أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن في الدعوة

الكاتب: المدير -
أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن في الدعوة
"أسلوب المجادلة بالتي هي أحسن في الدعوة




يُعرف الجدال بأنه: (المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة)،[1] وهو: حوار كلامي يتفهم فيه كل طرف من الفريقين المتحاورين وجهة نظر الطرف الآخر، ويعرض فيه كل طرف منهما أدلته التي رجحت لديه استمساكه بوجهة نظره، ثم يأخذ بتبصر الحقيقة من خلال الانتقادات والاعتراضات التي يوجهها الطرف الآخر على أدلته، أو من خلال الأدلة التي ينير له بها بعض النقاط التي كانت غامضة عليه)[2]، فقد يظهر من الطالبات من تتمسك بوجهة نظرها، دون تبصر للحقيقة، فترفض الاستجابة للخير، وتبتعد عن الاستقامة، لأن (الإنسان كثير المجادلة والمخاصمة والمعارضة للحق بالباطل، إلا من هدى الله وبصره لطريق النجاة)[3] كما قال تعالى: ? وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ?[4] فتحتاج المعلمة الداعية حينئذ إلى استخدام أسلوب المجادلة لإقناعها بالحق الذي تأمرها به.

 

متطلبات نجاح أسلوب الجدال:

هناك جملة من المتطلبات التي ينبغي للداعية المسلمة مراعاتها ليكون أسلوب الجدال بالتي هي أحسن، ولتوضيح وتبليغ الحق، قال تعالى: ? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? [5] قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-: (من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال، فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب)[6]، فالجدال من الأساليب الدعوية التي أمر بها تعالى، ولكنه شرط لها أن تكون بالأحسن، (وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها)[7].

 

ومن آداب المجادلة بالتي هي أحسن ما يأتي:

1) النية الصادقة في نصرة الحق والدعوة إلى دين الله، وترك الرياء والسمعة وطلب الرفعة الجاه.

 

2) الاعتماد على العلم الصحيح المستفاد من الكتاب والسنة، وتقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه.

 

3) تحري الحق والبعد عن التعصب وإعلان الاستعداد التام للأخذ بالحق عند ظهوره، وقد بين العلماء أقسام الجدل وهي:

أ- الجدال المذموم، وله وجهان: أحدهما: الجدال بغير علم، والثاني الجدال بالشغب والتمويه، نصرة للباطل بعد ظهور الحق وبيانه.

 

ب- الجدال الممدوح الحق، وهو من النصيحة في الدين[8] وقد قال تعالى: ? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ?[9].

 

4) التحلي بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال من القول المهذب البعيد عن الطعن والتجريح، أو الهزء والسخرية، أو احتقار الآخرين ووجهات نظرهم.

 

5) الالتزام في الجدال بالطرق المنطقية السليمة، وعدم المراوغة والأخذ بالمغالطات واعتماد الأكاذيب والروايات الساقطة والخرافات التي لم تثبت صحتها.

 

6) إعلان التسليم بالقضايا التي هي من المسلمات والمتفق عليها عند الطرفين، وقبول النتائج التي توصل إليها الأدلة القاطعة والأدلة الراجحة[10].

 

7) اللجوء لأسلوب الجدل المحمود عند حاجة الداعية إلى ذلك، وابتعادها عن الجدل المذموم الذي يثير النفوس ويوغر الصدور (لأن الجدال في مظنة الإغضاب، فإذا كان بالتي هي أحسن حصلت منفعته)[11].

 

فالمعلمة الداعية الناصحة لطالباتها لا تلجئهنّ إلى هذا الأسلوب، لما قد يوقعه من نفرة بين المعلمة وطالباتها، وقد يغيّر قلوب بعضهنّ على بعض، ويورث الفرقة بعد الألفة، ويوقع الوحشة بعد الأنس (وما ذاك إلا لأن النفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تقتنع وتنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق واللين وحسن الخطاب، حتى لا تشعر بالهزيمة أمام الآخرين).[12]، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ترك المراء والجدال في جميع الأحوال فقال: ((أنا زعيم[13] ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء[14] ولو كان محقا))[15].

 

فالداعية لا تحرص على إقامة الحجة على طالباتها بقدر حرصها على استجابتهنّ للحق وصلاحهنّ، ولم يُحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم كثرة استخدامه لأسلوب الجدال مع المسلمين، بل حملت لنا سيرته أسلوبا آخر يشبه الجدال وهو: الحوار، الذي توجه فيه الدعوة للمدعو بعيدا عن المنازعة والتعنت للرأي والخصومة، (فالحوار كلمة غالبا ما تستعمل في المناظرة الهادئة التي يسود عليها الألفة والبحث عن الحق، والجدال غالبا ما يكون جوُّه صاخبا وقد ينشأ عنه خصومة وعناد)[16]، وخاصة في المرحلة العمرية التي تمر بها طالبة المرحلة الثانوية والتي تتميز فيها بالاعتداد بالنفس والرغبة في الاستقلالية ومخالفة الآخرين.




[1] المفردات في غريب القرآن ص 97.

[2] فقه الدعوة إلى الله: عبد الرحمن الميداني 1 /637.

[3] تفسير ابن كثير 5 /167.

[4] سورة الكهف: جزء من آية 54.

[5] سورة النحل: جزء من آية 125.

[6] تفسير ابن كثير 4 /532.

[7] تفسير الشيخ السعدي ص 404.

[8] ينظر: الفقيه والمتفقه: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي ص 233، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط:2، 1400هـ/1980م.

[9] سورة النحل: جزء من آية 125.

[10] ينظر: فقه الدعوة إلى الله: عبدالرحمن الميداني 1 /639-648، ووسائل الدعوة: د. عبدالرحيم المغذوي ص 98-99.

[11] مجموع الفتاوى: شيخ الإسلام ابن تيمية 2 /45.

[12] الإقناع في التربية الإسلامية: سالم بن سعيد بن مسفر بن جبار ص 68، دار الأندلس الخضراء، ط:1، 1419هـ/1998م.

[13] زعيم: أي ضامن وكفيل، وربض الجنة: أي ما حولها خارجا عنها، تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدينة. ينظر: عون المعبود 13 /156.

[14] المراء: الجدال، والمقصودكسرا لنفسه كيلا يرفع نفسه على خصمه بظهور فضله. ينظر: المرجع السابق13 /156.

[15] سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في حسن الخلق ص728 ح 4800، واللفظ له، وسنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في المراء 4 /358 ح 1993، وقد حسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 3 /178 ح4800.

[16] وقفات تربوية في ضوء القرآن الكريم: عبدالعزيز ناصرالجليل ص 64، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، ط:2، 1412هـ، وينظر: الإقناع في التربية الإسلامية: سالم بن سعيد بن مسفر ص 68، وقد اعتبر بعض المفسرين الجدال خارجا عن الأساليب الدعوية، فقال: ( أما الجدال فليس من باب الدعوة، بل المقصود منه غرض آخر مغاير للدعوة؛ وهو الإلزام والإفحام، فلهذا السبب لم يقل ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل الأحسن، بل قطع الجدل عن باب الدعوة تنبيها على أنه لا يحصل الدعوة، وإنما الغرض منه شيء آخر). تفسير الفخر الرازي 20 /141.


"
شارك المقالة:
38 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook