يتكوّن مصطلح الكلمة الطيبة من كلمتين، الأولى هي الكلمة؛ وتعني اللفظ الذي يستخدمه الإنسان ليعبّر به عما في داخله، واللفظ الثاني هي الطيبة؛ حيث إنّ الكلمة قد وُصفت بأنّها طيبة، والطيب هو ضد الخبيث، ومعناه ما استقام واستقر، وعليه فإنّ الكلمة تفيد التعبير والطيبة تفيد الحلال، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، أي كلوا مما أحلّ الله لكم، ثمّ إنّ معنى الكلمة الطيبة أي الكلمة التي أحلّها الله تعالى، ومعناها عند الفقهاء: هو التعبير المشروع الذي يجوز للمسلم أن يعبّر به، لأنّ الكلمة لا تقتصرعلى المراد من اللفظ فقد، فهناك من هو محرومٌ من الكلام فيعبّر بالإشارة، وهناك من يعبّر بالفعل دون أي إشارة.
إن للكلمة الطيبة خصائص وفوائد وآثار، وفيما يأتي بيانٌ لها بشكلٍ مفصّلٍ:
جاء التحذير من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من أعمالٍ تباعد فاعلها عن الجنة؛ ومنها عدم حفظ اللسان، وأخبر أن سبب دخول الناس إلى النار هو حصاد ألسنتهم، فالبعض يتساهل بما يخرج من لسانه من الكلام، وينسى أن هناك ملك عن يمينه يكتب حسناته، وملك عن شماله يكتب سيئاته، ولا يضيع منها شيئاً، وهناك الكثير من الناس لا تقوم مجالسهم إلا على القيل والقال، والغيبة والنميمة، ويعتبرون ذلك موضعاً للفكاهة يرفّهون فيه عن أنفسهم، ويدخل في ذلك إساءة الأدب مع الله والقنوط من رحمته، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ)، فهذا حال كلمةٍ واحدةٍ ينطق بها الإنسان، ومن دعا إلى غير الله، أو دعا إلى الشرك به، فإن الله لا يغفر له، كما قال: (إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ)
الكلمة الطيبة شجرةٌ مثمرةٌ، ضربت جذورها في باطن الأرض، فتمدّدت أغصانها وفروعها في الآفاق، حيث قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)،فبها ينال المسلم مطالب الآخرة، أما الكلمة الخبيثة فهي على النقيض تماماً من الكلمة الطيبة، تضرّ صاحبها ولا تنفعه، وتضرّ ناقلها، ومتلقّيها، والناطق بها، وسامعها، فلا خير ولا طيب ولا نفع فيها، ومثلها كمثل الشجرة الخبيثة؛ مذاقها مرٌّ وأصلها غير ثابت، وشكلها لا يسرّ الناظرين إليها، تتشابك فروعها وأغصانها حتى ليخيّل إلى الناظر إليها أنّها تطغى على ما حولها من النبات، لكنّها في حقيقتها هزيلةً ضعيفةً، تنهار أمام أدنى ما يعصف بها، ومثلها كمثل الكافر الذي لا ثبات له في شيءٍ ولا قرارٍ، يتقلّب بين مبدءٍ وآخرٍ، لا يهتدي إلى الحق، ولا يعرف إلى الخير طريقاً، فكل ما فيه هو شرٌ له؛ اعتقاداً وفكراً، سلوكاً وأخلاقاً، كما قال الله تعالى فيه: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجتُثَّت مِن فَوقِ الأَرضِ ما لَها مِن قَرارٍ)