أسلوب ضرب الأمثال في الدعوة: أهميته ومتطلبات نجاحه

الكاتب: المدير -
أسلوب ضرب الأمثال في الدعوة: أهميته ومتطلبات نجاحه
"أسلوب ضرب الأمثال في الدعوة
أهميته ومتطلبات نجاحه




تحتاج الداعية إلى استخدام أسلوب ضرب الأمثال والتشبيه لتقريب المعاني للطالبات ولإيقاظ حسهنّ، حيث تربط بين الطبيعة الحية الماثلة أمام الطالبة وبين الأحكام الشرعية التي توجه لها، (وقد أخبر سبحانه أنه ضرب الأمثال لعباده في غير موضع من كتابه وأمر باستماع أمثاله، ودعا عباده إلى تعقلها والتفكير فيها والاعتبار بها؛ وهذا هو المقصود بها)[1]، قال تعالى: ? وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ? [العنكبوت: 43] [2].

 

كما زخرت السنة النبوية بالأمثال التي يقرب بها المعنى، ويثبت في نفس المدعو، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل المؤمن كمثل الخامة[3] من الزرع، من حيث أتتها الريح كفأتها، فإذا اعتدلت تكَفَّأ بالبلاء، والفاجر كالأرزة[4] صماء معتدلة؛ حتى يقصمها الله إذا شاء))[5]، جاء ضرب المثل في هذا الحديث مبيناً (أن المؤمن حيث جاءه أمر الله أنطاع له، فإن وقع له خير فرح به وشكر، وإن وقع مكروه صبر ورجا فيه الخير والأجر، فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرا، والكافر لا يتفقده الله باختياره، بل يحصل له التيسير في الدنيا، ليتعسر عليه الحال في المعاد، حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذاباً عليه وأكثر ألماً في خروج نفسه )[6].

 

أهمية أسلوب ضرب الأمثال:

تستثمر الداعية الحكيمة الناصحة لطالباتها أسلوب ضرب الأمثال في دعوتها للطالبات في حثهنّ على التمسك بالإسلام وطيب الأخلاق، حيث إن (ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور كثيرة: التذكير، والوعظ، والحث، والزجر، والاعتبار...وتأتي أمثال القرآن مشتملة على بيان تفاوت الأجر، وعلى المدح والذم، وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر وتحقيره)[7].

 

ولضرب الأمثال تأثير عظيم في إقناع الطالبات، حيث تصاغ لهم الأمور المعنوية في صور محسوسة، كأنها رأي عين (فإن المقصود من ضرب الأمثال أنها تؤثر في العقول ما لا يؤثره وصف الشيء ذاته، ذلك بأن الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي، والغائب بالشاهد)[8]، فترغيب المعلمة الداعية للطالبة في الإيمان إذا كان مجردا عن ضرب المثل له؛ لا يتأكد تأثيره فيها كما يتأكد إذا مثلته بالنور وبالشجرة الطيبة، وكذلك إذا نفرتها من الكفر بمجرد الذكر، لم يتأكد قبحه كما يتأكد إذا مثلته بالظلمة أو بالشجرة الخبيثة[9].

 

متطلبات نجاح أسلوب ضرب الأمثال:

من الأمور المهمة لنجاح الداعية في استخدام أسلوب ضرب الأمثال ما يأتي:

1)) معرفة الأمثال الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة واستعمالها، لبلاغتها ولعظم العبر والعظات التي جاءت بها.

 

2)) مراعاة مستوى فهم الطالبات، وأن يكون ضرب المثل محققا للهدف المراد منه، والاستعانة لذلك بضرب الأمثال بأمور محسوسة مشاهدة من بيئة الطالبة.

 

3)) التأكد من فهم الطالبات للمثل المضروب، مع حسن الانتقاء للأمثال التي تساعد في عملية التبليغ وتقريب المعلومة وتثبيتها في أذهان الطالبات.

 

مما سبق يتضح أن خير ما يحقق النجاح للدعوة - بعد توفيق الله - هو تحقيق الداعية تقوى الله في نفسها، ثم إدراكها العميق لما تريد أن تقدمه للمدعوات، واتخاذها الوسائل والأساليب المناسبة، ومما يساعدها على ذلك وضوح الغايات والأهداف لديها، وهذا يوفر عليها الوقت والجهد، ويجعل انطلاقتها على هدى ونور مبين، بعيدا عن العشوائية والارتجال، وقريبا من السداد وحسن تقدير النتائج والعواقب، فالله تعالى (يندب للقول السديد، وهو القول الموافق للصواب، أو المقارب له عند تعذر اليقين، من قراءة وذكر، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتعلّم علم وتعليمه، والحرص على إصابة الصواب في المسائل العلمية، وسلوك كل طريق يوصل لذلك، وكل وسيلة تعين عليه، ومن القول السديد؛ لين الكلام ولطفه في مخاطبة الأنام، والقول المتضمن للنصح، والإشارة بما هو أصلح)[10]، قال تعالى: ? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ? [11].

 

يتأكد لدى الجميع أهمية القيام بالدعوة إلى الله في المرحلة الثانوية، وضرورة العناية بالأنشطة والبرامج التي يمكن من خلالها توجيه الفتيات إلى الخير، كما يمكن استثمار أوقاتهنّ وتنمية قدراتهنّ فيما ينفعهنّ، وهذه الأمور لا تخلو من عقبات تؤثر على قوتها، أو معوّقات تقطع سيرها، أو تضعف من أثرها، وهذا ما سيبنه الفصل الآتي بإذن الله.




[1] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1 /195.

[2] سورة العنكبوت: آية 43.

[3] الخامة: هي النبتة الطرية اللينة أو هي الزرع أول ما ينبت على ساق واحدة. ينظر: فتح الباري 10 /106.

[4] هو شجر الصنوبر، وقيل هو شجر معتدل صلب لا يحركه صبوب الريح. ينظر: فتح الباري 10 /107.

[5] صحيح البخاري كتاب المرضى والطب باب ما جاء في كفارة المرض، ح5664 (فتح الباري10 /103).

[6] فتح الباري 10 /107.

[7] البرهان في علوم القرآن: الإمام بدر الدين محمد بن عبدالله الزركشي 1 /487، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت، ط:بدون، 1391هـ1972م.

[8] هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة: الشيخ علي محفوظ ص 175.

[9] ينظر: المرجع السابق ص 175.

[10] تفسير الشيخ السعدي ص 620.

[11] سورة الأحزاب: الآيتان 70-71.


"
شارك المقالة:
41 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook