أحب لقاء الله

الكاتب: المدير -
أحب لقاء الله
"أحب لقاء الله




هذه قصة واقعية كانت بطلتُها أُختًا على قدرٍ كبير من الالتزام، ليس فقط في المظهر، ولكن في الجوهر أيضًا (القلب)، كلما نظرتُ إليها تُذكِّرني بالله، ليست فقط هي، بل أُسرتها جميعًا، فهم يَأسِرون مَن عاشَرهم بحُسن خُلقهم، وحبِّهم للدعوة، وخدمة الإسلام والمسلمين.

 

تعرَّفتُ عليها في إحدى حلقات القرآن؛ حيث جاءت تتعلَّم في المعهد الذي أُدرِّسُ فيه، تَحترمني مُعلمةً، وتتلقَّى كلَّ الملحوظات التي أقولها لها بصدرٍ رحبٍ، بل كانت أحيانًا تبكي ويبكي جميع مَن في الحلقة لبكائها عندما يَثقُل عليها قراءةُ كلمة قرآنية، وتظن أن ذنبًا ما حرَمها قراءةَ كتاب الله.

 

هذه هي الأخت التي عاشَرتُها! فما بالك بزوجها الرجل الذي تقول عنه: إنه غَيَّر فيها الكثيرَ في حياتها؟! كل مَن يَعرِفه يَشْهَد له بحبِّ الخير ومساعدة الآخرين من مسلمين وغير مسلمين، فهو مُبتسم دائمًا، وينظر إلى الحياة بتفاؤُلٍ.

 

قالت لي: من قبل عام تقريبًا وهو يقول لها: إني مستعد أن أَلقى الله، فهل أنتِ مستعدة؟!، ولكن قبل موته بأسبوعين صار يُلِحُّ ويَسألني كثيرًا إن كنتُ مستعدةً للقاء الله، فقلتُ له: لا؛ لأن ذنوبي كثيرة، وأُريد أن ألقى الله تائبةً من تلك الذنوب، فقال لها جوابًا لم يَخطُر على بالِها: بل إني أُريد لقاء الله الآن قبلَ غدٍ، سبحان الله! هل يوجد إنسانٌ في الزمن الذي نعيشه يتمنَّى الموت؟! تُرى كيف كان حاله مع الله؟!

 

فقالت لي: لا تتعجَّبي؛ فإنه كان يحبُّ الله، وأحبَّه أكثرَ عندما اعتنَق الإسلام، وكان عهده أن يساعد كلَّ المحتاجين، ويُعوِّض ما فاتَه في حياته قبل الإسلام.

 

أضافت: سوف تتعجبين إذا قلتُ لكِ: إنه لم يَستطع قراءةَ كل القرآن سوى قصار السور، وسورة الكهف، ولكن كانت حياته كلها لله، فتمنَّى أن يَلقى حبيبه عاجلًا غير آجلٍ.

 

قبل أن يتوفَّاه الله بأسبوع، مَثَّل لأسرته أنه أُغمِي عليه ومات، وقال لها: عندما أكون في مثل هذا الموقف، فلا تَخافي ولا تَصرُخي، وفكِّري كيف تتصرفين بحكمةٍ.

 

شاء الله بعد هذا الموقف بأيام قليلة - وكان كعادته يقوم قبل الفجر بنصف ساعة يُصلي من الليل، ثم يُؤذن ويُوقظ أهله لأداء صلاة الفجر في المسجد، مع العلم أنهم يعيشون في الغرب والمساجد ليست قريبة، ومع ذلك كان يَحرِص على أن يأخذ كل أولاده إلى المسجد - أنِ اسْتيقَظَ يوم السبت ليقوم الليل، وعندما كان يتوضأ أُغمِي عليه في المكان نفسه الذي تظاهر فيه لأهله أنه ماتَ.

 

سبحان الله، قالت لي الأخت: إن ابنها مَن وجَد أباه على الأرض لا يستطيع الحركة، فذهب إلى أُمه، فلما عرَفت كانت تريد أن تَصرُخ وتبكي، لكنها تذكَّرتْ وصيَّتَه لها - وهي أن تتصرَّف بحكمة - فحاولتْ إنقاذَه، ولكن كان قدرًا مقدورًا.

 

ويوم جنازته امتلأَ المسجد بمن يَعرِفه ومَن لا يَعرِفه، وكانت الفرحة على وجه زوجته، ومَن سلَّم عليها ليُعزيها، كان يشك أنها زوجته؛ لأنها كانت تُسلِّم على الناس وكأنها في عُرسٍ، وعندما سألتها: كيف حالك؟ ردَّت: سعيدة جدًّا لزوجي؛ لأنه كان مبتسمًا كعادته، فأراه أنه ذاهبٌ إلى مكانٍ أفضلَ من الدنيا.

فسبحان الله، حقًّا أحبَّ لقاء الله، وبإذن الله يَلقى حبيبه وهو في أفضل حالٍ!

 

أسأل اللهَ العظيمَ أن يُصبِّر أهلَه ويَتولَّاهم، وأن يَرزُقَ هذا الرجلَ الصالح جنةَ الفردوس الأعلى مع الحبيب محمدٍ صلى الله عليه وسلم.


"
شارك المقالة:
37 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook