أبرز مراكز الاستيطان في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 أبرز مراكز الاستيطان في المملكة العربية السعودية

 أبرز مراكز الاستيطان في المملكة العربية السعودية.

 
 
إضافة إلى مكة المكرمة نفسها ينتشر في أرجاء المنطقة عدد من المراكز الاستيطانية ذات الأبعاد الحضارية والثقافية، ومن أهمها ما يأتي
 

مدينة الطائف

 
تقع الطائف فوق جبل غزوان المرتفع  ،  لذلك تتميز بطيب هوائها وبرد نسيمها، وسميت الطائف بهذا الاسم نسبة إلى السور الذي بناه بنو ثقيف ليطوف من حولها ويحمي أهلها وثرواتها من غارات الأعداء  .  وقد أشار عليهم ببنائه وأشرف على عملية البناء أحد الحضارمة الفارين من قومهم ويدعى الدمون بن عبدالملك الحضرمي  ،  خشية الثأر منه لقتله أحد أبناء عمومته  .  وفي سور الطائف قال الشاعر أمية بن أبي الصلت مفاخرًا
 
نحـن  بنينـا حائطًا حصينًا     يقـارع  الأبطـال  عن بنينا
تعود أقدم الأدلة الأثرية المؤكدة على استيطان الطائف إلى نحو ربع مليون عام قبل الوقت الحاضر، فقد عثر في جبل العرفاء الواقع على مسافة 35كم شمال شرقي الطائف على أدوات حجرية آشولية الصنع تؤرخ إلى العصر الآشولي الأوسط، وتتشابه تقنية صناعتها مع أدوات منطقة وادي فاطمة الحجرية، كما كشف في الموقع نفسه عن مجموعة من الرسوم الصخرية لحيوانات من فصائل برية وداجنة، تراوح تواريخها بين نهايات العصر الحجري الحديث وحتى فترة قبيل الإسلام، ويشتمل الموقع أيضًا على عدد من النقوش كتبت بقلم الخط الثمودي  ،  وهذه النقوش دليل واضح على استخدام سكان منطقة مكة المكرمة بوجه عام، والطائف على وجه الخصوص للخط الثمودي في توثيق معاملاتهم الخاصة والعامة خلال القرون الأولى للميلا
فضلاً عن ذلك تتجسد شواهد نشاط سكان الطائف خلال فترة ما قبل الإسلام في عدد آخر من المواقع، فقد حصرت بعثة مسح الرسوم والنقوش الصخرية التابعة لوكالة الآثار والمتاحف في موسمها الخامس عام 1410هـ / 1989م   سبعة عشر موقعًا في نطاق الطائف تحوي رسومًا ونقوشًا صخرية يؤرخ أقدمها من فترة العصر الحجري الحديث في أحياء النمور  وأم السباع ومنطقة ثلاثاء  ،  وبعضها من العصر البرونـزي، خصوصًا تلك التي في موقع العرفاء. كما عثر أيضًا على رسوم صخرية أخرى من عصور ما قبل الإسلام في عدد من المناطق بالطائف منها ضرس ماضب ووادي مريع 
وتتحدث المصادر التاريخية عن أنه كانت تتجسد في الطائف واحدة من أشهر عبادات الشرك في الجاهلية، تتمثل في صخرة (اللات)   التي بني بجوارها معبد كانوا يقصدونه هم وغيرهم من بعض العرب الآخرين للتبرك وأداء النذور، ومن المرجح أن هذا المعبد هو نفسه الذي همّ أبرهة أثناء غزوه مكة المكرمة بهدمه لولا أن خرج إليه مسعود بن معتب ومعه نفر من ثقيف، وأخبروه بمقولتهم المشهورة:" أيها الملك إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد، إنما تريد البيت الذي بمكة المكرمة، ونحن نبعث معك من يدلك عليه "  ،  وبذلك حافظ أهل الطائف على بيتهم، بيد أن ذلك لم يدم طويلاً، فقد هدم هذا البناء وحطمت الصخرة البيضاء من أسفله، بعد دخول أهل الطائف في الإسلام  ،  وذلك على يد بعثة أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم بقيادة خالد بن الوليد
وفي ضوء رواية هذه المصادر يتضح أن الطائف كانت منذ نهاية الألف الثاني وبداية الألف الأول قبل الميلاد حتى ظهور الإسلام مع مشارف القرن السابع الميلادي موطنًا للكثير من بطون القبائل العربية بالتعاقب  ،  بدءًا من بعض بني قينان، ويقال إنهم أول من غرسوها وعمروها، ثم من بعدهم بطون من الثموديين، ثم من قبيلة إياد ومن بعدهم قبيلة بني عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر، ثم غلبهم عليها بنو عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن  ،  ثم من بعدهم ساد فيها بنو ثقيف وهم جل أهل الطائف في فترة ما قبل الإسلام، وقد كان يساكنهم فيها - آنذاك - بعض القرشيين من كنانة وبعض بني عذرة ومزينة وهوازن وجهينة، والقليل من الأوس والخزرج
كما كان أهل الطائف منذ القدم حلفاء لأهل مكة المكرمة  ،  فقد كانت منطقتهم المصيف القريب لأهل مكة المكرمة وموضع راحتهم ومقرًا لبعض حدائقهم ومزارعهم. واستمر ذلك في صدر العصر الإسلامي، وحتى يومنا هذا، وينسب إلى عمرو بن العاص امتلاك مزرعة كروم ضخمة في الطائف، كانت تضم ما يقرب من ألف تكعيبة أو عريش
كانت الطائف منذ القدم منطقة زراعية متميزة ينتشر في أرجائها كثير من الحقول والمدرجات التي سويت وأعدت واستصلحت لزراعة أنواع كثيرة من النباتات، حتى ورد أنها كانت تحتوي على عدد من السدود وصل إلى سبعين سدًا  ،  وذلك لتجميع مياه الأمطار والمياه الجوفية، بقي منها حتى اليوم نحو ثلاثين سدًا  .  من أقدمها سد السملقي  الذي يعود تاريخ بنائه إلى نهايات الألف الثاني وبدايات الألف الأول قبل الميلاد، وهو سد حجري ضخم يمتد لمسافة مئتي متر طولاً، ويبلغ سمكه نحو عشرة أمتار  .  فضلاً عن بعض القنوات التي شقت لتصريف مياه السيول الزائدة، أو المياه المتخلفة عن بعض الصناعات التي راجت في المنطقة منذ أقدم العصور، ومنها صناعة دباغة الجلود التي اشتهرت بها الطائف قبل الإسلام، وتذكر بعض المصادر أن النعمان بن المنذر ملك الحيرة كانت له عادة سنوية تتمثل في إرسال إحدى قوافل تجارته المحملة بالحبوب والمسك إلى سوق عكاظ الذي كان ينعقد في ربوع الطائف لبيعها فيه، ومن ثم يشتري بثمنها كمية كبيرة من أدم الطائف الجيد، لكي يستخدمه النعمان في أثاث جياد فرسانه وسروجها وملابس جنده ونعالهم، وغير ذلك من الصناعات الجلدية اللازمة لبلاطه وربوع دولته
لقد اشتهرت الطائف بجودة منتوجاتها الزراعية، وكانت الكروم من أهم منتجاتها الزراعية، وعليها قامت قبل الإسلام صناعة النبيذ، كما تميزت أيضًا بزراعة عدد من أنواع الفواكه والنباتات ذات الاستخدامات الطبية التي كان أهل الطائف يستجلبون أشجارها من بلاد الشام   ومن غيرها من البلدان. كذلك تبوأت الطائف شهرة بارزة في صناعة التعدين، خصوصًا الأواني المعدنية التي كانت تتركز صناعتها في المناطق الجنوبية من الطائف
 

مدينة جدة

تقع جدة في سهل تهامة، وهي ميناء مهم على ساحل البحر الأحمر (بحر القلزم قديمًا)، وتشير الدلائل الآثارية إلى أن المدرجات والأودية الساحلية في جدة وجوارها كانت مكانًا للاستيطان منذ العصر الآشولي الأوسط، أي قبل نحو ربع المليون من الأعوام، كما تعكسه الأدوات الحجرية الموستيرية في بعض المواقع الأثرية القريبة من جدة  ،  وكذلك تلك الرسوم الصخرية على الجبال المحيطة في جدة، مثل جبل الرديهة الواقع على مسافة 20كم شمالي جدة   التي تصور أشخاصًا وحيوانات من فصائل مختلفة، على أن المنطقة كانت مأهولة في العصور القديمة بمجتمعات من الرعاة والصيادين الذين امتد نشاط بعضهم إلى صيد الأسماك والكائنات البحرية الأخرى. كما تؤكد تلك الرسوم الصخرية في جبل القصب   - الواقعة على بعد 60كم جنوب شرقي جدة والمنتمية إلى العصر الحجري الحديث والعصر البرونـزي، أي من الفترة بين بدايات الألف السادس ومنتصف الألف الثاني قبل الميلاد تقريبًا - تواصل الاستيطان في جدة والمواقع القريبة منها
ومنذ بداية الألف الأول قبل الميلاد تبلور الدور التجاري لجدة بوصفها ممرًا ساحليًا تعبره القوافل البرية   قبل أن تتبوأ دورها الشهير لتصبح ميناءً مهمًا على ساحل البحر الأحمر للسفن الكبيرة منذ منتصف الألف الأول قبل الميلاد، وليس فقط مرفًا لمراكب الصيد الصغيرة التي كانت تستخدم في عمليات الصيد البحري، وكانت تشكل جانبًا مهمًا من قوام حياة الجماعات البشرية في المنطقة. كما لا يستبعد كذلك أن الميناء قد قام بدور ما في التواصل بين سكان الضفتين الشرقية والغربية للبحر الأحمر، ذلك الذي تشير الأدلة الأثرية إلى وجوده منذ القدم، خصوصًا في ظاهرة التأثير والتأثر بين المناطق الغربية من الجزيرة العربية ووادي النيل
سكنت قبائل قضاعة أودية جدة وشعابها وسهولها، وبعد هجرة الخزاعيين من جنوب الجزيرة العربية إلى منطقة مكة المكرمة استوطن بعض بطونها في جدة  ،  وقد ورد في بعض الروايات أن بعض أكاسرة الفرس في منتصف الألف الأول الميلادي   قد اهتموا بجدة، وجعلوها أحد مراكزهم التجارية المهمة، بل بنوا من حولها سورًا وأحاطوها بخندق لحمايتها، وفي ذلك دليل على ثراء المنطقة
 

مدينة الليث

 
الليث محافظة ساحلية تقع جنوبي مكة المكرمة، وهي تتكون من سهول منخفضة في غربيها عند ساحل البحر الأحمر ومرتفعات جبلية في الشرق تمتد من الشمال إلى الجنوب، وقد عثر في أحد المواقع على السهل الساحلي بالقرب من الليث على سبع أدوات حجرية من العصر الآشولي يتجاوز تاريخها 200.000 عام قبل الزمن الحاضر  .  كما عثرت بعثات المسح الآثاري بالمنطقة على تلال أثرية بمحاذاة الشاطئ، وبما يدل على بقايا موانئ أو ربما مدينة ساحلية قديمة بالمنطقة، فضلاً عما سجلته البعثة نفسها من نقوش صخرية كثيرة في المنطقة، تتركز في تسعة عشر موقعًا مختلفًا، تقع كلها ضمن النطاق الجغرافي لمحافظة الليث، وتحوي بعضها صورًا لمشاهد قتالية لأشخاص في حال عراك فيما بينهم، وبعضها الآخر يجسد تصاوير للشمس والنجوم، ما يشير إلى أنماط من الحياة والمعتقدات الدينية القديمة لسكان المنطقة قبل ظهور الإسلام
 
شارك المقالة:
45 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook