنون حيث قدم هذا المبشر من الشام، واعتنق دعوته رجل من أهل نجران يدعى "عبدالله بن ثامر" وقد لازم ابن ثامر هذا المبشر وتعلق به واستطاع أن ينشر الديانة النصرانية  
 
ويشار هنا إلى أن دولة الأحباش قد حكمت جنوبي الجزيرة العربية ما يزيد على خمسين عامًا إلى أن استنجد أهالي جنوبي الجزيرة العربية بقيادة "سيف بن ذي يزن" بكسرى "أنوشروان" إمبراطور فارس الذي سارع بإرسال جيش ضخم إلى جنوبي الجزيرة العربية، وقام بطرد الأحباش. وبقي الحكم الفارسي لجنوبي الجزيرة العربية حتى بزوغ فجر الإسلام  
 
ج - نجران في الشعر:
 
ورد اسم نجران في عدد من القصائد الشعرية التي قيلت في الحماسة أو المدح أو غير ذلك من مجالات الشعر المتعددة، ومنها هذه الأبيات وهي: قصيدة للشاعر الجاهلي "عبديغوث بن وقاص" وقالها في معركة الكلاب الثانية:
 
ألا  لا تلوماني كفى اللوم ما بيا     ومـا لكما في اللوم خيرٌ ولا لِيَا
ألـم تعلمـا أن الملامـة نفعها     قليل  وما لومي أخي من شِمالِيَا
فيـا راكبًـا إما عرضت فبلّغن     ندامـاي مـن نجران ألا تَلاقِيَا
 وتحدث أحد اللصوص ويدعى"عطارد بن قران" وكان قد حبس هو ورفيق له من بني نهد ووُضعا في سجن نجران فقال:
 
يطـول  علـيّ الليلُ حتى أملَّه     فـأجلسُ  والنهدي عندي جالس
كلانـا بـه كبلان يرسف فيهما     ومسـتحكم  الأقفال أسمر يابس
تذكـرت أهلـي من حميم يهمُّه     بنجران  كـبلاي اللذان أمارس  
 وفي كرم بني عبدالمدان - وموطنهم نجران - قال أمية بن أبي الصلت:
 
ولقـد رأيـتُ القـائلين وفعلَهم     فـرأيتُ أكـرمهم بنـي الديان
ورأيـت  من  عبدالمدان خلائقًا     فَضَـل  الأنـامَ  بهن عبد مدان
الـبرُّ  يُلبـك بالشـهاد طعامهم     لا  مـا يعلّلنـا بنـو جدعـان  
 وقال أعرابي في سوق نجران:
 
إن تكونـوا قـد غبتمُ وحضرنا     ونزلنـا أرضًـا بهـا الأسواق
واضعًا  في سراة نجران رحلي     ناعمًا  غـير أننـي مشـتاق  
 كما قال "الفرزدق" في قصيدة له:
 
سـمونا  لنجـران اليماني وأهله     ونجـران  أرض لم تُدَيَّثْ مقاولُهْ
بمخـتلف الأصوات تسمع وسطه     كـرز القطا لا يفقه الصوتَ قائلُهْ
لنـا  أمره لا تعرف البلق وسطه     كثير  الوغى من كل حي قبائلُهْ  
د - أعلام من تاريخ نجران القديم:
 
هناك عدد من الأسماء من أهل نجران كتب عنها كثيرون، وكان لهم دور كبير في تاريخها، ولهم باع طويل في الشعر والأدب، وغير ذلك ومن هذه الأسماء نورد ما يأتي:
 
1 - قس بن ساعدة الأيادي:
 
يلقب بحكيم نجران، وهو من الشخصيات البارزة التي ظهرت على مسرح الأحداث في نجران، وطبعت تاريخها الأدبي بطابع مميز، وكان له أثر واضح في سير الأحداث قُبيل "البعثة النبوية" ويلقب أيضًا بـ "أسقف نجران".
 
ويُعدُّ قسٌّ في طليعة الحكماء والبلغاء الذين يؤخذ برأيهم من رواد البلاغة العربية، وأول من خطب على مكان مرتفع ممسكًا بعصاه، وأول من قال في الخطبة "أما بعد"، وهو أول من قال "البيَّنة على من ادعى واليمين على من أنكر" وكان قسٌّ قبل البعثة النبوية يدين بالتوحيد ويدعو إلى نبذ الأوثان والأصنام. وقد ترحم عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "يرحم الله قسًا، إني لأرجو أن يُبعث يوم القيامة أمة واحدة" وذلك بعد سماعه موعظته في سوق عكاظ وما بها من حسن كلام وقوة عبارة  .
 
ومن شعر قس بن ساعدة ما يأتي:
فـــي الســابقين الأولــي     ن  مـن القـرون لنـا بصـائر
لمـــا  رأيـــت مــواردًا     للقــوم ليس لهــا مصــادر
ورأيــت  قــومي نحوهــا     يمضــي  الأوائـل والأواخـر
ولا  يرجـــع المــاضي ولا     ويبقــى  مـن البـاقين غـابر
أيقنـــت أنـــي لا محــا     لـة  حـيث صـار القوم صائر
 
2 - الأفعى الجرهمي:
 
وهو من ولاة حِمْيَر على نجران، ويعد من الحكماء العارفين الذين يحلون عددًا من الأمور العالقة ويسمى " الفلس بن عمرو بن همدان بن مالك" وكان كاهنًا؛ وهو الذي احتكم إليه أولاد نـزار، وهم: مضر، وربيعة، وإياد، ونمار بوصية من أبيهم  
 
3 - عبدالله بن ثامر:
 
وهو رجل آمن بالله، وتعلم الديانة النصرانية على يد مبشر من بلاد الشام يدعى فيمنون، وقد أزعج حاكم نجران التابع للملك الحِمْيَري ذي نواس الذي حاول قتل ابن ثامر بطرق شتى فلم يستطع، فقال له عبدالله: لا تستطيع قتلي حتى تؤمن بما آمنت به، فقال الملك الحِمْيَري: باسم رب الغلام، فضربه بعصا فإذا هو ميت، فقال الناس: آمنا برب الغلام، ومن هنا بدأت الاستعدادات لحريق الأخدود المشهور  
 
وهناك شخصيات كثيرة ترد في الروايات نذكر منها: قيس بن الحصين، ويزيد بن عبدالمدان، ويزيد المعجل، وعبدالله بن قراد الزيادي، وشداد القثاني، وعمر الضبابس؛ وهو وفد بني الحارث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
 
بالإضافة إلى عدد من الأسماء البارزة التي وردت في كتب التاريخ والتراث العربي، وهذا يدل على أن الإنسان في نجران قد أخذ بأسباب الحضارة ومتطلباتها، وأثر في مجتمعه، وتأثر بالمجتمعات المحيطة به.
 
شارك المقالة:
42 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook