الذي لا يملك صديقاً يشاركه أفراحه وأحزانه ومخططاته، يعيش حياته وحيداً، فالصديق هو الكتف المساند، وهو اليد التي تهب للمساعدة دوماً، فالحياة دون أصدقاء موحشة وصعبة، وقد أحضرنا لكم باقة من أجمل الكلام في الصديق.
قصيدة ظهر الصديق لي في الحلم للشاعر محمد إقبال، هو شاعر الهند العظيم ولد عام 1873م ببلدة سيالكوت بإقليم البنجاب بالهند، وقد ترعرع في أسرة متوسطة الحال ملتزمة بالدين، ومن دواوينه الشعرية: رموز نفي الذات، وضرب الكليم، وديوان رسالة المشرق، وقد ترجم الأديب عبد الوهاب عزام هذه الدواوين إلى اللغة العربية.
ظهر الصديق لي في الحلم
ذا أمن الناس فينا من جلا
هو ثاني اثنين في الدين وفي
قلت يا صفوة أصحاب الصفاء
بك قر الأس في بنياننا
قال حتام أسير الوهم
نفس في كل صدر جائل
فاجل هذا السر في كل الفعال
الذي سماك عبدا مسلما
قلت أفغان وترك وعجم
طهرن الحق من هذي السمات
يا أسيرا لسمات ويحكا
أبدل الوحدة بالتثنية
عابد الواحد وحد واهجرن
أيها المغفل معنى الكلم
أمة قطعتها في أمم
قصيدة الصديق للشاعر علاء الدين عبد المولى، هو شاعر سوري معاصر ولد في مدينة حمص السورية عام 1965م، وهو عضو في جمعية الشعر، ويعمل موظفاً في دائرة الآثار والمتاحف، وله دواوين شعرية منها: ذاكرة لرحلة الأنقاض، وتراجيديا عربية، ووقت لشهوات المغني، وديوان مراثي عائلة القلب.
إلى نضال بشارة الجدير بهذه القصيدة
للّذي لَمَّني من شَتَات الحدائق والسّيّداتِ
وأفردَ لي تحت سقف كآباتِهِ مَقْعداً
للّذي انفضَّ عن نفسه
وأقام على يأسِه معبراً لأمرَّ
وشدَّ على وتري المتهاوي يدا
للذّي سَحَبَ اللَّيلَ من تحت جِلدي
وضوَّأ فيَّ شموع الهُدى
للذّي راحتاهُ -بلا مِنّةٍ-
تعصران العناقيدَ فوق جفافِ لساني
وتنتشلان من النَّدم الجسدَا
للذّي فجأةً قرعَ البابَ -بابَ الفراغ الفضائيِّ-
يسأل عن شاعرٍ كان فيَّ يشرّشُ مستوحدَا
للذّي مَدَّ فوقي لحافَ القرنفل
هيَّأَ لي نجمةَ الحلم
ثمَّ تراجعَ نحوَ كواكبِهِ مُجْهَدَا
للذّي ... للذّي....
لا أقودُ إليه من الفجر قطعانَ ضوءٍ
ففيه من النّور هالاتُ حبٍّ شفيفْ
لا أُساقِطُ من شجري ثمراً فوقه
فأنا لايدور بيَ الأفق إلا إذا
نهضَتْ من دمي كعبةٌ للخريفْ
وهُوَ.. المتثاقلُ من وطأةِ السَّهرِ،
المتكوِّمُ في كأسِ خمرٍ وبُقْيا رغيفْ
يتقدَّمُ بي في وريد الظَّهيرة نبضاً فنبضاً،
يشيلُ الحجارةَ عن سطح قَلْبي
يُعيدُ الأعالي إلى مَجْدِها
ويكوِّنُ من نزفِهِ ضفّةً لنزيفي
لا أمدّ له قامتي
كيف جاء إذاً؟
كيف أصغى لإيقاع موتي؟
وماكنت أخبرُه أنَّني ساكنٌ في
مخيَّم شِعري، أنامُ على لغةٍ
وأضاجعُ مملكةً من حروفِ
هوذا من صفاءِ أصابعِهِ تستميلُ التَّحيَّاتُ روحي
يُجمِّعُ نَحْلَ القصائدِ
يطلقُها في قفير المشاعر
حين تئزّ فتوقظُ في جثَّتي عطرَها
إنَّه المتطاولُ حتَّى بداياتِ أمسيّةٍ كنتُ
أنسجُ أثوابَها بدموعي
وأُلقي على خيبتي صدرها
قال: لاتكترثْ، إنَّها الأرضُ مانحةٌ سحرَها
قلتُ: إنّي أتوبُ من العاشقاتِ،
إذا باعتِ الأرضُ جوهرها...
للّذي يدُهُ في يدي
للذّي سال في جسدي
مثلَ ماءٍ من اللّوز والعاطفَهْ
قلتُ أحميهِ ممَّا تقصَّفَ فيَّ
ومن وقفتي فوق فوّهة العاصَفهْ
قلتُ أخفيه عن عَسكَرِ العاكفينَ على
صنَمِ اللّغة الزّائفَهْ
حين يستدرجون كلامي إلى كتبٍ تتمزّق أوراقُها
في مهبّ النّفاقِ ويرمون حنجرتي في المدى
غيمةً ناشفَهْ
فأسميّه نافذةً يستطيلُ عليها صياحُ النَّباتِ
أسمّيه معنى النَّهارِ الجديدِ
وقهوةَ عصرٍ وقَدْ شُلَّ فينا النّعاسُ العظامْ
ومدينةَ ليلٍ أسمّيه حين نطاردُ جمهرةً من غمامْ
ونحدّق من شبقٍ في شعاع الكريستال تطلقُهُ نسوة
نتشهَّى الطّواف بهنَّ،
لنطفئَ طُوفان هذا الهيامْ
نتقاسَمُ أنّاتِنا
ونرشّ عليها دمَ الياسمينِ
وندفعُ شهواتِنا باتّجاه رؤى النَّائماتِ
ويرفعنا طائرُ الكبت فوق السّياج
نرى مانرى من إناثٍ تجمّعنَ تحت شراشفَ
منْ زغَبٍ لاينامْ
ونرى الضّوء يغسلُ حقلَ النّهودِ
فينمو حليبٌ
ونحزنُ...
ياليتنا ماعرُفنا الفطاْم.
للذّي قبل أن أنحني لأزيلَ رصاصَ الحروب
يفاجئني بنشيد السّلامْ
للذّي... للذّي...
كلّما اتّسعَتْ رؤيةٌ بيننا
ضاق مابيننا مهرجانُ الكلامْ.
في اختلاف الأصدقاء شماتة الأعداء..
وفي اختلاف الإخوة فرصة المتربصين..
وفي اختلاف أصحاب الحق فرصة للمبطلين..
من يفقد ثروة يفقد كثيراً..
ومن يفقد صديقاً يفقد أكثر..
ومن يفقد الشجاعة يفقد كل شيء..
لا تسر أمامي فقد لا أتبعك..
ولا تسر خلفي فقد لا أقودك..
بل سر بجانبي وكن صديقي..
الصداقة ثلاثة أنواع: الأولى مبنية على المصلحة والفائدة، والثانية على المتعة والمرح، لكن مصيرهما الزوال، لأنّ الملذات والمصالح قصيرة الأمد، وتجمع الصالحين والطالحين برفاقهم، أمّا الثالثة فأساسها المحبة وطيبة القلب، وهذه تجمع النبلاء فقط.
إنني في حقيقة الأمر عاجز عن الصداقة، ذلك لأنّ أحد الصديقين لا بدّ أن يكون عبداً للآخر، ولو أن أحداً منهما لا يريد أن يعترف بذلك لنفسه في كثير من الأحيان، وأنا امرؤ لا يمكن أن أكون عبداً، كما أنّ القيادة مُتعبة في هذه الحال إذ لا بدّ لمن يقود من أن يُجيد الخداع والكذب.