أساليب التعليم التقليدية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
أساليب التعليم التقليدية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

أساليب التعليم التقليدية في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
التطور التاريخي
 
كانت الأمية ضاربة أطنابها في معظم - إن لم يكن كل - مناطق المملكة العربية السعودية، ولم تبدأ عملية التعليم النظامي المكثف إلا في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الرابع عشر الهجري/منتصف القرن العشرين الميلادي. ومنطقة الباحة - مثل تلك المناطق - لم يكن يوجد في معظم قراها من يستطيع أن يقرأ ويكتب، وكان الناس عندما تصلهم رسالة من المدينة من أحد أقربائهم يقطعون مسافات إلى أشخاص في قرى معروفة يستطيعون قراءتها وكتابة رد لهم. وكان بعض الذين يعرفون القراءة والكتابة يُطلق عليهم (الفقهاء)، وكل من يؤم الناس في الصلاة ويستطيع قراءة القرآن يُطلق عليه هذا اللقب، وكان بعض هؤلاء يعقدون دروسًا خاصة لبعض الطلاب من قريتهم ومن القرى المجاورة لتعليمهم قراءة القرآن، ونادرًا ما يعمدون إلى تعليمهم الكتابة، ولهذا وُجد في المجتمع بعض الأفراد الذين يستطيعون قراءة القرآن الكريم لكنهم لا يعرفون الكتابة.
 
وبعض الفقهاء أرسلتهم أُسَرهم لتلقي التعليم في اليمن، وبخاصة في بيوت الفقهاء هناك، وقد تعلموا القرآن وعلومه، وعلوم اللغة العربية، والفرائض، وبعض المعلومات التاريخية، وكان بعضهم يقوم بدور القاضي في فض المنازعات وفق ما تعلَّمه من علوم الشريعة، وبعضهم قام بتعليم عدد من الشبان القراءة والكتابة، وخصوصًا قراءة القرآن الكريم، وتسنَّم بعضهم مناصب قضائية في بداية الدولة السعودية، بعد أن تم اختبار معلوماتهم من قِبَل لجان مختصة من العلماء في ذلك الوقت. وبعض هؤلاء الذين تعلموا في اليمن تركوا قراهم وانتقلوا إلى قرى أخرى، يؤمون أهلها في الصلاة ويعلمون أبناءها القراءة والكتابة، وكان سكان القرية يعطونهم أجرتهم من محصولات مزارعهم.
 
"كان التعليم يتم في بيوت أئمة المساجد، أو في مساجد القرى، فكان طلاب كل قرية يقصدون إلى المكان المتفق عليه مع معلمهم (الفقيه) ويتجمعون حوله في حلقات  أشبه بحلقات الذكر، وبيد كل طالب مصحفه ولوحه الخشبي، فيبدأ المعلم بتعليمهم حروف الهجاء، حتى إذا أتقنوها نطقًا وكتابة أخذ يدرِّسهم في المصحف الكريم والحديث والفقه. وتنتهي عادة دراسة الطالب بانتهائه من قراءة المصحف بكامله، وحفظه للدروس المقررة في الحديث والفقه، فيغادر الحلقة ويترك الفرصة لطالب آخر. ويدفع أولياء أمور الطلاب مبلغًا رمزيًّا من المال في مناسبات خاصة كالأعياد مثلاً، ومن لم يستطع دفع ذلك المبلغ البسيط للمعلم أعطاه مقدارًا من القمح أو الشعير نظير ذلك. ومع أن هذه الطريقة في التعليم تُعتبر في وقتنا الحاضر بدائية ولا تحقق الهدف المنشود؛ إلا أنه كان لها أثرها الفعال في ذلك الوقت الذي لا تُعرف فيه المدارس النظامية"  
 
وكان للمدرسة السلفية في (بلجرشي) دور رائد في تعليم عدد كبير من أبناء المنطقة، وكانت مدرسة شبه نظامية، توفر للطلاب السكن والطعام بمساعدة الأهالي، وكانت تركز على تعليم العلوم الشرعية، وتخرَّج في تلك المدرسة عدد من الطلاب الذين عادوا إلى قراهم وُعَّاظًا ومعلمين.
 
وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري/الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين الميلادي قامت بعض المدارس التي سُميت باسم الشيخ القرعاوي لرعايته لها. وكان معظم المعلمين من الفقهاء السابقين، وكانوا يقومون بالتدريس في المساجد أيضًا، يعلمون القراءة والكتابة على ألواح خشبية،  ويكتبون بالفحم لعدم توافر الأدوات الأخرى، وكان بعضهم يعلم القراءة والكتابة على التراب أو الرمل لسهولة مسح الكتابة وإعادتها، ولكن تلك الكتابة لا يمكن نقلها مع الطالب إلى منـزله، وتصعب معها مراجعة الدرس كما هو الحال مع اللوح الخشبي، وكان بعضهم يجمع بين الاثنين، فيقوم بالكتابة على الرمل أو التراب ومسحها بين وقت وآخر، وتدريب الطلاب على ذلك، أما الواجب فيكون على اللوح الخشبي الذي يمكن أن يذاكر الطالب فيه في المنـزل عند الحاجة. وكان المعلم يستعين بالطلاب أحيانًا في قضاء بعض احتياجاته مثل تنظيف المزرعة أو سقايتها، وكانت أُسَر الطلاب ترسل إلى المعلم بين الفينة والأخرى شيئًا من إنتاجها الزراعي من الحبوب والثمار والسمن والعسل؛ لتشجيعه على الاستمرار، ولإدراكهم للخدمة التي يؤديها لأبنائهم.
 
مظاهر الثبات والتغير
 
بانتشار المدارس الحديثة   اختفت المدارس التقليدية والطرق القديمة في التعليم، وكانت المدارس الحكومية عند بداية انتشارها تُؤسَّس في مباني المنازل القديمة بعد إجراء بعض التعديلات عليها، أما إيجارها فيتقاسمه الأهالي بينهم بالطريقة التي يتفقون عليها مسبقًا. وكان سكان بعض القرى يقومون بإنشاء المدرسة بالمواد المتوافرة في البيئة، ويراعون في إنشائها وضع الفصول ودورات المياه والبهو ونحو ذلك، وكان ذلك يتم بإشراف إدارة التعليم في المنطقة. أما بعد توافر الأسمنت والحديد فقد انتشرت المباني الحديثة للمدارس ومعظمها يتم بناؤه من قبل الدولة بمواصفات راقية تُراعى فيها الاحتياجات المختلفة للطلاب.
 
وبعد.. فمنطقة الباحة غنية بتراثها وبأنماطها الاجتماعية وبعاداتها وتقاليدها، ولا يزال سكان منطقة الباحة محافظين على كثير من ذلك مما يتوافق مع الحياة المعاصرة التي انتشرت فيها مشروعات التنمية وشملت جميع جوانب الحياة تقريبًا، ولقد واكب سكان الباحة تلك التغيرات، واستوعبوا متغيرات التنمية، وحافظوا على أصالتهم وتراثهم.
 
شارك المقالة:
72 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook