أسلوب الموعظة الحسنة في الدعوة: مجالاته ومتطلباته

الكاتب: المدير -
أسلوب الموعظة الحسنة في الدعوة: مجالاته ومتطلباته
"أسلوب الموعظة الحسنة في الدعوة: مجالاته ومتطلباته

 

الموعظة الحسنة هي الكلمة الندية التي تمس شغاف قلوب الطالبات، فتأخذ بأيديهنّ إلى طريق الحق والخير، وتبعدهنّ عن الفساد والزيغ، هي الكلمة التي لا تسيء إلى الطالبة ولا تجرح مشاعرها أو تشعرها بالمهانة والذلة، (هي الكلمة الطيبة التي تخرج من فم الداعية لتصل إلى عقول الناس فيجدون فيها الخير والسعادة، ويحسّون من خلالها صدقه وحرصه على جلب الخير لهم ودفع الضر عنهم، وقد مثل لها القرآن الكريم بقوله تعالى: ? أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ? [1] )[2].

 

ويقوم أسلوب الموعظة الحسنة على الترغيب والترهيب، حيث يتعلق قلب الطالبة بربها وتستقيم على الخير رغبة في ثوابه ورهبة من عقابه.

 

والترغيب من الرغبة، ويقال: رغّب يرغِّب رغبة: إذا حرص على الشيء وطمع فيه[3].

 

وأسلوب الترغيب هو: كل ما يشوق الطالبة المدعوة إلى الاستجابة وقبول الحق والثبات عليه، وهو وعد يصحبه تحبيب وإغراء بمصلحة أو متعة آجلة مؤكدة خيّرة خالصة من الشوائب، مقابل القيام بعمل صالح أو الامتناع عن لذة ضارة ابتغاء مرضاة الله[4].

 

والترهيب من الرهبة، وهي: الخوف والفزع[5].

وأسلوب الترهيب هو: كل ما يخيف ويحذر الطالبة المدعوة من عدم الاستجابة أو رفض الحق أو عدم الثبات عليه بعد قبوله، وهو وعيد وتهديد بعقوبة مترتبة على اقتراف إثم أو ذنب، مما نهى الله عنه، أو على التهاون في أداء فرائض الله[6].

 

وهذا الوعد يشمل نعيم الدنيا والآخرة وسعادتهما، والوعيد كذلك يشمل نقمة الدنيا والآخرة وشقاءهما، فقد وعد الله المؤمنين الصادقين بالاستخلاف في الأرض، والعزة والحياة الطيبة والجنة في الآخرة، وتوعد العاصين بالخزي والذلّ وضنك المعيشة في الدنيا والآخرة وبنار الجحيم في الآخرة[7].

 

مميزات استخدام أسلوب الموعظة الحسنة (الترغيب والترهيب):

1- غالباً ما يكون لأسلوب الموعظة أثر فعّال ناجح، لأنه يتوافق مع الفطرة والنفس البشرية التي تحب الخير وتحرص عليه وتستكثر منه، وهي ذاتها النفس التي تحب الأمن والسلامة، والبعد عن الخطر والخوف والتهديد، فهما يولدان حافزاً ذاتياً داخل النفس الإنسانية، يحرك عواطفها ويوجه إرادتها ويدفعها، حتى تلتزم سلوكاً معينا[8]، يحقق لها الخير ويبعد عنها العقاب.

 

2- إنه يجعل الطالبة تقبل التكاليف الشرعية بكل رضاً ومحبة لها، لأن قيامها بها قد جرى بمحض اختيارها، وخاصة إذا كان الترغيب أو الترهيب مرتبطا بالآخرة و بالأجر الذي من عند الله تعالى، لا من عند الناس.

 

3- إنه ينمي حواجز وقائية تنمو مع مرور الوقت في قلب الطالبة، وتحول بينها وبين الوقوع تحت ما يتركه تحت طائلة العقاب الدنيوي والأخروي.

 

مجالات استخدام أسلوب الموعظة الحسنة:

1- ترغيب الطالبة في قبول الحق والاستجابة له، وترهيبها من الإعراض عنه وصد الأخريات، ومن ذلك الترغيب بتأليف القلوب وتحبيبها في الاستقامة على دين الإسلام، وتثبيتها عليه، وقد يكون ذلك بشكل معنوي: كالتأليف بالجاه ولطف الكلام، وبالإحسان مكان الإساءة، وقد قال تعالى: ? وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ?[9].

 

كما قد يكون الترغيب بشكل حسي: كتأليف القلوب بالعطاء والهدية، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم يؤثر حديثي الإسلام بالعطايا لتثبيت قلوبهم على الإسلام، كما قال - صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبّه الله في النار على وجهه))[10].

 

2- ترغيبها بهدف حثها على التشمير عن ساعد الجد في طاعة الله تعالى، وترهيبها من معصية أوامره ومخالفة شرعه، وذلك إما أن يكون ترغيبا في جنس الطاعات بشكل عام كالترغيب في الأعمال الصالحة، كقوله تعالى: ? مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ? [11] (هذا وعد منه تعالى لمن عمل صالحا، وهو العمل التابع لكتاب الله وسنة رسوله، من ذكر أو أنثى، وهو ثابت على إيمانه إلى الموت، بأن يحييه الله الحياة الطيبة)[12]، كما يكون الترغيب في أنواع مخصوصة منها كالصلاة والصدقة والحج والجهاد[13].

 

3- ترهيب الطالبة بالتهديد بالعقوبة لمن انحرفت عن منهج الله، أو كانت في صف المحاربين للفضيلة والقيم الإسلامية، والعقوبة نوعان:

أ- العقوبة الأخروية التي يتولاها الله عز وجل في الآخرة، والتي يتم للناس فيها إحصاء أعمالهم،كما قال تعالى: ? مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ? [14].

 

ب- العقوبة الدنيوية: وتنقسم إلى قسمين هما:

القسم الأول: عقوبة جرت بها سنة الله الكونية، وتقوم على قانون السبب والمسبب، وتصيب الجماعات حال انحرافهم عن شرع الله، وهذا النوع له أشكال متنوعة، فقد يكون الهلاك بتعجيل العقوبة في الدنيا، أو تسليط الأعداء أو غير ذلك من أشكال العقاب، حيث (يخبر تعالى أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم، وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات)[15]، وذلك في قوله تعالى: ? وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ?[16].

 

القسم الثاني: العقوبات التي نصت عليها الشريعة الإسلامية، حماية للمصلحة العامة، وحماية للفضيلة والمجتمع، وأمرت الولاة بتنفيذها بحق المخالفين، وقد تكون عقوبات مالية كدفع دية القتيل، أو عقوبات جسدية كقطع يد السارق، أو عقوبة معنوية كإهدار شهادة القاذف[17].

 

متطلبات نجاح أسلوب الموعظة الحسنة:

ولكي ينجح أسلوب الموعظة الحسنة في المجال الدعوي في صفوف الطالبات، فالواجب مراعاة ما يأتي:

1- الموازنة والاعتدال بين الترغيب والترهيب، فلا تجعل الداعيةُ كل حديثها ترغيباً ولا كله ترهيباً، بل تتناوب بين الاثنين، حتى لا يطغى جانب على جانب، فتفرط الطالبة في التمني للثواب دون عمل، أو تقنط من رحمة الله وعفوه، والمتأمل في آيات القرآن يجد أن الله تعالى كثيرا ما يورد آية نعيم ثم يردفها بآية عذاب، وكذلك يورد آية عذاب ثم يتلوها بآية نعيم، كقوله تعالى: ? فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ? [18].

 

ومن رحمة الله تعالى بعباده أن دعاهم في القرآن بأسلوبي الترغيب والترهيب كليهما، فالأصل أن أسلوب الترغيب يكون موازيا لأسلوب الترهيب، والرجاء يوازي الخوف، لئلا تتمادى الطالبة في المعاصي مغترّة برحمة الله ومغفرته، ولا تيأس وتقنط من رحمته خوفا من عذابه وقوته[19]، بل يكون حالها كما قال تعالى عن المؤمنين: ? أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ? [20].

 

2- أن تعتمد المعلمة الداعية في الترغيب والترهيب على القرآن والحديث النبوي، لإثارة الانفعالات وتربية العواطف الوجدانية، فهما المحرك والدافع الأقوى للسلوك، والمغذي لطاقات الإنسان، وعن طريق إثارة هذه الدوافع تبلغ الداعية هدفها[21]، ومن ذلك الأحاديث القدسية التي تصلها بالله تعالى وتشعرها برقابته كقوله تعالى: (( يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم)) [22].

 

3- اغتنام الفرص المناسبة التي تتهيأ فيه النفوس للموعظة، وتتقبلها، مع التخوُّل بالموعظة وعدم المبالغة والإكثار منها كي لا تنفر الطالبات، وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه حال النبي - صلى الله عليه وسلم معهم فقال: (( كان النبي - صلى الله عليه وسلم يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا)) [23] قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: (كان يراعي الأوقات في تذكيرنا، ولا يفعل ذلك كل يوم لئلا نملّ)[24].

 

4- مراعاة شعور الطالبات ونفسياتهنّ أثناء الموعظة، وخصوصاً إذا كانت الموعظة خاصة بطالبة معيّنة أو حالة ما معروفة معيّنة، فيحسن أن تكون الموعظة سرية بعيدة عن التشهير والتجريح، ويظهر فيها الشفقة وحب الخير للطالبة والرأفة بها[25].

 

5- أن يكون الترغيب والترهيب مصحوباً بتصوير يجسد مظاهر الجنة والنار والثواب والعقاب، لتستطيع الطالبة أن تتخيل وتشعر مباشرة بالمرغّبات والمرهّبات، وهذه الطريقة مجدية بشكل خاص مع أصحاب الخيال وأصحاب العواطف الجياشة كالفتيات في مرحلة المراهقة.




[1] سورة إبراهيم: الآيتان 24-25.

[2] أسس الدعوة وآداب الدعاة: د.محمد الوكيل ص 65.

[3] النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 237.

[4] ينظر: أصول الدعوة: د. عبدالكريم زيدان ص437، وأصول التربية: د. عبد الرحمن النحلاوي ص257.

[5] النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 280.

[6] ينظر: أصول الدعوة: د. عبدالكريم زيدان ص 437، وأصول التربية : د. عبدالرحمن النحلاوي ص 257.

[7] ينظر: هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة: الشيخ علي محفوظ ص 192.

[8] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عبد الرحمن الميداني 2/ 202-205.

[9] سورة فصلت: آية 34.

[10] صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من يخاف على إيمانه 2/ 73 ح 150.

[11] سورة النحل: آية 97.

[12] محاسن التأويل 10/ 156.

[13] ينظر: هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة: الشيخ علي محفوظ ص 192-199.

[14] سورة الكهف: جزء من آية 49.

[15] تفسير الشيخ السعدي ص 705.

[16] سورة الشورى: آية 30.

[17] ينظر: هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة: الشيخ علي محفوظ من ص 210-219، ومجموعة بحوث فقهية: د. عبد الكريم زيدان من ص 378-382.

[18] سورة النازعات: الآيات37-41.

[19] ينظر: أصول التربية الإسلامية: د. عبدالرحمن النحلاوي من ص 263-264، والدعوة الإسلامية الوسائل والأساليب ص 102-103، ومنهج تربوي فريد في القرآن: د. محمد سعيد رمضان البوطي ص 82-93، مكتبة الفارابي، دمشق- سوريا، ط:2 ، ت: بدون .

[20] سورة الإسراء: جزء من آية 57.

[21] ينظر: أصول التربية الإسلامية:د. عبدالرحمن النحلاوي ص 259-261.

[22] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم 4/ 1994 ح2577.

[23] صحيح البخاري، سبق تخريجه ص 337.

[24] فتح الباري 1/ 162.

[25] ينظر: وسائل الدعوة: د. عبدالرحيم المغذوي ص 69.


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook