أوصى بك اللهُ ما أوصت بك الصُحفُ
مــا قــلتُ والله يـا أمـي بـقـافــيـةٍ
يَخضرُّ حقلُ حروفي حين يحملها
والأمُ مـدرسـةٌ قـالوا وقـلتُ بـهـا
هـا جـئتُ بالشعرِ أدنيها لقافيتي
إن قلتُ في الأمِ شعراً قامَ معتذراً
أُمّي إذا انسدلَ الليلُ حُزنٌ شفيفٌ، كحُزنِ الحدائقِ.. وهي تُلملمُ في آخرِ الليلِ، أوراقَها الذابلةْ
لأُمّي؛ سجَّادةٌ للصلاةِ،
وخوفٌ قديمٌ من الدركيِّ،
تُخبِّئُنا كلّما مرَّ في الحيِّ تحتَ عباءتِها
وتخافُ علينا عيونَ النساءِ
وغولَ المساءِ وغدرَ الزمانْ
لأُمّي؛ عاداتُها.. لا تُفارِقُها
فعندَ الغروبِ، ستُشْعِلُ "حَرْمَلَها"، عاطراً بالتمائمِ،
يطردُ عن بيتنا الشرَّ كانتْ تقولُ وعينَ الحسودْ
وكلّ ثلاثاء..
تمضي إلى مسجدِ السهلةِ
توزّعُ خبزاً وتمراً
وتنذرُ "للخضرِ" صِيْنِيَّةً من شموعٍ،
إِذا جاءَها بالمُرادِ
ستُوقِدُها في المساءِ
على شاطيءِ الكوفةِ
فأُبْصِرُ دمعتَها تتلألأُ تحت الرُموشِ البليلةِ
منسابةً...
كارتعاشِ ضياءِ الشموعْ
ألا أَيّها النهرُ...
رفقاً بشمْعاتِ أُمّي
فنيرانُها... بعدُ لمْ تَنْطَفِ
ويا سيِّدي "الخضر"...
رفقاً بدمْعاتِ أُمّي
ففي قلبِها...
كلُّ حُزنِ الفراتْ
لأُمّي، مِغْزَلُها
يَغزِلُ العُمرَ...
خيطاً رفيعاً، من الآهِ
كانتْ تَبُلُّ أصابعَها إِذا انقطعَ الخيطُ من حَسْرةٍ
ثم تَفْتِلُهُ...
فمَنْ ذا الذي سوف تَفْتِلُ خيطَ الزمانِ...
إذا ما تقطّعَ بالآهِ يا قُرَّةَ العينِ
مَنْ ذا...؟
فما زلتُ في حضنِها...
الناحلَ القرويَّ المشاكسَ
أبكي إذا دارَ مِغْزَلُها بالشجونِ..
وأسمعُها في الليالي الوحيداتِ تشدو
بصوتٍ رخيمٍ:
لبسْ خَصْر العجيج وخصر ماروجْ
أنا روّجني زماني قبل ما اروجْ
ولكْ لا تخبط الماي... يا روجْ
بعد بالروح عتْبه ويه الأحبابْ...
لبس بالراس هندية وشيلهْ
ودموع العين ما بطلنْ وشيلهْ
تمنيت الترف
وأُبْصِرُها خلْسَةً...
ثم أرنو لقلبي...
أما زالَ يُشْجِيكَ موّالُها
كلّما دارَ فيكَ الزمانُ... ودارَ
ومرَّتْ على دربِكَ الآنساتُ الأنيقاتُ... يا صاحبي
وهي ترنو لمرآتِها!!
جدول الشيبِ يا للشماتةِ
ينسابُ مُتَّئِدأً في المروجِ
فمَنْ يُرْجِعُ العُمرَ هذا السرابَ الجميلَ
ولو مرّةً..
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي
خذيني، إذا عدت يوماً
وشاحاً لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي..
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك..
عساي أصير إلها
إلها أصير..
إذا ما لمست قرارة قلبك
ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع..
لعشّ انتظارك!