الوطن هو الأم التي تحتضن أبناءها وتشعرهم بالأمان، وكحال أيّ طفل يبتعد عن أمه فإنّ مشاعره تضطرب قلقاً وبحثاً عن حضن يحتويه، والوطن هو المكان الذي ولد به الإنسان وأكل من خيره، فحبنا للوطن يتجسد من خلال الانتماء والمحافظة عليه والتضحية في سبيله، وفي هذه المقالة سنقدم لكم أجمل الكلمات التي قيلت عن الوطن.
حب الوطن لا يحتاج لمساومة ولا يحتاج لمزايدة ولا يحتاج لمجادلة ولا يحتاج لشعارات رنانة ولا يحتاج لآلاف الكلمات، أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه، حروفنا وكلماتنا تنساب إليها، أصواتنا تنطق به، آمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به، لأجل أرض وأوطان راقت الدماء، لأجل أرض وأوطان تشرّدت أمم، لأجل أرض وأوطان ضاعت حضارات وتاريخ وتراث، لأجل أرض وأوطان تحملت الشعوب ألواناً من العذاب، لأجل أرض وأوطان استمر نبض القلوب حباً ووفاء حتّى آخر نبض في الأجساد، فحب الوطن فطرة مركوزة في وجدان الإنسان السوي تتعاظم في عقله وقلبه حتّى تصبح شعوراً ملازماً لحياته وموقفاً يحدد مكانه ومكانته بين عشيرته وقومه وأهل وطنه.
الوطن هو أقرب الأماكن إلى قلبي ففيه أهلي وأصدقائي، وحبي لوطني يدفعني إلى الجد والاجتهاد والحرص على طلب العلم والسعي لأجله كي أصبح يوماً ما شاباً نافعاً أخدم وطني وأنفعه وأرد إليه بعض أفضاله علي، والوطن هو المكان الذي ولدت فيه، وعشت في كنفه، وكبرت وترعرعت على أرضه وتحت سمائه، وأكلت من خيراته وشربت من مياهه، وتنفست هواءه، واحتميت في أحضانه، فالوطن هو الأم التي ترعانا ونرعاها.
وطني أيها الحب الخالد من لي بغيرك وطناً، أب الصحاري أم البحارِ، أب الجبال أم السهولِ، أب الهضابِ أم الوديانِ فأحلُمُ بهِ شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً ستبقى الحب الأبدي، وطني أيها الوطن الحاضن للماضي والحاضر، أيها الوطن يا من أحببتهُ منذُ الصغر، وأنت من تغنى به العشاق وأطربهم ليلك في السهر أنت كأنشودة الحياة، وأنت كبسمة العمر.
وطني أحبك لا بديل، أتريدُ من قولي دليل، سيضلُ حُبك في دمي، لا لن أحيد ولن أميل، سيضلُ ذكرك في فمي، ووصيتي في كل جيل، وطني أرجو العذر إن خانتني حروفي وأرجو العفو، إن أنقصت قدراً، فما أنا إلّا عاشق حاول أن يتغنى بحب هذا الوطن، وطني من لي بغيرك عشقًا فأعشقه، ولمن أتغنى ومن لي بغيرك شوقاًوأشتاق له، وطني ذلك الحب الذي لا يتوقف وذلك العطاء الذي لا ينضب.
الشاعر أحمد شوقي، ولد أحمد شوقي عام 1868م في القاهرة، درس الحقوق وأرسله الخديوي إلى فرنسا وبقي هناك ثلاثة أعوام، ثمّ عاد إلى مصر في أوائل عام 1894م، وعند حدوث الحرب العالمية الأولى نفاه الإنجليز إلى الأندلس، وألف عدة مسرحيات وهي قمبيز، ومصرع كليوباترا، ومجنون ليلى، وعلى بك الكبير، توفي شوقي عام 1932م، وأمّا قصيدته اختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي فقد قال فيها:
اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ
عصفتْ كالصَّبا اللعوبِ ومرّت
وسلا مصرَ: هل سلا القلبُ عنها
كلما مرّت الليالي عليه
مُستَطارٌ إذا البواخِرُ رنَّتْ
راهبٌ في الضلوع للسفنِ فَطْن
يا ابنة َ اليمِّ، ما أبوكِ بخيلٌ
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو
كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلّا
نَفسي مِرجَلٌ وَقَلبي شِراعٌ
وَاِجعَلي وَجهَكِ الفَنارَ وَمَجرا
وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ
وَهَفا بِالفُؤادِ في سَلسَبيلٍ
شَهِدَ اللَهُ لَم يَغِب عَن جُفوني
يُصبِحُ الفِكرُ وَالمَسَلَّةُ نادي
وَكَأَنّي أَرى الجَزيرَةَ أَيكاً
هِيَ بَلقيسُ في الخَمائِلِ صَرحٌ
حَسبُها أَن تَكونَ لِلنيلِ عِرساً
لَبِسَت بِالأَصيلِ حُلَّةَ وَشيٍ
قَدَّها النيلُ فَاِستَحَت فَتَوارَت
وَأَرى النيلَ كَالعَقيقِ بَوادي
اِبنُ ماءِ السَماءِ ذو المَوكِبِ الفَخمِ
لا تَرى في رِكابِهِ غَيرَ مُثنٍ
وَأَرى الجيزَةَ الحَزينَةَ ثَكلى
أَكثَرَت ضَجَّةَ السَواقي عَلَيهِ
وَقِيامَ النَخيلِ ضَفَّرنَ شِعراً
وَكَأَنَّ الأَهرامَ ميزانُ فِرعَو
أَو قَناطيرُهُ تَأَنَّقَ فيها أَلفُ
رَوعَةٌ في الضُحى مَلاعِبُ جِنٍّ
وَرَهينُ الرِمالِ أَفطَسُ إِلّا
تَتَجَلّى حَقيقَةُ الناسِ فيهِ
لَعِبَ الدَهرُ في ثَراهُ صَبِيّاً
رَكِبَت صُيَّدُ المَقاديرِ عَينَيهِ
فَأَصابَت بِهِ المَمالِكَ كِسرى
يا فُؤادي لِكُلِّ أَمرٍ قَرارٌ
عَقَلَت لُجَّةُ الأُمورِ عُقولاً
غَرِقَت حَيثُ لا يُصاحُ بِطافٍ
فَلَكٌ يَكسِفُ الشُموسَ نَهاراً
وَمَواقيتُ لِلأُمورِ إِذا ما
دُوَلٌ كَالرِجالِ مُرتَهَناتٌ
وَلَيالٍ مِن كُلِّ ذاتِ سِوارٍ
سَدَّدَت بِالهِلالِ قَوساً وَسَلَّت
حَكَمَت في القُرونِ خوفو وَدارا
أَينَ مَروانُ في المَشارِقِ عَرشٌ
سَقِمَت شَمسُهُم فَرَدَّ عَلَيها
ثُمَّ غابَت وَكُلُّ شَمسٍ سِوى هاتي
وَعَظَ البُحتُرِيَّ إيوانُ كِسرى
رُبَّ لَيلٍ سَرَيتُ وَالبَرقُ طِرفي
أَنظِمُ الشَرقَ في الجَزيرَةِ بِالغَر
في دِيارٍ مِنَ الخَلائِفِ دَرسٍ
وَرُبىً كَالجِنانِ في كَنَفِ الزَيتو
لَم يَرُعني سِوى ثَرىً قُرطُبِيٍّ
يا وَقى اللَهُ ما أُصَبِّحُ مِنهُ
قَريَةٌ لا تُعَدُّ في الأَرضِ كانَت